default Author

وضع الاستراتيجيات لتقوية المؤسسات (2 ــ 2)

|
لا يمثل الرئيس التنفيذي الذي رويت قصته حالة فريدة، بل نجد أمثاله في كثير من الشركات، وهم ناجحون غالبا، ممن يفتقرون بشدة إلى إحساس التعاطف. بعض المسؤولين التنفيذيين نرجسيون جدا، ولأنهم أنانيون كذلك يجدون صعوبة في وضع أنفسهم مكان الآخرين. وقد نجد تنفيذيين آخرين مضطربين اجتماعيا، وبينما يظهرون أنهم يبدون فائقي الإخلاص في العمل، إلا أنهم في واقع الأمر لا يشعرون بشيء، ولا مشكلة لديهم في ذلك. يحوّل بعض الناس التعاطف إلى قوة مدمرة، فيستخدمون حرصهم الشديد على شعور الشخص الآخر كأداة للتلاعب به أو زعزعة استقراره النفسي. أما العدد الأكبر من الناس، فهم مثل ذلك الرئيس التنفيذي، يشعرون بالقلق من الفوضى التي قد تترتب على اعترافهم بمشاعرهم الشخصية، لكن هذا السلوك في المجتمع الذي يعتمد اعتمادا متزايدا على شبكات العلاقات الإنسانية له ثمن باهظ. يستطيع المديرون التنفيذيون الذين يتسمون بالتعاطف إدارة العلاقات الإنسانية بنجاح أكبر، فهم يهيئون بيئات آمنة يستطيع فيها الموظفون التعبير عن آمالهم ومخاوفهم. ولأن التعاطف سلوك "معد" فهو يسهم في تحقيق أفضل ممارسات التفاوض، والتعاون، وتسوية النزاعات. ويلعب أيضا دورا مهما في تشكيل فريق عمل فعال. وعندما يكون التعبير عن التعاطف جزءا من ثقافة الشركة يبقى مستوى الإجهاد أقل بين جميع موظفيها. وينتج عن كل هذه المزايا قوة عاملة أكثر التزاما وذات دافع أكبر وأداء يفوق التوقعات. يوصف التعاطف بأنه القدرة على رؤية أنفسنا من الخارج ورؤية الآخرين من الداخل. وتعني الرؤية من الخارج الاعتراف بمشاعرنا وقبولها أولا. أما لرؤية الآخرين من الداخل، فمن الضروري أن نستمع بعناية فائقة ونصبر دون أن نحكم. فمن المهم لمن يتحدث أمامك أن يشعر بوجودك معه تماما، فلا تنظر وهو يحدثك إلى صفحاتك على وسائل الإعلام الاجتماعية، أو تتلق أي مكالمات هاتفية. وعليك أيضا أن تتنبه إلى السلوك غير اللفظي للشخص الآخر، أو ما يسمى "لغة الجسد". يجب أن تمتنع عن إسداء النصائح على الفور، والحرص على ألا تقاطع تدفق أفكاره بأفكارك. واستخدم هنا كلمات موليير "خير لنا أن نمتحن أنفسنا لمدة طويلة جدا قبل التفكير في إدانة الآخرين". اعترف الرئيس التنفيذي بأنه لم يكن متعاطفا جدا مع التي كانت تلقي العرض التقديمي. واعترف بعد فوات الأوان، أنها على الرغم من أنها حافظت على مظهرها الخارجي البارد، فإنها على الأغلب كانت تشعر بالتوتر الشديد، وتأمل في الحصول على موافقته. ثم قال لي إن والدته كانت تعاني مرضا خطيرا في ذلك الوقت، وكانت المكالمة الهاتفية من شقيقته، وإنه برحيله المفاجئ وعودته كان يحاول إخفاء ما يشعر به من اضطراب عاطفي. أقررت له بأنه كان بإمكان المدير المالي وغيره من كبار المسؤولين التنفيذيين أن يكونوا أيضا أكثر تعاطفا معه في ذلك الاجتماع. فلماذا لم يسأله أحدهم، على انفراد على الأقل، إذا كانت أموره جميعا على ما يرام؟! لكن أيا منهم لم يفعل ذلك، فبماذا ينبئ ذلك عن مستوى التعاطف لدى الآخرين في المجموعة؟ يبدو أنه ما من أحد منهم قادر على أن يتعاطف مع الحالات السلبية، إذ ينظرون إلى السعي إلى فهم سبب سلوك المدير التنفيذي نوعا من التصرف الوقح. إلا أن عدم التعاطف يمنع من فهم تجارب الآخرين، حتى في المؤسسات، ويقود إلى عدم الاكتراث وسوء الفهم. ولأن التعاطف عنصر مبكر وجوهري من تجربتنا الإنسانية، فيمكن المحاججة بأن مقاومة التعبير عن التعاطف في المنظمات إنكار لسمة أساسية تميزنا نحن البشر، والحرص على مشاعر الآخرين يؤدي إلى المعاملة بالمثل، فالتعاطف يولد التعاطف. اعمل على تعزيز مشاعر التعاطف لديك، ونمِّ فضولك عن نفسك من الخارج، ونحو الآخرين من الداخل، لتصبح مؤسستك بيئة أفضل.
إنشرها