FINANCIAL TIMES

موجة من الاستثمارات الجديدة في قطاع البتروكيماويات

موجة من الاستثمارات الجديدة في قطاع البتروكيماويات

كانت الزيادة الكبيرة في الاستثمار في صناعة البتروكيماويات في الولايات المتحدة على مدى السنوات السبع الماضية واحدة من أكبر حالات ازدهار الإنفاق في بلد متقدم هذا القرن.
وهناك سلسلة من المصانع الجديدة الواسعة لتصنيع المواد الكيماوية المستخدمة في إنتاج البلاستيك، تابعة لشركات مثل داو كيميكال وإكسون موبيل، على وشك أن تدخل مرحلة الإنتاج.
ويجري حاليا اقتراح موجة ثانية من المشاريع، في وقت أصبح فيه بعض منتجي المواد الكيماوية على ثقة متزايدة بأن لقيم الغاز الرخيص سيستمر لفترة طويلة. لكن الصناعة منقسمة على نفسها، مع تساؤل بعض الشركات عما إذا كانت السوق قوية بما فيه الكفاية لتبرير زيادة جديدة في الاستثمار.
فقبل عقد من الزمان كان يبدو أن صناعة البتروكيماويات في الولايات المتحدة محكومة بانخفاض طويل الأجل، بعدما طغت عليها الشركات المنافسة من الشرق الأوسط، الذي يتمتع بالنفط والغاز الرخيصين لاستخدامهما لقيما. لكن ثورة النفط الصخري الأمريكية غيرت النظرة، وأطلقت العنان لفيضان من سوائل الغاز الطبيعي الرخيصة، مثل الإيثان والبروبان، وهي مواد لقيم أساسية.
ومنذ عام 2010 تم استكمال ـ أو بدأ بناء ـ ما قيمته 85 مليار دولار من مشاريع البتروكيماويات، مع وجود خطط لمشاريع قيمتها 100 مليار دولار أخرى تقريبا، وفقا لمجلس الكيمياء الأمريكي، وهو المجموعة الخاصة بالصناعة. وستوظف هذه المصانع مجتمعة نحو 60 ألف شخص حين تدخل الخدمة.
يقول كيفن سويفت، كبير الاقتصاديين في مجلس الكيمياء الأمريكي: "هذا هو المكان المناسب. نحن المنتجون من ذوي التكلفة المنخفضة".
وكانت أكبر فرصة جديدة في الولايات المتحدة لمصلحة شركات تكسير الإيثلين: المصانع التي تأخذ الإيثان وتحوله إلى الإيثلين، المستخدم في صناعة المواد البلاستيكية.
داو، وإكسون، وساسول الجنوب إفريقية، وسي بي كيم، المشروع المشترك بين شيفرون وفيليبس 66، بنت معامل تكسير كبيرة على طول ساحل خليج المكسيك في الولايات المتحدة ينتظر أن تبدأ العمل هذا العام وعام 2018. ومن المتوقع أن يرتفع إنتاج الإيثلين في الولايات المتحدة من 25.8 مليون طن في العام الماضي إلى 34.2 مليون طن في العام المقبل، بزيادة قدرها 33 في المائة، وفقا لـ "ستاندرد آند بورز" غلوبال بلاتس.
ومعظم الإنتاج الإضافي سيذهب للتصدير، عادة بعد تحويله إلى حبيبات البولي إيثلين. ومع اقتراب الاقتصادات الناشئة من عادات البلدان المتقدمة، يتزايد طلبها على اللدائن بمعدل يراوح بين 1.5 ومرتين ضعف سرعة النمو في ناتجها المحلي الإجمالي.
يقول بوب باتيل، الرئيس التنفيذي لشركة ليوندل باسل، مجموعة البتروكيماويات الأمريكية ـ الهولندية: "هذه التوسعات في الولايات المتحدة موجهة نحو التصدير إلى آسيا. ما يدفع الطلب على البلاستيك هو الطبقة الوسطى المتنامية في الصين والهند".
لكن مع ظهور مصانع جديدة للكيماويات في الولايات المتحدة، أثار بعض المحللين مخاوف بشأن تخمة الإنتاج التي من شأنها أن تدفع أسعار الإيثلين إلى أدنى. ويرى مديرون تنفيذيون في الصناع، وآخرون، أن نمو الاستهلاك قوي بما فيه الكفاية لاستيعاب زيادة العرض. مناسبة البلاستيك للاستخدام قوية، وكان الطلب قويا عليه حتى في فترات الانكماش الاقتصادي.
بالنسبة للشركات النفطية الكبيرة، الاستثمار في المواد الكيماوية أمر جذاب بشكل خاص لأن السوق تنمو بوتيرة أسرع من نمو الطلب على البنزين أو الديزل، وهي أكثر قدرة على الصمود أمام سياسات الحكومات المتعلقة بخفض انبعاثات غازات الدفيئة. صحيح أن العالم يتحول نحو طاقة الرياح والطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية، لكن البلاستيك المصنوع من النفط والغاز سيكون من الصعب استبدال شيء آخر به.
فان بن بوردن، الرئيس التنفيذي لشركة رويال دتش شل، وصف المواد الكيماوية بأنها إحدى أولويات الشركة الأنجلو-هولندية للنمو.
استخدام مواد اللقيم منخفضة التكلفة، مثل المواد المتوافرة في الولايات المتحدة، يمكن أن يجعل عمليات المواد الكيماوية مربحة للغاية، كما يقول. ويضيف: "أعمالنا في مجال المواد الكيماوية هي أفضل أعمالنا من حيث الأداء. وهي كمية صغيرة جدا بالنسبة لبقية المحفظة. لهذا السبب قلنا إننا نريد مضاعفة هذه الأعمال، في البداية، بحلول الجزء الأول من العقد المقبل".
في العام الماضي أعطت شل الموافقة على معمل تكسير جديد كبير في ولاية بنسلفانيا، للاستفادة من الإيثان المحلي الرخيص المستخرج من الحقل الصخري "مارسيلوس" ومن حقل أوتيكا. وفي آذار (مارس) أعلنت توتال الفرنسية أنها كانت تقود تكتلا يبحث في معمل تكسير جديد بقيمة 1.7 مليار دولار في بورت آرثر في ولاية تكساس.
وفي الشهر الماضي قالت "إكسون" إنها اختارت مع "سابك"، مجموعة المواد الكيماوية السعودية التي تشترك معها في مشروع مشترك، موقعا بالقرب من كوربوس كريستي في تكساس من أجل بناء معمل جديد لتكسير الإيثلين، سيكون الأكبر في العالم. وتهدف إكسون إلى اتخاذ قرار استثماري نهائي بحلول نهاية العام المقبل.
لكن في الوقت الذي تضغط فيه هذه الشركات للسير نحو الأمام، بعض الشركات الأخرى لا تزال تنتظر. في الموجة الأولى من الاستثمار أضافت ليوندلباسيل طاقة إلى المعامل القائمة، لكنها لم تبن معملا جديدا للتكسير، ويشير باتيل إلى أن من المرجح أن تبقى الشركة متمسكة بهذا الموقف الحذر.
اقتصاديات مصانع الإيثلين الجديدة لا تبدو قوية الآن مقارنة بالقوة التي كانت عليها خلال الفترة من 2010 إلى 2014، عندما كان هناك تباين واضح بين أسعار الغاز الأمريكي والنفط الخام العالمي.
وتستخدم المصانع الأمريكية الإيثان الذي يرتبط على نطاق واسع بأسعار الغاز، في حين أن ما تعادلها في آسيا وأوروبا تستخدم في الغالب النفتا، التي تقترن بالنفط. ومنذ تراجع النفط في عام 2014، تقلص الفارق بين أسعار النفط الخام والغاز بشكل كبير.
يقول باتل: "حتى في ظل بيئة انخفاض أسعار النفط، الولايات المتحدة لديها ميزة في أعمالنا". ويضيف: "كل ما في الأمر هو أن الحجة ليست مقنعة على نحو يجعلها تستلزم موجة أخرى من الاستثمار. ستكون الوتيرة أكثر تواضعا بكثير".
في الشهر الماضي، قال باتل للمستثمرين إن صيانة المعامل، ومدفوعات الفائدة على الديون والأرباح هي أولويات ليونديلباسيل من حيث استخدامات النقدية.
أندرو ليفيريس، الرئيس التنفيذي لشركة داو، التي ستصبح أكبر شركة كيماوية مدرجة في العالم إذا كان الاندماج الذي ستبلغ قيمته 150 مليار دولار أمريكي مع شركة دوبونت سيمضي قدما كما هو مخطط له، يوجد في وضع مماثل.
في لقاء هاتفي مع المحللين الشهر الماضي، قال ليفيريس إنه سيعطي قريبا تفاصيل الاستثمارات من أجل "توفير نقطة انطلاق لدفع الفصل التالي من مسار نمو داو"، لكنه أشار إلى أن تلك التفاصيل ستشمل فقط زيادات "تدريجية" في الطاقة.
يقول يوناس أوكسجور، المحلل في برنشتاين، إن المساهمين مترددون في رؤية داو تتخذ مقامرة كبيرة في الأسواق المستقبلية فيما كان دائما صناعة دورية. ويضيف: "يرغب المستثمرون في استعادة أموالهم. حتى لو كان الاستثمار منطقيا على أفق مقداره 20 عاما، فإن ذلك لا يعني أنه سيكون منطقيا على أفق مقداره خمس سنوات بالنسبة للمساهمين".
وبعد 12 عاما مديرا تنفيذيا لشركة داو، أصبح ليفيريس إلى حد بعيد الوجه الأكثر شهرة في صناعة البتروكيماويات الأمريكية.
فقد كان، مثلا، من المؤيدين البارزين لدونالد ترمب، ووافق على قيادة المجلس الأمريكي للتصنيع، وهي هيئة استشارية للرئيس الأمريكي.
وفي العام الماضي كان يبدو أن وقته في دائرة الضوء سينتهي بنهاية هذا الصيف، لكن يبدو الآن بأنه من المرجح أن يتم تمديده لفترة أطول.
وفي عام 2014، كشف "ثيرد بوينت"، صندوق التحوط الناشط، التابع لدانيال لوب، عن حصة في داو وبدأ بالضغط من أجل تفكيك الشركة، قائلا إن أسهمها كانت ضعيفة الأداء على مدى عشر سنوات.
انتقد "ثيرد بوينت" ليفيريس وفريق إدارته. ومن بين أمور أخرى، اتهم ليفيريس بعدم الوفاء بأهداف نمو الأرباح.
وكان يبدو أن لوب نجح في حملته عندما وافقت داو في عام 2015 على الاندماج مع شركة دوبونت، الذي يأتي بعده تفكيك الشركة المشتركة إلى ثلاث شركات منفصلة. وفي العام الماضي، أعلنت داو أن ليفيريس سيغادر في موعد أقصاه حزيران (يونيو) 2017.
لكن تلك الخطة كانت تستند على افتراض أن صفقة دوبونت ستكون قد أبرمت بحلول التاريخ المستهدف الأصلي، الذي كان نهاية عام 2016. ومع فوات الجدول الزمني لعملية الاندماج، ولأن من المتوقع أن تكتمل العملية في آب (أغسطس)، فقد أصبح ليفيريس غامضا بشأن نواياه.
وفي حديثه مع المحللين حول الأرباح في الأسبوع الماضي، أشار إلى أن التزامه بالتنحي في حزيران (يونيو) لم يعد قائما. وقال: "سيقرر مجلس إدارة الشركة ما الذي سيحدث هنا".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES