default Author

وضع الاستراتيجيات لتقوية المؤسسات «1 من 2»

|

براعة الموظفين التنفيذيين في رؤية أنفسهم من الخارج ورؤية الآخرين من الداخل، تلعب دورا مهما في صياغة فريق عمل مترابط وفعال.
كان التحضير لاجتماع وضع الاستراتيجيات يجري بسلاسة، فلعدة أيام كان فريق الإدارة العليا يستعد استعدادا مكثفا لتقديم عرضه التقديمي النهائي للرئيس التنفيذي عن تخطيط التحول المؤسسي. لكن أعضاء الفريق حذرون من ردة فعله غير المتوقعة، فهل سيوافق على خطتهم، أم سيرميها في وجوههم؟
حين بدأت المدير المالي تقدم نظرة عامة عن الخطة، رن جرس هاتف الرئيس التنفيذي، وما أدهش الجميع أنه رد على المكالمة وترك كرسيه وخرج من الغرفة مسرعا. توقفت المدير المالي بضع لحظات، وبدت محرجة وهي تفكر .. هل تستمر في عرض الخطة أم لا؟ ثم اتخذت قرارها وغيرت توجهها سريعا إلى بقية الحاضرين في الاجتماع، لكنها حقيقة كانت تكظم غضبها سرا. عاد الرئيس التنفيذي بعد 30 دقيقة، لكنه لم يتعذر سوى بكلمة مقتضبة «أنا آسف». وبدت المناقشة التي تلت ذلك متعثرة، وانتهى كل الاجتماع إلى أنه لم يزد على فرصة ضائعة.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يتصرف فيها المدير التنفيذي بهذه الطريقة الغريبة. ويبدو أنه لم يكن يأبه كثيرا بمشاعر الآخرين نحو سلوكه. لكن فقدانه للتعاطف مع مشاعر الآخرين كلفه هذه المرة غاليا. إذ طفح كيل معظم أعضاء فريق الإدارة العليا، وقرر كل منهم إعادة التركيز على نجاح أقسامهم وحدها من دون الاهتمام لحسن أداء الشركة كاملة. ومثلما توقع كثيرون، أسهم التراجع الاستراتيجي في مرونة الشركة في خسارتها سريعا لحصتها في السوق، وأدى ذلك في نهاية المطاف إلى غضب المساهمين، وطرد مئات من الموظفين من وظائفهم.
سمعت بعد وقت طويل بقصة اجتماع الاستراتيجية هذا من الرئيس التنفيذي ذاته. واقترحت عليه أن يفكر في تحسين تعاطفه مع مشاعر الآخرين. وأعرب عن دهشته البالغة من اقتراحي. كان يعرف بلا ريب ما معنى كلمة «تعاطف» والواقع أنه كان ينظر إلى نفسه على أنه شخص حساس. لكنه كان يرى أيضا أن كثيرا من التعاطف قد يعوق الموظفين عن أداء أعمالهم، فهو يعمل في مجال يشتد فيه التنافس بين الشركات، وبرأيه أن على المحترفين الذين صعدوا سلم الوظائف إلى مستوى اللجنة التنفيذية للشركة التحلي بالصلابة وقساوة القلب وعدم التأثر بالقضايا الشخصية.
لا يماثل التعاطف العطف، فالأخير ينطوي على مشاعر الحزن، أو الشفقة، أما التعاطف فهو القدرة على الإحساس بالتجربة العاطفية لشخص آخر، كالشعور بألمه وفرحه وغضبه. وبهذا فإن التعاطف هو العنصر الأساسي في العلاقات الفعالة والسعيدة بين الناس. وهو يساعدنا في تحديد ما يجب أن يقال أو ما لا يقال، وما يجب أن نفعل وما لا نفعل. إنه يعزز قدرتنا على استقبال المعلومات ومعالجتها وإيجاد الحلول. التعاطف يقوي أواصر الثقة، وهو الركيزة لشعورنا الحقيقي بالعدالة. ويسمح لنا تعاطفنا مع المشاعر السلبية لشخص معين خصوصا، التي تتسبب في التصرفات المدمرة أو غير المستحسنة أن نفهم تلك السلوكيات.
لعب التعاطف دورا رئيسا في تطور الإنسان كآلية لتعزيز الرعاية الأبوية والحماية. والواقع أن كثيرا من قدرتنا على التعاطف مستمدة من خبرتنا في مرحلة الطفولة مع الآباء والأمهات وغيرهم ممن حرصوا على رعايتنا حتى نكبر. لكن يبدو أيضا أنه لدينا مكون عصبي لهذا التعاطف. إذ تؤثر مجموعة من المواد الكيماوية التي تدعى الناقلات العصبية في شعورنا بالتعاطف، ومنها الأندورفين، والدوبامين، والسيروتونين، والأوكسيتوسين، وهي تكافئنا بجعلنا نشعر بأننا في حالة جيدة. وأشير إلى أحدها خصوصا، وهو الأوكسيتوسين (المعروف أيضا باسم «هرمون الحب») يبدو أنه يلعب دورا مهما في الترابط الاجتماعي، وعدة أمور أخرى، ما يجعلنا أكثر حساسية لمشاعر الآخرين.

إنشرها