Author

البطالة العربية .. إلى الأمام سر

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"في الحقيقة، عدد قليل جدا من الحكومات تفكر ببطالة الشباب، عندما تقوم بوضع الخطط الوطنية" كوفي عنان، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة تتصدر البطالة العربية مشهد الأزمات في المنطقة، إلى جانب طبعا الخراب الحقيقي الذي يحدث في غير بلد عربي. ورغم أن هذه الأزمة ــ المصيبة ليست جديدة بل متجددة، إلا أن الجديد فيها يبقى دائما محصورا في الأرقام التي تصدر بين وقت وآخر حول نسب البطالة وشرائح المتعطلين، وأوضاع سوق العمل، ومخرجات التعليم وهذه السوق، والقطاعات العاجزة عن توفير فرص العمل. وكلها أرقام ترتفع سلبا في كل مرة. وعلى الرغم من قيام بعض الحكومات بخطوات عملية للحد من البطالة في بلادها، إلا أن وتيرة التوظيف تبقى أقل مما هو مستهدف أو مأمول. ما يطرح أسئلة حول الحراك الاقتصادي العام، والأهم حول القطاعات الموجودة وتلك الجديدة، ومدى ارتباط مخرجات التعليم فيها. وهذه وحدها معضلة لا أحد يتوقع أن تشهد حلولا سريعة، لأنها تراكمت ببطء، وبالتالي فهي بحاجة إلى علاج متوافق مع طبيعة الحالة. ومثل هذا العلاج يأخذ وقتا حتى في البلدان الأكثر تقدما. البطالة ليست حكرا على العالم العربي. فهي منتشرة بل متزايدة في دول كثيرة، بما فيها تلك التي تتمتع باقتصادات متقدمة. الفارق بين الحالتين، أن الاقتصادات المشار إليها، يمكنها ببساطة أن تعيش مع البطالة، وتوفر الحد الأدنى المطلوب للعيش الكريم للمتعطلين، دون أن تتأثر اقتصاداتها بصورة خطيرة من جراء ذلك. ومع أن النمو في البلدان المتقدمة أعلى مستوى منه في البلدان العربية خصوصا والنامية عموما، إلا أن فارق النمو لا يدخل عمليا في مشاريع التوظيف، وإن دخل يبقى أقل مما هو مطلوب. الأمر لا يتعلق بدول تعيش حروبا داخلية مخيفة مثل سورية والعراق واليمن. فهذه الدول عليها أولا أن تستعيد الأمن والاستقرار كي تبدأ في مناقشة مسألة البطالة. فلا يمكن حل أي مشكلة مهما كانت بسيطة، في أجواء حروب لا أحد يعرف أين وكيف ستنتهي. البلدان العربية الأخرى الأكثر استقرارا وأمنا يمكنها أن تناقش هذه القضية، وتبدأ بصورة عملية وليست نظرية في وضع الحلول الناجعة لها، مع الإشارة إلى أنه ليس المطلوب منها حلولا سحرية سريعة، لأنها ببساطة ليست قادرة عليها. وبالنظر إلى أرقام صندوق النقد العربي حول البطالة العربية، نجد مصيبة متعاظمة، ولا سيما فيما يختص ببطالة الشباب. ففي حين أن هذا النوع من البطالة يصل إلى 12 في المائة على مستوى العالم، يبلغ 28 في المائة على الصعيد العربي ككل! والمصيبة الأكثر فداحة، أن المتعلمين يشكلون ما نسبته 40 في المائة من هؤلاء! وهي نسبة مخيفة حقا. في بعض البلدان العربية، يتفوق غير المتعلمين "الأميين، والحرفيين وغيرهم" على المتعلمين في الفوز بفرص العمل! وهذا يطرح سؤالا رئيسا حول ما إذا كانت مخرجات التعليم المتخلفة في أحيان كثيرة هي السبب، أم فشل المخططات الاقتصادية للبلدان المعنية؟ إنها مزيج من الاثنين معا. فأغلبية الاقتصادات العربية فشلت في الواقع في محاكاة المستقبل بما تحتاج إليه هي لا غيرها! والآن تقوم بإعادة النظر في هذه المسألة الخطيرة، إلا أن الأمر "مرة أخرى" يتطلب وقتا لن يكون قصيرا للمواءمة بين حقائق المستقبل الاقتصادية والتنموية والآليات التنفيذية المطلوبة. ففي بعض الحالات تكون مخرجات التعليم أكثر تقدما مما هو متوافر في سوق العمل! وهذه أيضا معضلة لا دخل لاتجاهات التعليم فيها. لكن هذا لا يمنع من الاعتراف بأن نسبة من التوجهات التعليمية الفردية تسير بصورة معاكسة لما هو مطلوب على الساحة. لنترك جانبا البطالة العربية بين النساء، التي تفوق مثيلتها عند الرجال. فالنسبة مخيفة تصل إلى 34 في المائة مقابل 13 في المائة فقط على المستوى العالمي. فمشكلة البطالة في العالم العربي من الفداحة حيث لا يمكن تحسينها بين النساء في حين أنها مستفحلة بين كل الشرائح. المسألة برمتها مرتبطة بصورة مباشرة بالاقتصادات الوطنية ووتيرة التنمية، والفهم المطلوب للاستحقاقات الاقتصادية التي تفرضها التطورات المختلفة، من احتياجات السوق إلى التكنولوجيا إلى النمو الرهيب في عدد السكان في بعض البلدان ولا سيما مصر، وغير ذلك من الحقائق الواضحة على الأرض. ما تواجهه أغلبية البلدان العربية قنبلة موقوتة بصورة مستمرة. وهذا التوصيف بات مستهلكا ليس من كثرة استخدامه بل فرط بدهيته. والحكومات تعرف قبل غيرها، أنه لا يمكن ادعاء التنمية إذا ما كانت معدلات البطالة عند مستويات عالية مروعة اقتصاديا واجتماعيا. فحتى الوظائف الحكومية التي يتم توفيرها كمخرج للأزمة، باتت اليوم عبأ ثقيلا على الاقتصادات الوطنية كلها. فالمسألة لا تتعلق فقط بتوفير وظائف لا يعمل الموظفون فيها حقا، بل مرتبطة بالتنمية التي لا تختص بأولئك المتعطلين، بل بالأجيال القادمة أيضا.
إنشرها