Author

قطاع التجزئة .. هل نجد شخصيتنا؟

|
مستشار اقتصادي
عماد الاقتصاد السعودي المصروفات العامة التي يجد جزء مؤثر منها طريقه من خلال الرواتب والأجور إلى الاستهلاك من خلال قطاع التجزئة. قطاع التجزئة مكون أساس في حسابات الدخل القومي الإجمالي ومن أكثرها استقرارا. لما يكون الاقتصاد استهلاكي الطابع وعلى درجة من الاستقرار بسبب أن أغلب العاملين موظفون في القطاع العام يأخذ قطاع التجزئة أهمية أكبر. هذه الحقيقة الاقتصادية نتجت عنها ممارسات غير "اقتصادية" على الصعيدين المادي والبشري. على الصعيد المادي هناك نواح لافتة مثل تكاثر المحال التجارية الصغيرة وسيطرتها على أغلب شوارع المدن الرئيسة والفرعية تحت نماذج اقتصادية يغلب عليها التستر بعدة أشكال وبطريقة لا تخدم القطاع أو الاقتصاد، وأيضا تكاثر الأسواق العامة "المولات" مقارنة بالدول الأكثر تقدما، جزئية أخرى يعبر عنها مدى تكاثر الصيدليات في الحي والشارع الواحد. من الناحية البشرية يسيطر على هذا القطاع الوافدون، سيطرة الوافدين على الوظائف وأحيانا في الملكية من خلال "التستر". هذا النموذج بخصائصه ليس جديدا وسبق أن تحدث عنه كثيرون من أكثر من زاوية. الجديد أن قطاع التجزئة عالميا يمر بتغيرات هيكلية وكذلك يمر الاقتصاد الوطني بتغيرات شاملة وعميقة تؤثر في القطاع وهناك تمازج وتداخل بينهما. لفت نظري أحد الزملاء عن مقالة تتحدث عن تغيرات هيكلية يمر بها قطاع التجزئة في الولايات المتحدة خاصة أن أمريكا أخذت الاستهلاك والتسويق إلى مستوى جديد عالميا وسعت المجتمعات الأخرى إلى الأخذ بالنموذج الأمريكي. ظاهرة الشراء من خلال الشبكة العنكبوتية ممثلة بأمازون وغيرها خاصة بعد تطور الهواتف الذكية عصفت بالأسواق العامة، هذا أيضا كان بسبب أن أمريكا أسست كثيرا من هذه الأسواق مقارنة بكثير من الدول المتقدمة، وأخيرا تغير في تركيبة المصاريف، حيث اتجه الناس من شراء الماديات لشراء الخدمات مثل الأكل في المطاعم والأندية الرياضية والتجميل والسفر وغيرها من الخدمات. أعتقد أن القارئ سيجد درجة من التشابه بين الحال في أمريكا والمملكة، فنحن جزء من منظومة التواصل والخدمات العالمية، ولعل ظاهرتي "أوبر" و"كريم" من هذه الشواهد، والناحية الأخرى لعلها أكثر وضوحا لدينا من حيث تكاثر الأسواق الشاملة، بل لعل المملكة أكثر أسواقا من أمريكا قياسا على حصة الفرد من الدخل القومي الإجمالي أو عدد السكان. بل إن التشوهات في سوق العمل والملكية تجعل القطاع في حالة أكثر حاجة إلى الإصلاح والتكيف مع تغيرات جذرية للقطاع وما يمر به الاقتصاد الوطني من تحولات. لفترة طويلة تعرض القطاع لإهمال حميد، حيث كان هناك تعاون غير مقدس بين المتستر وسياسة تجارية داخلية مبتعدة. أصبح القطاع مبعثرا ومكلفا وقليل الربحية بسبب الإهمال غير الحميد جماعيا. التحولات المتوقعة في الاقتصاد الوطني ستؤثر في قطاع التجزئة على أكثر من صعيد. فمثلا زيادة أسعار الوقود قد تكون أحد المثبطات لزيارة الأسواق، وبينما التوجه نحو الترفيه يوجد فرص أعمال أخرى كبديل لصرف أوقات طويلة لكثير من العائلات في الأسواق، وزيادة الرسوم على العمالة الوافدة تؤثر من حيث رفع الأجور والحاجة إلى تقليلها في اتجاه آخر، وهناك أيضا قرار وزاري بتوطين وظائف المراكز التجارية، ولكن من المبكر الحكم على نتائج هذه الإجراءات والتوجهات في السوق خاصة أن ساعات عمل كثير من هذه المنافذ للتجزئة لا تزال في دور التفكير والإعداد. كما أن هناك أيضا تأثيرا في أسواق العقار والإنشاءات لأن تقليل المحال التجارية قد يتوجه لقطاع الإسكان ما قد يقلل التكاليف المجتمعية في قطاع أهم، ولكن هناك تكاليف محتملة للبعض. ما يحدث الآن من تحولات دولية ووطنية مهم لهذا القطاع ولكن من المبكر الحكم على شمولية وعمق هذه الإجراءات ولكنها مجتمعة ستغير تركيبة القطاع وتصرفات الناس وأنماط مصروفاتهم "خاصة بعد انخفاض بعض المداخيل" والتكاليف المجتمعية وفرص استثمار مختلفة في الخدمات. التعجيل بهذه التحولات ظاهرة طيبة في الغالب للمجتمع رغم أن البعض سيتحمل بعض التكاليف المباشرة وغير المباشرة من حيث عدم القدرة على التكيف، ولكن تقابل ذلك فرص واعدة للبعض. المحصلة أن التكلفة المجتمعية ستنخفض والاقتصاد سيقترب أكثر للعقلانية والتوظيف الأمثل للموارد. يتجه قطاع التجزئة لتكوين شخصية مختلفة عن الوضع الحالي تعكس التوجهات الاقتصادية الجديدة، ولعل أحد المؤشرات على التقدم مرحليا يأتي في قدرتنا على إعادة تشكيل القطاع.
إنشرها