Author

قوة الاقتصادات المتقدمة .. وضعف الصاعدة «1 من 2»

|

القضية التي ربما تكون شاغلا للجميع الآن هي موقف المالية العامة في الولايات المتحدة وما يمكن أن يسببه من انعكاسات.
وبينما ينصب التركيز على إغلاق الحكومة ومسألة سقف الدين، ينبغي ألا نغفل تأثير التخفيض التلقائي للإنفاق هذا العام، الذي يقود إلى تقشف مالي يجمع بين الشدة المفرطة والجزافية المفرطة. ويمثل إغلاق الحكومة نتيجة أخرى، وإن كانت عواقبها الاقتصادية محدودة، إذا لم تستمر لفترة طويلة.
غير أن الفشل في رفع الحد الأقصى للديون يمكن أن يؤدي إلى تغيير قواعد اللعبة. فمن شأن الاستمرار في هذه الحالة لمدة طويلة أن يؤدي إلى ضبط مالي مفرط، الأمر الذي يمكن أن يؤثر سلبا في التعافي الاقتصادي في الولايات المتحدة. لكن آثار أي فشل في سداد الديون ستصبح ملموسة على الفور، ما يتسبب في اضطرابات قد تكون كبيرة في الأسواق المالية، سواء في الولايات المتحدة أو خارجها. ونحن نرى ذلك باعتباره من المخاطر ذات الاحتمالية المنخفضة، لكن حدوثه يمكن أن يتسبب في انعكاسات جسيمة.
غير أن المخاطر المحيطة بالمالية العامة في الولايات المتحدة، رغم كونها مقلقة، ينبغي ألا تجعلنا نغفل الصورة الأكبر. فوراء الأخبار اليومية، نجد الاقتصاد العالمي وقد دخل مرحلة تحول أخرى. فالاقتصادات المتقدمة تكتسب قوة متزايدة بوتيرة بطيئة، حسب المتوقع تقريبا. وفي الوقت نفسه، تباطأ النشاط في اقتصادات السوق الصاعدة، أكثر مما ورد في تنبؤاتنا الصادرة في يوليو الماضي.
وسأقدم لكم بعض الأرقام في هذا الخصوص. فنحن نتنبأ بأن تحقق الاقتصادات المتقدمة نموا 1.2 في المائة هذا العام، و2 في المائة في العام المقبل، كما أشارت تنبؤات يوليو الماضي. ونتنبأ لاقتصادات السوق الصاعدة والاقتصادات النامية أن تحقق نموا 4.5 في المائة هذا العام و5.1 في المائة في العام المقبل، بانخفاض 0.5 في المائة و0.4 في المائة، على الترتيب، عن تنبؤاتنا في يوليو الماضي.
وهناك توترات تنشأ عن هذين التطورين، حيث تواجه اقتصادات السوق الصاعدة تحدي النمو البطيء والظروف المالية العالمية المتغيرة.
دعوني أبدأ بالولايات المتحدة. فالطلب الخاص لا يزال قويا، ومن المتوقع أن تزداد قوة التعافي الاقتصادي، مع افتراض تجنب الحوادث المالية (وهو الافتراض الذي ترتكز عليه تنبؤاتنا). وقد حان الوقت لوضع خطط تتيح الخروج من مرحلة التيسير الكمي وأسعار الفائدة الصفرية ـــ وإن لم يكن قد حان بعد لتنفيذ هذه الخطط. وبينما لا توجد مشكلة فنية كبيرة في القيام بذلك، نجد أن مشكلات التواصل العام التي تواجه «الاحتياطي الفيدرالي» جديدة وحساسة. وبالنظر إلى الفترة المقبلة، من المنطقي أن نتوقع بعض التقلب في أسعار الفائدة طويلة الأجل.
وتواصل اليابان تعافيها الاقتصادي، لكن إمكانية استمرار هذا التعافي تتوقف على قدرة سياسات "آبينومكس" لإنعاش الاقتصاد على مواجهة تحديين رئيسيين. الأول ينعكس في النقاش الدائر حول زيادة ضريبة الاستهلاك، وهو الوتيرة الصحيحة للضبط المالي؛ إذ يجب ألا يكون شديد البطء بما يهدد المصداقية ولا شديد السرعة حيث يتسبب في قتل النمو. أما التحدي الآخر فهو تطبيق مجموعة موثوقة من الإصلاحات الهيكلية لتحويل ما يعتبر تعافيا دوريا إلى نمو مستمر.
أما بلدان أوروبا الرئيسة فتظهر فيها أخيرا بوادر التعافي. ولا يرجع هذا لتغيرات كبيرة في السياسات، وإنما يعزى جانب منه إلى تغير المزاج العام، وهو ما يمكن أن يكون محققا لذاته بصفة جزئية. ولا تزال المعاناة مستمرة في بلدان الهامش الجنوبية؛ إذ إن مستوى التقدم الأكيد بشأن التنافسية والصادرات ليس كافيا حتى الآن لتعويض الطلب الداخلي المحدود.

إنشرها