FINANCIAL TIMES

علاج مناعي جديد يبشر بفتح في الحرب على السرطان

علاج مناعي جديد يبشر بفتح في الحرب على السرطان

المصعد الضخم الذي يمر عبر المقر الرئيس لـ "إنسايت" Incyte، شركة التكنولوجيا الحيوية الأمريكية، يستحضر الحياة السابقة للمبنى الذي كان متجرا. كان مساعدو المتجر يبيعون في السابق الملابس النسائية لمواطني ويلمنجتون، ديلاوير، الآن يوجد مئات العلماء برداء المختبر يحاولون اكتشاف العقار الخارق التالي.
يُراهن المستثمرون على أن شركة صناعة الأدوية محظوظة بسبب أحد أدويتها التجريبية، إيباكادوستات، وهو الجيل الثاني من العلاج المناعي للسرطان الذي حقق نتائج تبشر بالخير في التجارب السريرية في منتصف المرحلة.
مع ذلك، الرفض غير المتوقع لعقار الشركة الخاص بالتهاب المفاصل من قِبل هيئة تنظيم الأدوية في الولايات المتحدة في وقت سابق هذا الشهر كان تذكرة في الوقت المناسب بأن تطوير الأدوية من الأمور التي لا تتم بسهولة. النكسة أزالت أكثر من 10 في المائة من أسهم إنسايت يوم الإثنين الماضي.
وكانت مجموعة التكنولوجيا الحيوية قد باعت حقوق الدواء إلى "إيلي ليلي"، لكنها كانت تعتمد على الريع والمدفوعات الأخرى القائمة على الأداء التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات لتمويل التجارب لعقاقيرها التجريبية، بما في ذلك إيباكادوستات.
حتى مع احتساب تراجع الأسهم، القيمة السوقية لشركة إنسايت تضخمت أكثر من 60 في المائة خلال الـ 12 شهرا الماضية ووصلت إلى 26 مليار دولار، مستفيدة جزئياً من شائعات مستمرة تقول إن شركة صناعة أدوية كبيرة ستستحوذ عليها.
يقول هيرفي هوبينو، رئيس إنسايت المولود في فرنسا والرئيس السابق لقسم علم الأورام في نوفارتيس: "ليس من السيئ أن تكون مُثيراً - أنت تريد أن تكون مطلوباً. لكن لدينا رؤية هوسية لجعل إنسايت واحدة من الشركات الأسرع نمواً، والأكثر نجاحاً، والأكثر ربحية - بأنفسنا".
وعند سؤاله ما إذا كان سينظر في عقد صفقة مع جيلياد، مجموعة التكنولوجيا الحيوية ذات رأس المال الكبير التي غالباً ما توصف بأنها مشتر من قِبل المحللين، يقول: "فكرنا في موضوعها، لكننا لن نشتريها - لأن احتمال نموها منخفض جداً مقارنة باحتمال نمونا".
ولا يتفق جميع المستثمرين على أن إنسايت ستبقى مستقلة. فأكثر من 8 في المائة من أسهمها تحتفظ بها صناديق تحوّط، بعضها اشترت الأسهم مع توقّع عقد صفقة. وقال مدير في أحد الصناديق إنه يعتقد أن إحدى الشركات ستتقدم إليها على الأرجح بعد الانخفاض الأخير في أسهمها.
ومع أن هوبينو لا يُظهر اهتماما يذكر لبيع الشركة، إلا أنه لم يكن عازفا عن توقيع صفقات أبحاث مع مجموعات دوائية أكبر. ووسّعت إنسايت أخيرا شراكة لاختبار عقار إيباكادوستات مع عقار العلاج المناعي كيترودا، من ميرك، في المرحلة الأخيرة من التجارب السريرية. وستتم الدراسات على مجموعة من أنواع السرطانات، بما في ذلك الرئة والكلى وسرطان الجلد.
وهذا الشهر وافقت المجموعة على ارتباط مماثل مع بريستول-مايرز سكويب، الشركة المنافسة لميرك في مجال العلاج المناعي، الأمر الذي أثار الدهشة في الصناعة لأن مجموعة التكنولوجية الحيوية كان يبدو أن لديها اهتماما بعدد من الشركات في وقت واحد. تيم أندرسون، المحلل في بيرنشتاين، يقول إن الصفقة تُظهر أن إنسايت "شركة تتعامل مع الجميع بدون تمييز".
ويقول هوبينو: "كان الناس يقولون: كيف تذهب إلى العمل مع شركة في الصباح وشركة أخرى بعد الظهر؟ حسناً، نحن نُقدّم شركة مفتوحة من وجهة نظر الشراكة".
الاهتمام من أمثال «ميرك» و«بريستول-مايرز سكويب» يأتي في الوقت الذي تحاول فيه الشركتان حل واحد من الألغاز الأكثر عناداً للعلاجات المناعية، المعروفة باسم مُثبطات نقطة التفتيش. لماذا يستجيب ما يُقارب ثُلث المرضى للأدوية - حيث يعيشون شهورا أو أعواما أطول مما كانوا سيعيشون في السابق - بينما الأغلبية يبدو أنهم لا يستفيدون على الإطلاق؟
كانت شركات صناعة الأدوية تأمل في رفع معدلات الاستجابة أعلى بكثير من خلال الجمع بين الأدوية والعلاجات المناعية القديمة والعلاجات التقليدية مثل العلاج الكيماوي. ويبدو أن هذا النهج يقتل خلايا سرطانية أكثر في بعض المرضى، لكن بالنسبة للكثيرين الآثار الجانبية السامة أثبتت أنها لا تُطاق.
إيباكادوستات، العلاج المناعي من الجيل الثاني، ينجح من خلال قمع أنزيم يُسمى IDO تستخدمه الأورام للاختباء من الجهاز المناعي. ويبدو أن العقار يُعزز نسبة المرضى الذين يستجيبون للعلاجات المناعية القائمة بدون التسبب في أي مشاكل سلامة كبيرة.
في دراسة في منتصف المرحلة لمرضى سرطان الجلد المتقدّم قضى ما يُقارب 60 في المائة من المرضى الذي يتعاطون مزيجا من عقار إنسايت وعقار كيترودا، من ميرك، عاماً بدون أن يزداد سرطانهم سوءاً.
اقتفاء أثر الجوانب العلمية وراء ما يُسمى مُثبطات IDO يقود إلى أبحاث تمت على الحمل في التسعينيات. تساءل العلماء عن السبب في أن جسم الأم لا يرفض الجنين - الذي يستمد 50 في المائة من موادّه الجينية من الأب – بالطريقة نفسها التي يمكن أن يرفض بها جسما غريبا آخر مثل عضو مزروع.
اكتشفوا أن إنتاج أنزيم IDO سمح للجنين بحماية نفسه من الجهاز المناعي. وتبيّن أن الأورام تستخدم حيلة مماثلة للاختباء من الخلايا التي قد تقتلها خلافاً لذلك.
عدد من شركات صناعة الأدوية الأخرى تطوّر مُثبطات IDO التي يُمكن أن تنافس إيباكادوستات، مثل بريستول-مايرز سكويب، التي أنفقت أخيرا ما يصل إلى 1.25 مليار دولار للاستحواذ على دواء مُنافس من شركة فليكسوس للتكنولوجيا الحيوية في سان فرانسيسكو. روش، مجموعة الأدوية السويسرية وميرك عقدتا أيضاً صفقات ترخيص للوصول إلى المتنافسين، في حين أن فايزر لديها مرشح مبكر قيد التطوير.
مع ذلك، تتقدّم إنسايت بنحو 18 شهرا عن أقرب منافس، وهي بداية جيدة في مجال تطوير الأدوية.
وولّدت إنسايت صافي دخل بلغ 104 ملايين دولار من إيرادات بلغت 1.1 مليار دولار في العام الماضي، على الرغم من أن المساهمين يعزون معظم قيمة الشركة للمبيعات المستقبلية وقوة الأدوية التجريبية التي قيد التطوير. لكن يُحذّر بعض المستثمرين من أن الارتفاع السريع في سعر أسهم إنسايت والرفض الأخير لدواء التهاب المفاصل الخاص بها يعنيان أنها يجب أن تصيب الهدف مع مُثبطات IDO الخاصة بها.
ومن المُقرر أن تُقدّم الشركة في حزيران (يونيو) المقبل نتائج تجاربها على عقار إيباكادوستات في الاجتماع السنوي للجمعية الأمريكية للأورام السريرية - أكبر مؤتمر للسرطان في العالم ـ وأي شيء أقل من اكتساح واضح يُمكن أن يُثير قلق المساهمين، كما يقول بعضهم.
وبحسب أحد كبار المستثمرين في علوم الحياة "البيانات التي سنراها (...) يجب أن تكون جيدة. في الواقع، في هذه المرحلة، يجب أن تكون مثالية".
ويعترف هوبينو بأنه يشعر بشيء من القلق. ويُجادل بأنه في حين أن من الذكاء علمياً البدء بعدد كبير من التجارب السريرية في المراحل الأخيرة من عقار إيباكادوستات، إلا أنه قد يكون من الصعب على مجتمع الاستثمار فهم ماذا ستعني هذه الخطوة بالنسبة لأرباح الشركة على المدى الطويل.
يقول: "خيبة الأمل ممكنة لأن وظيفة كثير من المحللين هي التنبؤ. المشكلة هي أن هناك ديكتاتورية لجدول البيانات".
أحد النقاشات الدائمة في صناعة الأدوية هو ما إذا كان ينبغي للشركات محاولة اكتشاف العقاقير الخاصة بها، أو النظر خارج مختبراتها لشراء وترخيص الأدوية التي تبشر من المنافسين.
من الصعب العثور على شركة أكثر مباشرة في المعسكر الأول من إنسايت، التي التزمت بالاكتشاف منذ عام 2001. لديها سبعة عقارات في التجارب السريرية في منتصف المرحلة أو أواخرها - جميعها تم تطويرها داخل الشركة.
يقول هوبينو: "الاكتشاف هو ما يهم في عملنا والحقيقة هي أن بعض من في صناعتنا لم يكُن يهتم بذلك"، مُشيراً إلى مجموعات مثل فاليانت وتورينج فارماسيتيكالز التابعة لمارتن شكريلي، التي استفادت من الحصول على عقاقير قديمة وفرض ارتفاع كبير في الأسعار.
مع ذلك، ينتقد هوبينو أيضاً الشركات "في منتصف الحزمة" التي تُنفق بكثرة على التطوير والتسويق، لكنها تتجنب الأبحاث في المرحلة المبكرة، وبدلاً من ذلك تشتري أدوية مبتكرة من مجموعات التكنولوجيا الحيوية الأصغر.
التزام الشركة بالكيمياء يُميّزها أيضاً في الوقت الذي تُركّز فيه كثير من الشركات المنافسة على العقاقير البيولوجية المصنوعة من خلايا حية بدلاً من مركبات كيماوية.
يقول هوبينو: "قررت كثير من الشركات (...) الاستعانة بمصادر خارجية من الهند والصين في الكيمياء الخاصة بها، ونحن فعلنا العكس تماماً".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES