FINANCIAL TIMES

الاقتصاد العالمي .. الجو ربيعي والمحركات جميعها تعمل

الاقتصاد العالمي .. الجو ربيعي والمحركات جميعها تعمل

"خروج بريطانيا" ودونالد ترمب كان من المفترض أن يجلبا الدمار والخراب والحروب التجارية إلى الاقتصاد العالمي، إن لم تكن المجاعة والأوبئة التي تغذيها الشعبوية. لكن الوقت يذهب بكثير من التنبؤات. وبالتالي اجتماعات الربيع لرؤساء المالية في العالم في واشنطن كانت مملوءة بتفاؤل جدير بهذا الموسم.
قالت كريستين لاجارد، رئيسة صندوق النقد الدولي، في الوقت الذي افتتحت فيه الاجتماعات يوم الخميس: "الربيع في الأجواء والربيع في الاقتصاد أيضا".
ما يعزز ثقة صندوق النقد الدولي هو تحسن الأداء في معظم الاقتصادات العالمية الكبيرة. رفع الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي للمرة الأولى منذ ستة أعوام على أساس تحسن الوضع في الصين، التي قالت الأسبوع الماضي إن اقتصادها حقق نموا بمعدل سنوي بلغ 6.9 في المائة في الربع الأول، وتحسن أيضا الوضع الاقتصادي في اليابان وأوروبا. الولايات المتحدة تقترب - إن لم تكن وصلت - إلى التوظيف الكامل. وبالنسبة لصندوق النقد الدولي، الذي يتنبأ بنمو عالمي نسبته 3.5 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، الآفاق الأقوى هي ثمرة حالات الانتعاش الواسعة النطاق في قطاعي التصنيع والتجارة.
يقول راجورام راجان، محافظ البنك المركزي الهندي السابق وكبير خبراء الاقتصاد في صندوق النقد الدولي: "الاختلاف هذه المرة هو أن جميع المحركات تنطلق للمرة الأولى. لا تنطلق بقوة كبيرة، لكنها تنطلق".
"تعزيز الاقتصاد حقيقي"، كما يقول كبير اقتصاديين سابق آخر في صندوق النقد الدولي، أوليفييه بلانشار، الذي يجادل بأن ميراث أزمة عام 2008 والتكيف مع المزيد من المستقبل منخفض النمو "الأقل من العادي" وصل إلى نهايته.
باختصار، في حين أن السياسة في معظم أنحاء العالم الغربي يغمرها القلق المتراكم من عقد من النمو المنخفض، إلا أن الاقتصاد العالمي الآن في أقوى حالاته منذ الأزمة المالية.
وهذا يعني، بالطبع، أنه إذا استمر نمط أعوام ما بعد الأزمة فمن الممكن أن تختل الأمور بشكل فظيع، وبسرعة. التهديد المبكر الذي يلوح في الأفق هو الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية أمس، حيث استطلاعات الرأي جعلت حتى صندوق النقد الدولي يشعر بالقلق.
إذا فازت الزعيمة اليمينية المتطرفة مارين لوبن في الانتخابات التي تجري من جولتين وأوفت بوعودها بالخروج من اليورو والاتحاد الأوروبي، فإن "هذا بالتأكيد ينطوي على اضطراب كبير"، كما قالت لاجارد، المتحفظة عادة، في مقابلة تلفزيونية.
المخاطر المحتملة لا تزال أيضا تلوح في أفق البيت الأبيض، الواقع على مسافة قريبة من صندوق النقد الدولي. حتى في الوقت الذي كانت فيه لاجارد تشيد بالإدارة الجديدة في الولايات المتحدة، كان ترمب يطلق تحقيقا للأمن القومي في واردات الصلب، يبدو من المرجح أنه سيؤدي إلى رسوم جمركية جديدة وما قد يكون أول إجراءاته نحو حمائية كبيرة. هذا يمكن أن يستثير ردود فعل انتقامية من الصين والاتحاد الأوروبي. على الرغم من أن ترمب قدم بعض الإشارات التي تفيد بأن القومية الاقتصادية تتلاشى كقوة في إدارته، إلا أن غرائزه بشأن التجارة والهجرة لا تزال تبدو حمائية بشكل واضح.
تماما تحت التفاؤل المباشر بشأن الاقتصاد العالمي، الأسئلة الوجودية حول ما قد تعنيه إدارة ترمب والموجة الأوسع للشعبوية بالنسبة لمؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي كانت عرضة لنقاش كبير الأسبوع الماضي.
جيمس بوتون، المؤرخ الرسمي لصندوق النقد الدولي حتى عام 2012، يجادل بأن الصندوق لم يتعرض لكثير من الهجوم من الولايات المتحدة منذ إطلاق الرئيس ريتشارد نيكسون مدافع بلاغية طنانة يهاجم فيها صندوق النقد الدولي في السبعينيات. لكنه يقول إن الأزمة الحالية هي حتى أكثر عمقا من قبل. "على مستوى عميق جدا نحن في لحظة (...) حيث أزمة القيادة هي أكبر مما كانت عليه في أي وقت، بالتأكيد في حياة صندوق النقد الدولي".
"هناك أسباب وجيهة جدا للتفاؤل بشأن الاقتصاد [العالمي خلال الأشهر الـ 18 المقبلة. [لكن لا يبدو أن الإدارة في الولايات المتحدة لديها أي رغبة في ممارسة القيادة في الاقتصاد العالمي وفي النظام الدولي. هذا شيء جديد وخطير".
ستيفن منوشين، وزير الخزانة في إدارة ترمب، يعترض على هذا التقييم. "نحن جزء هائل من صندوق النقد الدولي منذ إنشائه"، كما أخبر "فاينانشيال تايمز" في مقابلة الأسبوع الماضي عبر فيها أيضا عن إعجابه بالعمل الذي تؤديه مؤسسة التمويل الدولية، ذراع القطاع الخاص التابعة للبنك الدولي.
لكن منوشين الذي قاد الشهر الماضي فقط الجهود الأمريكية لعرقلة لغة مجموعة العشرين التي تنبذ الحمائية، لا يزال أمامه طريق طويل لإثبات التزام الإدارة بالنزعة الدولية التي يهاجمها ترمب.
"إنها أمريكا أولا، من الأفضل تصديق ذلك"، كما قال الرئيس أمام حشد في إحدى شركات صناعة الأدوات في وسكونسن الأسبوع الماضي، في الوقت الذي وقع فيه أمرا تنفيذيا يهدف إلى تعزيز قوانين "شراء المنتجات الأمريكية" التي تتطلب من الحكومة الأمريكية شراء السلع المحلية.
بلانشار واحد من بين الذين يجادلون بأن المخاطر الاقتصادية للشعبوية "ربما ليست كارثية" في الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات المتقدمة بفضل "الضوابط والتوازنات" في أنظمتها السياسية. حتى في فرنسا انتخاب لوبن، أو جان لوك ميلانشون، اليساري المتطرف، من المرجح أن يجعلهما يواجهان سلطة تشريعية ذات أغلبية معادية ويعانيان في سبيل الوفاء بالوعود.
يقول: "من وجهة نظر الاقتصاد الكلي، خروج بريطانيا يعد مطبا في الطريق. وحتى لو انفجرت اليونان، أغلب ظني أنه لن ينظر إلى الأمر على أنه يؤثر في سلامة النظام العام. حتى ترمب من المرجح ألا يكون قادرا على فعل الكثير، هذا إذا استثنينا كوريا الشمالية. عندما أتجول لا أرى مخاطر واضحة حاليا في الاقتصاد الكلي".
مع ذلك، حتى المتفائلون في صندوق النقد الدولي يعترفون بأنه لا تزال هناك أسباب مهمة للشعور بالقلق بشأن الاقتصاد العالمي.
كومة الديون الصينية المتزايدة وعدم قدرة السلطات على كبح نمو الائتمان لا يزالان يثيران القلق بين خبراء الاقتصاد في الصندوق. كذلك يفعل موكب فضائح الفساد في البرازيل، أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية. في إفريقيا حيث الآمال في إيجاد واقع جديد يغذيه النمو كانت منتشرة جدا قبل بضعة أعوام فقط، نشهد الآن الاقتصادين الرئيسيين، نيجيريا وجنوب إفريقيا، يتراجعان.
موريس أوبستفيلد، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، يقول إن التفاؤل الحالي ينبغي أن يتراجع بسبب انخفاض النمو المحتمل في الإنتاجية الذي يبدو أن الحكومات مستعدة فوق الحد لقبوله منذ الأزمة.
يقول: "يبدو أننا نجتمع على ما تدعوه [لاجارد المستوى العادي الجديد للنمو المنخفض على المدى الطويل المدفوع من نمو الإنتاجية المنخفض"، على الرغم من "أننا بالتأكيد لا نعتقد أن هذا بالضرورة سيكون مصيرنا".
مارك كارني، محافظ بنك إنجلترا، من بين الذين يشيرون إلى وجود فجوة بين ما يسمى بيانات ثقة "لطيفة" ونتائج اقتصادية "فعلية". قال في واشنطن: "كانت هناك آفاق أكثر إيجابية بكثير [للاقتصاد العالمي على مدى الأشهر الستة الماضية. لكن لا تزال هناك فجوة كبيرة إلى حد ما بين (...) حماسة الشركات مقابل إنفاق الشركات".
فجوة البيانات اللطيفة / الفعلية ربما هي أكثر وضوحا في الولايات المتحدة. الاستطلاع الذي أجراه الاتحاد الوطني للشركات المستقلة حول تفاؤل الرؤساء بلغ أعلى مستوياته منذ عام 2004 في كانون الثاني (يناير)، ولم ينخفض إلا قليلا منذ ذلك الحين. استطلاع جامعة ميشيغان لمعنويات المستهلكين يشير إلى أقوى وجهة نظر بخصوص الظروف الاقتصادية الحالية منذ 17 عاما، حيث الرقم أقل قليلا من ذروة عام 1999 غير المسبوقة.
مع ذلك، يتوقع كثير من خبراء الاقتصاد أن تشير أرقام الناتج المحلي الإجمالي للربع الأول في الولايات المتحدة التي تصدر يوم الجمعة المقبل إلى بقعة لطيفة. مؤشر تعقب "الناتج المحلي الإجمالي الآن" من الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا يشير إلى نمو سنوي في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.5 في المائة فقط في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2017. مبيعات التجزئة انخفضت 0.2 في المائة في آذار (مارس)، بعد انخفاضها 0.3 في المائة في شباط (فبراير).
ينبغي عدم المبالغة في أهمية أرقام الربع الأول الضعيفة، لكن التنبؤات المتهورة التي تشير إلى أن إدارة ترمب بإمكانها تحقيق نمو مستدام بنسبة 3 في المائة أو أكثر لا تزال تبدو بعيدة المنال.
وهذا يبقى صحيحا إذا تخلف ترمب أكثر في محاولات تنفيذ جدول أعماله الاقتصادي. إصلاح الرعاية الصحية كان يهدف إلى تمهيد الطريق لإصلاح ضريبي كبير، لكن المحادثات في الكونجرس لا تزال مشوشة على كلتا الجبهتين واعترف منوشين الأسبوع الماضي بأنه لن يتمكن من إجراء الإصلاح الضريبي في الموعد النهائي الذي وضعه هو في آب (أغسطس). خطة البنية التحتية أيضا تواجه شكوكا مماثلة.
مع ذلك، لا تزال اللهجة المتفائلة بشكل عام موجودة. ويصر المسؤولون الأوروبيون على أن المنطقة التي أصبحت أنموذجا لارتفاع البطالة وخيبة الأمل المستمرة تمر الآن في تحسن. وفقا لبيير موسكوفيشي، مفوض الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي، انتعاش أوروبا "يترسخ ويتوسع عبر القطاعات"، على الرغم من أنه يعترف بأن "منطقة اليورو ذات السرعتين قد ظهرت". كلاوس ريجلينج، العضو المنتدب لآلية الاستقرار الأوروبي، صندوق الإنقاذ في منطقة اليورو، عبر الأسبوع الماضي عن شعوره بالإحباط من أن قصة النمو الوليد في أوروبا "لم تتحقق بما فيه الكفاية".
جون رايس، الذي نائب رئيس مجلس الإدارة الذي يشرف على العمليات الدولية في "جنرال إلكتريك"، يجادل بأن القطعة الأخيرة المفقودة من الانتعاش العالمي ستكون ارتفاعا في أسعار السلع الأساسية من شأنه مساعدة كثير من الاقتصادات الناشئة.
وهو يشعر بتفاؤل بخصوص الحمائية والمخاطر السياسية. ويجادل بأن الإدارة الأمريكية الجديدة هي تماما مثل أي حكومة من الحكومات الجديدة الـ 20 أو الـ 30 التي تتعامل معها "جنرال إلكتريك" في مختلف أنحاء العالم في أي سنة. ويقول: "هذا عالم يقوم على الحقائق".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES