Author

ضرورة إعادة هيكلة «التأمينات الاجتماعية»

|
من الأعمال الشاقة لأي كاتب، الكتابة عن مؤسسة غامضة، فالأمر يتطلب جهدا مضاعفا لمراجعة كثير من التصريحات المتناثرة هنا وهناك والاستنتاجات وربط بعض الأرقام ببعضها، ولعلك تصل في النهاية إلى تصور عن وضع قريب لمثل هذه المؤسسات. إن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية "المؤسسة" أحد الأمثلة على ذلك، وهي تتبنى نموذج عمل أقرب ما يكون إلى السرية التامة، فلا أحد يعلم تفاصيل استثماراتها الداخلية والخارجية وعوائدها ومصروفاتها. كل ما نعلمه عن المؤسسة هو فقط ما تصرح به من مبالغ تصرف للمستفيدين وأعدادهم وإنذارات أصحاب العمل بعدم التسجيل في المؤسسة ومجلة "التأمينات"! كل مؤسسات التقاعد في الدول المتقدمة وبعض الدول المجاورة تنشر حساباتها السنوية المدققة كي يعلم كل مشترك ومستفيد كيف تستثمر مساهماته وكيف تصرف عوائدها بكل شفافية. هذا مع العلم أن نظام المؤسسة لم ينص على تبني مثل هذا النموذج في العمل، بل إن نظام المؤسسة، الفصل الثالث، المادة الـ 12، بند رقم 6 ينص على أن يمارس مجلس الإدارة الاختصاصات التالية، وذكر منها "الإفصاح عن المركز المالي السنوي للمؤسسة وعن نشاط الاستثمار". إضافة إلى مخالفة هذا النص، فإن مثل هذه السرية تعد مخالفة لأحد أهم أعمدة "رؤية 2030" في تبني الحوكمة والشفافية. ولعلي هنا أبدي بعض المقترحات حول إعادة هيكلة هذه المؤسسة وباختصار شديد: 1 - إلغاء عضوية أصحاب المنشآت في مجلس الإدارة واستبدالها بزيادة عدد المشتركين و/أو المستفيدين نظرا للمصلحة المباشرة. 2 - إنشاء جمعية عمومية تتألف من عضوية كل المشتركين والمستفيدين لمراجعة تقارير وقرارات مجلس الإدارة. 3 - إعادة النظر في استراتيجية استثمارات المؤسسة الداخلية والخارجية. فحسب ما يتسرب من معلومات صحافية أن العائد على استثمارات المؤسسة في سوق الأسهم هو في حدود 3 ــ 4 في المائة، وهذه النسبة المتدنية بكل تأكيد تثير كثيرا من الاستغراب! كيف لمؤسسة تحصل على الاكتتاب في الشركات المساهمة المميزة بالسعر الاسمي ألا تحقق عوائد مجزية تفوق ما يحققه أفضل صناديق التقاعد العالمية؟ وللمقارنة فإن صندوق التقاعد الأمريكي مثلا حقق عائدا سنويا في حدود 11.5 في المائة والكندي 9.5 في المائة والياباني 8.7 في المائة في عام 2013، مع ملاحظة أن هذه العوائد حقيقية بعد خصم التضخم ودون أي مميزات أو حوافز من الدولة. 4 - مع كل الاحترام والتقدير لمجلس الشورى في مراجعة تقارير المؤسسة وموظفي المؤسسة في تمثيلها في مجالس إدارات الشركات المساهمة، فلن يكونوا أكثر حرصا على جدوى استثماراتها من المشتركين أو المستفيدين. لذلك يجب حصر ممثلي المؤسسة في هذه الشركات على المشتركين أو المستفيدين من أصحاب الخبرة. 5 - ذكر محافظ المؤسسة أن عجز المؤسسة إكتواريا وليس نقديا وطالب بإلغاء التقاعد المبكر. هذه المعلومات توحي أيضا بضرورة مراجعة معايير اختيار الخبير الإكتواري للمؤسسة. يبدو أنني شارفت على استهلاك المساحة المخصصة للكتابة وسأكمل الحديث حول إدارة المؤسسة قريبا ـــ بإذن الله.
إنشرها