FINANCIAL TIMES

حان الوقت لتخلي المصارف مقعد القاضي

حان الوقت 
لتخلي المصارف مقعد القاضي

تخيّل نفسك ضحية عملية سطو وتمكّنت الشرطة -بضربة حظ كبيرة- من القبض على الشخص المسؤول. كيف ستشعر عند دعوتك إلى المحكمة لإثبات الأدلة إذا وجدت خصمك غير موجود في قفص الاتهام كما كنت تتوقع، لكن بدلاً من ذلك يجلس بشكل مريح على مقعد القاضي؟
قد تبدو هذه فكرة سخيفة، أساساً لأنه أمر غريب جداً على كل مفهوم من مفاهيم عدالة الإنصاف. لكنه أمر يبدو مألوفاً جداً بالنسبة لأصحاب الشركات الصغيرة عندما يلتمسون التعويض عن الخسائر التي تعرّضوا لها بسبب السلوك السيئ للمصارف التي يتعاملون معها.
إلى حد كبير يجد هؤلاء الزبائن أنفسهم يتقدمون بالتماس إلى المؤسسات نفسها التي أخطأت بحقهم، المؤسسات التي ربما كانت تقاوم على مدى أعوام فكرة دفع التعويضات. لنتذكر أن هؤلاء ليسوا زبائن تتعلّق شكواهم الوحيدة بخوض تجربة سيئة مع مدير مصرف غير نظيف. مثلا، إحدى زبائن مصرف هاليفاكس الاسكتلندي، جوان دوف، خسرت منزلها وزواجها وشركتها بعد أن عمل مستشار فاسد وضعه المصرف لمساعدتها في زيادة أعمالها على سحب رأس المال الذي أقرضه المصرف إيّاها لهذا الغرض. شريكه في "هاليفاكس" بعد ذلك انتزع القرض، ما أدى إلى انهيار شركتها.
لا يوجد نقص في الأمثلة حيث المصارف وعملاؤها من الشركات الصغيرة يُحدثون هذه الدراما. لننظر فقط إلى ثلاث قضايا تشق طريقها من خلال إجراءات حل معقدة، كل منها موافق عليها من قِبل هيئة تنظيم. الأولى، التي أُطلقت في عام 2013، من المُفترض أن تعوّض ضحايا فضحية منتج التحوّط ضد أسعار الفائدة، حيث كسب كثير من المديرين في عدد من المصارف الرائدة مكافآت كبيرة من خلال الغش في بيع عقود التبادل، غالباً إلى زبائن من الشركات الصغيرة عديمة الخبرة.
العام الماضي خصص مصرف هاليفاكس ما يصل إلى 400 مليون جنيه لتعويض العملاء الذين تكبّدت شركاتهم خسائر، أو دُمرت من قِبل فريق إعادة هيكلة الشركات في المصرف. والآن مجموعة لويدز المصرفية تستكمل الثلاثي المُشين. فهي الآن عاكفة على إعداد برنامج لتعويض الزبائن الذين تعرضوا للسرقة بسبب عملية احتيال فاسدة اشتملت على 245 مليون جنيه في فرع ريدينج الذي كان تابعا في السابق لمصرف هاليفاكس بعد انتهاء محاكمة شهدت سجن ستة أشخاص.
هذه الآليات جديدة، وحسنة النية. فهي مُصممة لمنح التعويض السريع للمالكين والشركات التي بدائلها تُعتبر غير كافية. قد يكون من السهل على يونيلفر رفع دعوى قضائية على مشتقات أسعار فائدة لا تعمل. لكن هذا أمر غير واقعي إذا كانت شركتك صغيرة، أو أنها دُمرت قبل أعوام من إثبات عملية الاحتيال.
مع ذلك، المهمة الموجودة بحُكم الضرورة تتطلب من البرامج اتّخاذ بعض الأحكام بالغة الدقة. هل كانت الخسارة في نهاية المطاف بسبب سلوك المصرف؟ هل كانت هناك عوامل مساهمة أخرى؟ كثير من قضايا مصرفي "هاليفاكس" و"رويال بانك أوف اسكتلند" تشمل شركات يُنظر إليها على أنها عالية المخاطر - أو تُعاني متاعب مالية. وفي حين قد يكون من السهل حساب الخسائر المباشرة التي تُعزى إلى مقايضة غير ملائمة، ماذا عن الأضرار المترتبة على ذلك: إلغاء طلبات الشراء والاستثمار، وفصل الموظفين؟
هذه القرارات تولد منذ الآن شعورا كبيرا بالاستياء، لاسيما بسبب رأي المصارف في التوصل إليها. في نظام مقايضة أسعار الفائدة، يشعر أصحاب الشركات بالغضب بسبب تقديم القليل جداً مقابل التكاليف غير المباشرة الإضافية التي تفرضها عملية الاحتيال.
هناك مشاكل تلوح في الأفق مع آلية لويدز، على الرغم من أن المصرف اجتاز جميع العراقيل التنظيمية قبل اختيار خبير مستقل لتقييم العملية. كذلك حافظ لويدز على عدالة عملية المراجعة واستقلال المُقيّم التابع له.
رفضه النظر في التعويض لمدة عقد، على الرغم من الشكاوى بشأن الاحتيال الذي ظهر في ذلك الوقت، يعطي الزبائن سببا لعدم الثقة به. ليس فقط أنهم الآن يشككون في استقلال الخبير، وإنما يُريدون كذلك من المصرف الكشف عن جميع وثائقه لهم. على الرغم من أن نطاق المراجعة لم يُقرر بعد، إلا أن المُدّعين يشعرون بالقلق من أنه لن تكون هناك شفافية بشأن القرارات التي يتّخذها.
هناك بالطبع طريقة لكسر الجمود. يتعيّن على سلطة السلوك المالي التخلّي عن نهجها الخاص في خطط التعويض ووضعها على أساس قانوني أكثر تقليدية. بدلاً من أن يكون للمصارف رأي في إدارة هذه الآليات، ينبغي أن تُوضع تحت هيئة مستقلة، أقرب إلى هيئة توظيف. تماماً كما تخلّى أولئك عن الفكرة القانونية القديمة "للسيد والخادم"، عندها سيكون العميل والمصرف على المستوى نفسه. سيحصل كل جانب على إمكانية وصول متساوية للمعلومات والتمكّن من الاستماع لآرائهما وحججهما.
كان هناك حديث بخصوص تغيير المصارف لثقافتها وأهمية استعادة ثقة الزبائن. فأي طريقة للتركيز على ذلك أفضل من إعطاء الزبائن صلاحيات أكبر لتأكيد حقوقهم في مواجهة المؤسسات المالية؟ على المصارف أن تُخلي مقعد القاضي.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES