Author

قوة الاقتصادات المتقدمة .. وضعف الصاعدة (2 ـ 2)

|
في كل من البلدان الرئيسة وبلدان الهامش، يظل عدم اليقين بشأن الميزانيات العمومية قضية شائكة يتوقع حلها من خلال التعهد بما يسمى "مراجعة جودة الأصول". ومن منظور أطول أجلا، وكما هو الحال بالنسبة لليابان، هناك حاجة ملحة إلى الإصلاحات الهيكلية من أجل تعزيز معدل النمو الممكن الضعيف حاليا. غير أن الخبر الأهم يأتي من اقتصادات السوق الصاعدة، حيث تراجع النمو، غالبا أكثر مما توقعنا في تموز (يوليو) الماضي. والسؤال الواضح هو ما إذا كان ذلك يعكس تباطؤا دوريا أو انخفاضا في النمو الممكن. والإجابة إنه يعكس الاثنين، حسب معلوماتنا اليوم. فقد أدت الظروف العالمية المواتية على غير المعتاد، سواء أسعار السلع الأولية القوية أو الأوضاع المالية العالمية، إلى ارتفاع النمو الممكن في الألفيات، مع إضافة مكون دوري في عدد من البلدان. ومع تقدم أسعار السلع الأولية نحو الاستقرار، وازدياد ضيق الأوضاع المالية، زاد انخفاض النمو، واقترن الانخفاض في بعض الحالات بتصحيح دوري حاد. وإزاء هذه التغيرات، تواجه الحكومات في اقتصادات السوق الصاعدة تحديين: التكيف مع انخفاض النمو الممكن، والتعامل حسب الحاجة مع التصحيح الدوري. وبالنسبة للتحدي الأول، لا يمكن تجنب بعض الانخفاض في النمو نسبة إلى ما كان عليه في الألفيات، لكن الإصلاحات الهيكلية يمكن أن تساعد في هذا الخصوص وقد أصبحت أكثر إلحاحا بالفعل. وقائمة الإصلاحات مألوفة للجميع، من إعادة التوازن بالتركيز على الاستهلاك في الصين إلى إزالة الحواجز أمام الاستثمار في الهند والبرازيل. وبالنسبة للتحدي الثاني، تنطبق النصيحة المعتادة أيضا: فالبلدان ذات العجز المالي يجب أن تضبط أوضاع ماليتها العامة. وعلى البلدان ذات التضخم المزمن الذي يتجاوز المستوى المستهدف أن تلجأ إلى التشديد المالي، والأهم في الغالب أن تضع إطارا أكثر موثوقية للسياسة النقدية. ويزداد مغزى هذه النصيحة في ضوء ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية طويلة الأجل. فمن المرجح أن تؤدي العودة إلى أسعار الفائدة الطبيعية في الاقتصادات المتقدمة إلى تحول جزئي في اتجاه التدفقات الرأسمالية السابقة. ومع قيام المستثمرين بإعادة توطين أموالهم، تنكشف البلدان التي تعاني ضعفا في مراكز ماليتها العامة أو ارتفاعا في معدلات تضخمها. ويجب أن يكون التحرك الصحيح من جانب بلدان السوق الصاعدة تحركا مزدوجا. أولا، يجب أن تعمل على ترتيب بيتها الاقتصادي الكلي من الداخل، حيثما دعت الحاجة، من أجل توضيح سياسة الاقتصاد الكلي، والحفاظ على استمرارية الأوضاع المالية العامة. ثانيا، يجب أن تسمح بانخفاض سعر الصرف استجابة للتدفقات الخارجة. وقد أصبح الانكشاف لمخاطر النقد الأجنبي أكثر محدودية اليوم، بعد الآثار المعاكسة التي يحدثها في السابق نتيجة انخفاض سعر الصرف، ولا بد أن تكون اقتصادات السوق الصاعدة قادرة على التكيف مع تغير البيئة السائدة دون مصاعب كبيرة. لم أركز هنا على البلدان منخفضة الدخل. والخبر السار في هذا الصدد أنها لا تزال تتسم بقدر كبير من الصلابة على وجه العموم. ومع ذلك، فستواجه بيئة تحمل تحديات أكبر في الفترة المقبلة. وباختصار، لا يزال التعافي من الأزمة مستمرا، وإن كان شديد البطء. وبينما ينصب التركيز حاليا على اقتصادات السوق الصاعدة بدرجة أكبر، فإن الأزمة قد خلفت تركة لا تزال بقاياها الأخرى موجودة حتى الآن، والاقتصادات المتقدمة لم تتجاوز مرحلة الخطر بعد. فلا يزال كل من الدين العام، والدين الخاص في بعض الحالات، مرتفعا للغاية، واستمرارية أوضاع المالية العامة ليست أمرا مؤكدا. ولا يزال بنيان النظام المالي في تطور مستمر، ولم يتضح بعد شكله النهائي ومدى صلابته في المستقبل. وإضافة إلى ذلك، لا تزال معدلات البطالة شديدة الارتفاع. وستظل هذه الأمور تمثل تحديات كبرى طوال عدة سنوات قادمة.
إنشرها