رؤية السعودية ٢٠٣٠

خبراء دوليون: برامج "رؤية 2030" فك لارتباط السعودية التقليدي بالنفط

خبراء دوليون: برامج "رؤية 2030" فك لارتباط السعودية التقليدي بالنفط

أكد خبراء واستشاريون في بنوك وكبرى المؤسسات المالية البريطانية والشركات الاستثمارية التي تتخذ من العاصمة لندن مقرا، أن البرامج العشرة التي أعلنتها السعودية، تكشف تكامل الخريطة الاستثمارية في السعودية للمرحلة المقبلة، وبمثابة إعلان فك ارتباط حقيقي للاقتصاد السعودي عن النفط كمصدر رئيس للدخل.
وأوضحوا أن المملكة أكبر منتج للنفط في العالم، وما تتخذه من قرارات وإن بدت للوهلة الأولى داخلية محضة، فإن تأثيرها على أسواق النفط محتمل، وهو ما سينعكس على الاقتصادات الغربية، مشيرين إلى أن المستثمرين في العالم اعتادوا على متابعة تطورات الوضع الاقتصادي السعودي بدقة، ولهذا ظلت علاقة الفاعلين الاقتصاديين دوليا مرتبطة في جوهرها بالمشهد الاقتصادي في المملكة عبر منظور القدرات النفطية السعودية.
لكنهم أكدوا أن متابعة الفاعليات الاقتصادية الغربية عامة، والبريطانية على وجهة الخصوص للمشهد الاقتصادي السعودي، تتجاوز الآن حدود الرصد التقليدي للمملكة وقراراتها النفطية، كما كان الأمر سابقا، وانتقلت تلك المتابعة أخيرا إلى مرحلة نوعية جديدة منذ إقرار استراتيجية النهوض الشامل بالمملكة.
وهنا قال لـ"الاقتصادية" البروفسير آرثر ويفير؛ أستاذ الاقتصاد الدولي السابق، والاستشاري حاليا في عدد من المؤسسات المالية في أوروبا الغربية، إن "استراتيجية النهوض الشامل السعودية، والمعروفة اختصارا باسم "رؤية 2030"، تجعل الاقتصادات الدولية تواجه متغيرات جديدة تماما، إذ تفك ارتباط المملكة التقليدي مع النفط، لتفتح آفاقا أوسع للتنوع الاقتصادي السعودي.
وأضاف ويفير، أنه في ظل القدرات النفطية والمالية التي تتمتع بها الرياض، والحيوية الاقتصادية لرأس المال السعودي، فان الساحة الدولية مؤهلة لبروز لاعب رئيس جديد، سيشارك في اللعبة الاقتصادية الدولية لكن بشروطه الخاصة، ليس بوصفه المصدر الرئيس للطاقة عالميا، ولكن بوصفه محركا رئيسا في اتجاهات الاستثمار الدولية، وتوجيه مسار المؤسسات التكنولوجية العالمية".
وفي ظل هذا الفهم الجديد من قبل الاقتصاديين والخبراء الدوليين للدور الذي ستلعبه الرياض اقتصاديا إقليميا وعالميا خلال العقد المقبل، جراء تبنى "رؤية 2030"، فإن "الاقتصادية" استطلعت آراء مجموعة من الخبراء الاقتصاديين في المملكة المتحدة حول قراءتهم للبرامج العشرة الاستراتيجية التي أطلقتها الرياض ضمن "رؤية 2030" التي تعد استكمالا لبرنامجي التحول الوطني 2020 الذي أطلق في 6 يونيو الماضي وبرنامج التوازن المالي 2020 الذي أطلق في 22 ديسمبر عام 2016.
فإلى أي مدى تصب البرامج العشرة التي حددها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في المملكة في خدمة الاستراتيجية العامة لـ"رؤية 2030"، وكيف يقيمهم الخبراء الدوليون، وإلى أي مدى تسهم تلك البرامج العشرة في تعزيز وتفعيل الخطوط العريضة لـ"رؤية 2030"؟ وما مدلول إطلاقها في الوقت الحالي، وهل من علاقة بين تلك البرامج العشرة وهدف رفع مستوى معيشة المواطن السعودي وفقا لـ"رؤية 2030"؟
من جهتها، قالت لـ"الاقتصادية" الدكتورة بيرسي إمبلي؛ أستاذ الاقتصاد المقارن "يمكنا القول إن البرامج العشرة وبصرف النظر عن التفاصيل في المرحلة الراهنة، تعكس تغلغل "رؤية 2030" في عمق الاقتصاد والمجتمع السعودي، وتجاوزها مرحلة الخطوط الاستراتيجية العامة إلى مرحلة الاهتمام بالتفاصيل الحيوية والعملية لضمان تعزيز الهياكل الأساسية للاقتصاد السعودي".
وأضافت، أن "تلك البرامج ستسمح الآن بوجود مقاييس حقيقية وملموسة، تمكن صانع القرار في المملكة من أن يكون على دراية تامة بانعكاسات كل مرحلة على المواطن السعودي ومستوى معيشته، حيث يمكن إغلاق الثغرات التي يمكن أن تظهر خلال عملية التطبيق".
بدوره، اعتبر الباحث الاقتصادي كولن نوال، أن أبرز ما كشفت عنه البرامج العشرة يتمثل في عدة أمور، أولها عامل التوقيت، إذ تكشف تلك البرامج أن الاتجاه العام لـ"رؤية 2030" يسير كما هو مخطط له، وأن ما تم إنجازه منها حقق نتائج إيجابية خلقت أرضية لاتخاذ السعودية قرارا بالانتقال إلى مرحلة نوعية جديدة تمثلت في تلك البرامج العشرة.
وأضاف، أن ثاني أبرز ما كشفت عنه البرامج طبيعتها وهي تسعى إلى إقامة علاقة أكثر توازنا بين الاقتصاد الكلي ومستوى معيشة المواطن، وهو ما يظهر في أن المحور الاستراتيجي لـ"رؤية 2030" لمستقبل المملكة، تتمثل في فك الارتباط القائم مع النفط عبر تعزيز القدرات الاستثمارية في المملكة، ومن ثم هناك برنامج صندوق الاستثمارات العامة باعتباره المحرك الفاعل خلف تنوع الاقتصاد الوطني، بتعظيم الآثار الاستثمارية له بتحويله إلى أكبر صندوق ثروة سيادية في العالم، وإذا كان ذلك سيصب في صالح مجمل عملية التنمية السعودية، فإن المخطط كان شديد الحرص على أن ينعكس ذلك بشكل سريع وملموس ومترافق مع معدل التنمية المرتفع، ليشعر المواطن بأثرها، ومن ثم يكون مساهما فاعلا ومشاركا حقيقيا في العملية التنموية وليس متلقيا فقط لثمارها".
وتابع، "لهذا فإنه يتم العمل عبر هذا النموذج المتكامل للبرامج العشرة، في التغلب على أحد الصعاب التي واجهت تاريخيا العملية التنموية في المملكة، إذ هيمن نمط تقليدي على سلوك المواطن بأن يكون متلقيا لنتائج العملية التنموية، دون أن يكون مبادرا فيها، ولهذا نرى أن البرامج العشرة تضمنت برنامجا خاصا لتعزيز الشخصية السعودية، وإذا كان الدعم غير المسبوق الذي تحظى به "رؤية 2030" من الفئات الشابة في المملكة تمثل مؤشرا على شعبية المخطط والخطة، فإن تفاصيل هذا البرنامج وبرنامج صندوق الاستثمارات العامة، يمثلا معا حجر الزاوية الفعلي في إعادة صياغة المجتمع السعودي عبر أرضية اجتماعية - تقنية، بتعزيز الهوية الإسلامية الوطنية لإيجاد طبقة من الخبراء ورجال الإدارة المدعوين بنتائج اقتصادية باهرة من مخرجات صندوق الاستثمار الذين سيقومون بدورهم بإعادة استثمارها، لتتحقق بذلك فكرة الاعتماد على الذات على أسس الهوية الوطنية".
من جهتها، نظرت الدكتورة جيد جيسبي؛ أستاذ الاقتصاد الاجتماعي في جامعة أكسفورد، للبرامج العشرة باعتبارها نقلة نوعية في مسيرة "رؤية 2030"، تجعل من الاهتمام بالمواطن السعودي، ورفع مستوى معيشته المدخل الأساس للتنمية.
وأضافت، أنه "يبدو المخطط السعودي على وعي تام بالتغيرات الجارية ليس فقط على الساحة الداخلية، وإنما على وعي عميق بطبيعة التغيرات الجارية في مفهوم التنمية الاجتماعية، باعتباره المدخل للتنمية الشاملة التي تجعل المواطن هدفا تنمويا، وقائدا لعملية التنمية في الوقت ذاته".
وتابعت، "نلاحظ أن برنامج الإسكان على سبيل المثال، وبقدر ما اعتبر أن الهدف منه توفير حياة كريمة للمواطن، فإنه ربط البرنامج بتعزيز جاذبيته للقطاع الخاص، وهو ما يكشف عن النوايا الحقيقية التي لا تقف عند حدود التنويع الاقتصادي، وإنما أيضا بداية لمرحلة جديدة للقطاع الخاص في الهيكل الاقتصادي السعودي".
من ناحيته، قال الخبير الاستثماري دبليو إتش إيفنز، إن "رؤية 2030" تسعى إلى تفادي وضع البيض في سلة واحدة أخذا في الاعتبار المتغيرات الدولية، ولذلك فإن البرامج العشرة تكشف عن تكامل الخريطة الاستثمارية السعودية في المرحلة المقبلة، إذ تنطلق من الداخل السعودي باعتباره نقطة المركز أو الانطلاق.
وأضاف، أنه في ذلك تغير جذري مع التاريخ الاقتصادي للمملكة، الذي اعتمد على النفط الذي وفقا لطبيعة الإنتاج والاستهلاك يجعل من الأسواق الدولية محور الارتكاز، وتسعى البرامج العشرة إلى تحقيق الترجمة الفعلية لـ"رؤية 2030"، من الانطلاق من المحور الداخلي إلى تعزيز الشراكات الاستراتيجية مع الأخذ في الاعتبار ما يمكن وصفه بالدائرة السعودية الأولى وهي العمق الطبيعي والتلقائي للاقتصاد الوطني السعودي والمتمثل في بلدان مجلس التعاون الخليجي".
وأشار إلى أن "واضع البرامج يسعى إلى تعظيم الاستفادة من الانسجام القائم بينه وبين معظم المشاركين في الدائرة الأولى، إلى الانتقال الى الدائرة الثانية وهي الدائرة الإقليمية دون أن يخفي طموحه بتصدر سوق رأس المال السعودي الريادة الإقليمية، ودون أن يتجاوز الطموح المنطقي، من خلال احتلال مركز متقدم ضمن عشر أسواق عالمية، ليكمل بذلك الدائرة الثالثة الدولية".
ومع هذا يشير بعض الخبراء في مجال التنمية الاستراتيجية إلى أن البرامج العشرة تفوقت على ذاتها عبر إدراك واع لطبيعة التحديات التي ستواجهها مستقبلا.
وهنا يؤكد البروفسير بوال دوجلاس؛ أستاذ الاستراتيجية الدولية في جامعة ليدز، أن "رؤية 2030" تدرك تماما طبيعة القوى الخارجية المعرقلة للجهود التنموية وتتعامل معها بواقعية ودقة.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من رؤية السعودية ٢٠٣٠