FINANCIAL TIMES

المزاج العام في الأسواق معلق بما يدور في الصين

المزاج العام في الأسواق معلق بما يدور في الصين

ركيزتان – ترمب والصين – كانتا الدعامة لبضعة أشهر سخية لمستثمري المحافظ العالمية. لكن الأمل الذي استثمر في هاتين الركيزتين بدأ يتلاشى، ما أضفى مسحة هبوطية على ما يظل مع ذلك صورة متفائلة إلى حد كبير.
في حالة دونالد ترمب، التوقعات بأن الرئيس الأمريكي سيتصرف بسرعة لبذل الجهود في مجال الإصلاحات الضريبية، وتحرير القوانين التنظيمية، والاستثمارات الجريئة في البنية التحتية، بدأت تتراجع مع ظهور علامات كثيرة على حالات التأخير الإداري.
وبالنسبة للصين، الربع الأول من نمو الناتج المحلي الإجمالي يتراجع لتحل محله مخاوف بأن ثاني أکبر اقتصاد في العالم ربما يكون قد وصل إلى الذروة. هذا الاعتقاد يعمل منذ الآن على إضعاف أسعار السلع الأساسية التي تعتمد عليها حظوظ عدد من الأسواق الناشئة.
كل هذا، مقترنا بتصاعد المخاطر الجيوسياسية في كوريا الشمالية وسورية، اجتمع الأسبوع الماضي ليؤدي إلى تخفيض العائد على سندات الخزينة الأمريكية لأجل عشر سنوات - وهي أساس مهم تقوم عليه التوقعات الاقتصادية العالمية - إلى أدنى مستوياتها منذ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. ويكشف انخفاض عائدات سندات الخزينة عن تراجع الثقة في نمو الاقتصاد الأمريكي، وبالتالي نمو الاقتصاد العالمي.
يقول جيرود كير، وهو محلل استراتيجي في بنك الكومنولث في أستراليا: "المخاطر الجيوسياسية تنتشر. الإجراء الذي اتخذه ترمب في سورية والحديث عن كوريا الشمالية يستهلك عناوين الصحف. لكننا نعتقد أن تقاعس اقتصاديات ترمب هو السبب الأكبر الذي خيب التوقعات".
ويرى آخرون أن الدينامية الصينية تتضاءل باعتبارها رياحا عكسية تحدد ملامح الحركة الاقتصادية. أسهم نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين بنسبة 6.9 في المائة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام - أسرع توسع منذ 18 شهرا - في دفع الأسعار العالمية للنفط وخام الحديد والنحاس والألمنيوم والسلع الأخرى إلى أعلى.
لكن في الآونة الأخيرة تراجعت معظم أسعار المعادن. وفي الأسبوع الماضي انخفض سعر خام الحديد، وهو أحد الصادرات المهمة لدول مثل البرازيل وروسيا وأستراليا والهند، إلى أدنى مستوى له منذ ستة أشهر. وفقد النحاس، وهو معدن مهم بالنسبة لاقتصادات شيلي وبيرو وزامبيا وروسيا، نحو 10 في المائة من قيمته خلال الشهر الماضي. كذلك انخفض سعر نفط خام برنت خلال الأسبوعين الماضيين.
إن القلق بشأن الصين التي هي أكبر مستورد للنفط والمعادن الأساسية، هو أساسا حول أن جهود بكين الرامية إلى كبح جماح الفقاعة الائتمانية ستبدأ في عرقلة النمو، ما يعجل بعجز الشركات ويضغط على الطلب الاستثماري. وحتى الآن حدثت تسع حالات إعسار في السندات في الأشهر الثلاثة الأولى، وهو رقم قياسي للربع الأول.
جورج ماجنوس، وهو مستشار اقتصادي وكبير الاقتصاديين سابقا في مصرف يو بي إس الاستثماري، قال: "التوسع في الائتمان، الذي كان السبب الرئيسي للأداء الأفضل خلال الأشهر التسعة الماضية، تباطأ بالتأكيد تحت تأثير التشديد التنظيمي على الإقراض الرسمي".
وأضاف: "بالنسبة لي، هذا هو السبب الأكبر لتوقع تباطؤ الاقتصاد من الآن وحتى نهاية العام، أو في كل مرة تبعد فيها الحكومة قدمها عن فرامل الائتمان".
ولم تقتصر علامات الإجهاد على سوق السندات. الانهيار المفاجئ بنسبة 90 في المائة في يوم واحد في الشهر الماضي في سعر سهم شركة هيشان الصينية للألبان المدرجة في هونغ كونغ، نتج عن فشل الشركة في الوفاء بديونها وسط بيئة من السيولة النادرة.
إضافة إلى ذلك، يرى محللون أن من غير المرجح أن يستدام الإنتاج الصناعي الصيني القوي الذي كان سائدا في الفترة الأخيرة. السبب في ذلك هو أن جزءا من القفزة البالغة 14 في المائة في قيمة الإنتاج الصناعي في الربع الأول مستمدة من تضخم أسعار السلع الأساسية، وجزئيا من زيادة حادة في المخزون، ولا سيما الصلب.
مع ذلك، معظم المحللين يشددون على أن وصول النمو في الصين إلى ذروته من غير المرجح أن يكون نذيرا بالانهيار، خاصة في سنة ذات أهمية سياسية محورية ـ من المقرر يشهد مؤتمر الحزب الشيوعي الحاكم هذا العام تغيير المسؤولين الرئيسيين في الحزب.
يقول ماجنوس: "فيما يتعلق بالرئيس تشي جينبينج، لا يجوز السماح لأي شيء أن يؤثر سلبا على الاستعدادات للمؤتمر، لذلك أعتقد أن شعار الاستقرار بأي ثمن سيظل معمولا به لفترة لا بأس بها. إذا كانت هناك أي مؤشرات، مثلا على هشاشة الاستثمارات الخاصة أو بطء مسار الاستهلاك بعد حزيران (يونيو)، فإنني أتوقع تماما أن تخفف الحكومة سياساتها الائتمانية مرة أخرى".
حول مثل هذه الأسئلة يعتمد جزء من آفاق الأسواق الناشئة. كانت العائدات الكلية القوية في الربع الأول بالنسبة للمستثمرين في السندات والأسهم والعملات في البلدان النامية غير عادية في التاريخ الحديث. بلغت التدفقات الرأسمالية الداخلة 28.6 مليار دولار في الأشهر الثلاثة الأولى، مسجلة أول تدفقات داخلة صافية ربع سنوية منذ أكثر من عامين، بحسب بيانات "إن إن إنفستمنت بارتنرز"، وهو مصرف استثماري. لكن الصين ليست بأي حال من الأحوال العامل الوحيد. ما أضاف عامل المتانة هو انتعاش النمو في جميع أنحاء بلدان الأسواق الناشئة، كما يرى بيير إيف بارو، من جيه بي مورجان لإدارة الأصول.
يقول: "بعد خمس سنوات من الأرباح غير القوية، تحسن وضع نمو الأرباح منذ النصف الثاني من العام الماضي. البشرى السارة هي أن النمو ينتشر عبر القطاعات، ولذلك الأمر لا يتعلق فقط بأسهم شركات السلع وإنما بأسهم شركات أخرى مثل تكنولوجيا المعلومات والمصارف".
وبالمثل، فإن النمو الاقتصادي يتحسن هذا العام عبر الأسواق الناشئة من آسيا إلى أمريكا اللاتينية، إلى إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ويتوقع صندوق النقد الدولي استمرار هذا النمط، مع اتساع الفجوة بين معدلات النمو في العالم الناشئ والنامي سنويا حتى عام 2022.
ما ساعد على دعم هذا التفاؤل هو انتعاش ملحوظ في التجارة العالمية. فمن حيث الحجم، وباستبعاد تأثير تغيرات الأسعار، كانت التجارة العالمية في السلع في الأشهر الثلاثة المنتهية في كانون الثاني (يناير) أعلى 2.4 في المائة مما كانت عليه في الأشهر الثلاثة السابقة، حيث قادت الأسواق الناشئة الطريق إلى تحقيق النمو.
ومع ذلك، هناك مخاوف من أن دفعة التجارة المذكورة تعززت بشكل رئيسي بسبب الطلب الأمريكي والصيني - الذي قد يكون الآن على وشك الانحسار - بدلا من انتعاش الإنفاق الاستهلاكي في الأسواق الناشئة نفسها.
لذلك، كما يقول مارتن يان ياكوم، كبير المحللين الاستراتيجيين للأسواق الناشئة لدى "إن إن إنفستمنت بارتنرز"، فإن قدرا كبيرا من مشاعر الاستثمار يدور في النهاية حول الصين: "حين تبدأ الصين في تخييب الآمال على جانب النمو، فإن المزاج العام يمكن أن ينقلب بسرعة كبيرة".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES