FINANCIAL TIMES

أمريكا .. حزام الزراعة يخشى حرب ترمب التجارية

أمريكا .. حزام الزراعة يخشى حرب ترمب التجارية

أمريكا .. حزام الزراعة يخشى حرب ترمب التجارية

صوّت ميك روش لصالح دونالد ترمب العام الماضي بالحماسة نفسها التي كان يشعر بها تجاه كل مرشح جمهوري للرئاسة منذ عهد ريتشارد نيكسون. بالنسبة لمزارع ولاية كنساس، التصويت للمرشح الجمهوري جزء من تركيبته السياسية. يقول: "الدم الجمهوري يسري في عروقنا".
لكن الرجل الذي يبلغ من العمر 62 عاما، الذي نشأ في مزرعة للألبان وجنى على مدى العقود الأربعة الماضية المحاصيل المزروعة في أرض تبلغ مساحتها ألف فدان على مشارف ويتشيتا، أخذت تساوره الشكوك.
سواء أكانت متضمنة في الصفقات التجارية مثل اتفاقية الشراكة عبر الباسفيك، التي ألغاها الرئيس الأمريكي، أو الحروب التجارية مع الصين والمكسيك التي لا يزال يواجه خطر استثارتها، أو قضية المهاجرين التي تستهدفها إدارته، يرى روش أن هناك قائمة متزايدة من الأسباب التي تدعو للشعور بالقلق. والأكثر من ذلك، وبوصفه شخصا يعتمد على الأرض – والصادرات - ليجني قوت يومه، بدأ يعتبر ترمب وإدارته خطرا يتهدد الأمر الأساسي في حياته.
يقول: "أشعر بالفزع. أشعر بالحيرة بسبب بعض القرارات التي اتخذها. فهي تسبب لي الأذى".
فاز ترمب في الولايات الزراعية، مثل كنساس، بهوامش ساحقة في الانتخابات التي أجريت في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. في أراض زراعية تقع في قبل أمريكا، حيث تتم فيها الدعوات المسيحية من خلال الهاتف، وتهيمن فيها الموسيقى الريفية، وبرامج الحوارات المحافظة على الإذاعة، من المرجح أن يفعل ذلك مرة أخرى فيما لو أجريت انتخابات اليوم. المرة الأخيرة التي فاز فيها الديمقراطيون في تلك الولاية كانت في عام 1964، عندما حقق ليندون جونسون فوزا ساحقا على المستوى الوطني.
مع ذلك، هذا التقليد يصطدم الآن بالقوى السياسية والاقتصادية التي تدعم الرئيس ترمب. الاعتماد على التجارة في المناطق الريفية مثل ولاية كنساس يوضح التحديات والقيود التي يواجهها الرئيس الذي كان أصلا رجل أعمال، في الوقت الذي يقرر فيه السبيل الأفضل لتنفيذ جدول أعماله الاقتصادي ذي الطابع الوطني، المتضمن شعار "أمريكا أولا" الذي ساعده في الفوز في الولايات الصناعية مثل أوهايو وميشيغان.
تماما مثلما تعثرت خطة الرعاية الصحية التي دعمها ترمب في الكونجرس جزئيا لأن من شأنها الإضرار بكثير من أفراد الطبقة البيضاء الفقيرة من الذين صوتوا لصالحه، تنطوي خططه التجارية على خطر تنفير المؤيدين له في المناطق الريفية من البلاد. وما يلوح بشكل خاص إلى حد كبير في أفق بعض الولايات مثل كنساس هو خطط إدارة ترمب لإعادة التفاوض بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية "نافتا" مع كندا والمكسيك.
تعتمد ولاية كنساس على الصادرات الزراعية وتستفيد بشكل كبير من اتفاقية الشراكة عبر الباسفيك التي سحب ترمب الولايات المتحدة منها بعد توليه منصب الرئاسة بثلاثة أيام. لكن هذه الاتفاقية كانت تتعلق بتحقيق مكاسب مستقبلية. وأي تعطيل لاتفاقية نافتا من شأنه أن يعني توجيه ضربة للشركات القائمة ـ ما يزيد على ثلث 10.2 مليار دولار من صادرات ولاية كنساس في العام الماضي من لحوم أبقار وحبوب وغيرها من السلع توجهت إلى كندا والمكسيك.
لهذا السبب أحد أبرز النقاد في واشنطن للسياسة التجارية التي تتبعها إدارة ترمب هو الآن السناتور بات روبرتس، الجمهوري المخضرم، الموالي لكنساس الذي يترأس لجنة الزراعة في مجلس الشيوخ. وقد اتهم الرئيس الجديد بمنح متاعب ومعاناة الولايات الصناعية الأمريكية مرتبة تتفوق على مصالح المزارعين الأمريكيين.
وفي انتقاده الموجه ضد روبرت لايثيزر، محامي قطاع الصلب الأسبق، الذي رشحه ترمب في شهر آذار (مارس) الماضي ليكون ممثله التجاري، قال روبرتس: "نحن لا نأكل الصلب".

مخاوف المناطق الريفية

هناك منذ فترة علامات على أن الجمهوريين في كنساس يواجهون ردة فعل محتملة بسبب ترمب. فقد شهدت انتخابات الكونجرس التي أجريت الأسبوع الماضي، لملء ما يجب أن أن يكون مقعدا جمهوريا مضمونا في المقاطعة الرابعة للولاية بعد أن عين ترمب مايك بومبيو رئيسا لوكالة الاستخبارات الأمريكية، تحولا كبيرا لصالح الديمقراطيين.
لدى ولاية كنساس ديناميتها السياسية الخاصة بها. وقد اتبع سام براون باك، الحاكم الجمهوري، تجربة محافظة متطرفة، بما في ذلك تخفيضات صارمة في الموازنة جعلته صاحب الامتياز السلبي المتمثل في كونه الحاكم الأقل شعبية في الولايات المتحدة. مع ذلك المقعد الذي فاز به بومبيو بفارق 31 نقطة في تشرين الثاني (نوفمبر) كان من نصيب رون إيستيس، خليفته الجمهوري، لكن بفارق سبع نقاط فقط، وفقط بعد أن ضخ الحزب الذي شعر بالخوف، المال للسباق في اللحظة الأخيرة.
تلك الانتخابات، والانتخابات الأخرى التي أجريت هذا الأسبوع في مناطق الضواحي في ولاية أتلانتا، كانت تراقَب عن كثب لما يمكن أن تقوله حول حظوظ الجمهوريين في الانتخابات الفصلية التي تجرى في عام 2018. وأي تراجع في الدعم المقدم - أو حتى تراجع بسيط في الحماس - تجاه ترمب في المناطق الريفية يمكن أن يكون قاتلا بالنسبة لكثير من الجمهوريين في الكونجرس. حتى بعد مرور أربعة أشهر على الإدارة الحالية، يجد بعض الناخبين في المناطق الريفية الكثير للتذمر إزاءه.
ومثل كثير من المزارعين، كان راوش مضطرا لإعادة تمويل المزرعة أخيرا ولا يزال يكافح في سبيل تغطية النفقات. كما أنه استغنى عن خدمات ما قبل الموسم المعتادة لمحصوله لهذا العام، لكنه يعلم أن أي اختلال سوف تترتب عليه تكلفة باهظة.
يقول: "إذا خسرت محرك جهاز الحصاد وجمع المحصول، لا أعلم ماذا سأفعل. تكلفته عشرة آلاف دولار".
وهو يراهن بشكل كبير على محصول حبوب الصويا لهذا العام، لأن الأسعار التي بواقع تسعة دولارات للكيس الواحد، صمدت بشكل أفضل من أسعار الذرة. لكن هذا يوضح أيضا مدى اعتماد راوش على سياسات التجارة التي ينتهجها ترمب - فقد تكون حبوب الصويا التي تنتجها أمريكا واحدة من أولى الضحايا في حربها التجارية مع الصين.
كما هي الحال في الكثير من الأمور التي تواجهها إدارته، لا تزال السياسة التجارية الفعلية المتبعة من قبل ترمب في مهدها الفوضوي. فقد أدت المعارك الدائرة بين القوميين الاقتصاديين والفئة الأكثر اعتدالا بزعامة جاري كوهن، الرئيس التنفيذي الأسبق لمصرف جولدمان ساكس، الذي يترأس المجلس الاقتصادي الوطني، إلى انقسام البيت الأبيض حول السبل المثلى للمضي قدما.
ولا يزال الرئيس يستخدم أحيانا اللغة الطنانة الجوفاء بخصوص التجارة. لكنه بدأ أيضا في إجراء تعديلات. فقد تراجع عن تعهداته التي قدمها خلال حملته الانتخابية بأن يسم الصين بأنها دولة تتلاعب بالعملة. وتهديداته بتمزيق اتفاقية نافتا يبدو أنها تحولت إلى عملية إعادة تفاوض أكثر إيجابية للاتفاقية التي بلغت من العمر 24 عاما، ويعود الفضل جزئيا إلى الجهود التي بذلها الجمهوريون في الكونجرس لكبح جماح تحركاته.
مع ذلك، لا يزال هناك متسع من الوقت ليقدم ترمب النزعة الحمائية من النوع الذي كان يدعو إليه منذ عقود. من الأهمية بمكان أن الإدارة لا تزال تفتقر للاعبين الأساسيين الذين قد يحتاج إليهم لتنفيذ استراتيجية جديدة. لايثيزر، المحارب التجاري الشهير الذي يحظى بسجل يعود تاريخه إلى إدارة الرئيس ريجان، لم يحصل حتى الآن على موافقة مجلس الشيوخ التي تعني تثبيته في المنصب. ولم يحصل عليها أيضا سوني بيردو، حاكم ولاية جورجيا السابق الذي رشحه ترمب ليصبح وزيرا للزراعة.
الدراسة التي أمر ترمب بإجرائها الشهر الماضي على مدى 90 يوما لتقصي أسباب العجز التجاري الذي تعانيه الولايات المتحدة منذ السبعينيات، تعرضت للانتقاد والسخرية من قبل النقاد كونها دراسة غير ذات بال. لكنها أجريت أيضا لمنح الرئيس العتاد لإطلاق ذلك النوع من الإجراءات أحادية الجانب ضد بلدان مثل الصين يخشى كثيرون من أنها قد تستثير حربا تجارية.
ويشدد المسؤولون في الإدارة على أنه بدلا من تخفيف الخطط التجارية التي قدمها ترمب، فإنهم ببساطة يطبقونها بشكل منظم. كما يلقون اللوم أيضا على الكونجرس في حجب التأييد للايثيزر ووضع عراقيل على محادثات اتفاقية نافتا.
يقول ويلبر روس، وزير التجارة في إدارة ترمب ومستشاره التجاري، الذي رفض اتهامات بوجود نزعة حمائية أمريكية: "في كل يوم يؤخرون فيه المناقشات حول اتفاقية نافتا، يؤجلون أيضا جلب فرص العمل للولايات المتحدة".
ويصر المسؤولون، مثل روس، على أن الدراسة التي تتناول العجز سوف تُستخدَم نتائجها في إعادة التفاوض حول نافتا والتركيز على تقليل العجز التجاري الأمريكي البالغ 60 مليار دولار مع المكسيك. يتبع ذلك التعامل مع الصين والعجز التجاري في السلع البالغ 347 مليار دولار الذي تعانيه الولايات المتحدة مع بكين.
يقول زيبي دوفال، الذي يترأس "مكتب اتحاد المَزارع الأمريكية"، المجموعة الزراعية الأقوى في البلاد، إن أعضاء الاتحاد لا يزالون يقفون بشكل كبير إلى جانب ترمب. يشار إلى أن جهود الإدارة للإصلاحات الضريبية وإلغاء الضوابط التنظيمية تجد ترحيبا من قبل المزارعين.
يقول دوفال: "نحن ملتزمون بأن نعمل بشكل جماعي جنبا إلى جنب مع الرئيس". لكنه يقر بأن الرئيس يتسبب في إثارة قلق الأعضاء بشكل كبير في وقت تعاني فيه اقتصاديات القطاع الزراعي من المتاعب.
في الوقت الذي تظهر فيه استطلاعات الرأي أن سياسة الهجرة العدوانية التي ينتهجها ترمب تحظى بشعبية بين مؤيديه، يبدي الكثير من المزارعين قلقهم من انعكاساتها على توافر اليد العاملة لديهم. يقول دوفال إن نصف عمال القطاع الزراعي أو أكثر في بعض المناطق هم عبارة عن مهاجرين غير شرعيين وقد بدأ أعضاء فريقه منذ فترة بالإبلاغ عن وجود حالات نقص.
ولأن أسعار السلع الأساسية لا تزال منخفضة، ويعاني كثير من المزارعين في سبيل استرداد التكاليف، يجادل دوفال بأن السبيل الوحيد المتوافر الآن لإنقاذ المجتمعات الزراعية الأمريكية من الدخول مجددا في مرحلة من التراجع شهدتها في الثمانينيات، هي أسعار الفائدة المنخفضة، رغم أنها هي أيضا آخذة في الارتفاع الآن. والحرب التجارية التي شهدت استبعاد منتجات الزراع الأمريكيين من الصين وغيرها من الأسواق الأخرى يمكن أن تكون لها نتائج مدمرة.

خيارات التجارة

توجد منذ فترة دلائل تشير إلى أن مكسيكو سيتي تدرك مدى النفوذ الذي تفرضه صادرات أمريكا الزراعية إلى المكسيك ـ التي تبلغ قيمتها 18 مليار دولار سنويا ـ خلال محادثات نافتا المقبلة، ومع انتخابات تجرى العام المقبل، تسعى حكومة الرئيس إنريكه بينيا نييتو منذ الآن إلى الحصول على الواردات من أماكن مثل البرازيل، في الوقت الذي يضغط فيه بعض السياسيين لمقاطعة الذرة المنتجة في الولايات المتحدة.
الغضب الناتج عن ذلك نراه بوضوح في موكب المجموعات الزراعية الأمريكية التي نزلت إلى شوارع مكسيكو سيتي في الأسابيع الأخيرة. يقول توم سلايت، رئيس مجلس الحبوب الأمريكي: "ما تسمعه هو ما يشار إليه بأنه الخطة البديلة في كل مكان تذهب إليه في المكسيك. وهذه الخطة البديلة تبحث عن خيارات أخرى وتقلل من اعتمادهم على الولايات المتحدة".
توم فيلساك الذي عمل وزيرا للزراعة في عهد الرئيس باراك أوباما ويترأس الآن مجلس صادرات الألبان الأمريكي، يخشى أنه من خلال تهديد نافتا، يمكن أن تعمل إدارة الرئيس ترمب، عن غير قصد، على فتح السوق المكسيكية أمام منافسين من الاتحاد الأوروبي أو نيوزيلندا.
يقول حاكم ولاية آيوا السابق إن جزءا من المشكلة يكمن في أن إدارة الرئيس ترمب تفتقر إلى وجود فاعل لها في المناطق الريفية.
مع عدم تأكيد تعيين وزير الزراعة الذي اختاره ترمب حتى الآن، تقع الإدارة تحت سيطرة المستشارين القادمين في أغلبهم من مناطق حضرية. يقول فيلساك: "ليس هناك تقدير كامل لجميع القرارات التي يجري اتخاذها من قبل مجموعة صغيرة نسبيا من الأشخاص ممن لديهم خبرة حقيقية ضئيلة أو ليست لديهم أية خبرة حقيقية في المناطق الريفية".
والمخاوف حقيقية بالنسبة إلى كريس لو، العمدة المتطوع في جاردن سيتي، وهي بلدة يعيش فيها 300 ألف شخص ترتفع عبر سهول ولاية كنساس على بعد ساعة واحدة بالسيارة غربي مدينة دودج.
مثل الكثير من المحافظين، هو جمهوري يؤيد أن تكون الحكومة ذات دور صغير في إدارة شؤون الدولة. لكن هذه الأيام، يشعر بالحنق من التخفيضات المقترحة من قبل الرئيس ترمب في البرنامج الفيدرالي الذي يقدم إعانات ويدعم الرحلات الجوية التي تجري بواقع مرتين يوميا من دالاس إلى المطار المحلي. ويشعر بالقلق أيضا بشأن قطار مدعوم حكوميا ـ تسيره شركة آمتراك ـ يتوقف يوميا في جاردن سيتي في طريقه بين شيكاغو ولوس أنجلوس. يقول: "نود أن نكون بلا حكومة. الجميع يود ذلك. لكننا لم نصل إلى تلك المرحلة بعد".
فيما يتعلق بالقطيع الموجود في الأراضي الجنوبية من جاردن سيتي التي استقر فيها جده في البداية، يأمل لي ريف أن تتغلب غرائز ترمب التجارية على غرائزه الحمائية.
وهو يعلم أن الحرب التجارية يمكن أن تكون مدمرة. يتذكر ريف أزمة وقعت في عام 2003 بعد تشخيص إصابة القطيع الأمريكي بمرض جنون البقر الأمر الذي أدى إلى حظر الكثير من البلدان الواردات الأمريكية. ولا تزال الصين تطبق هذا الحظر، رغم أنه بعد القمة التي عقدت هذا الشهر ما بين ترمب والرئيس الصيني، تشي جينبينج، قال مسؤولون في بكين إنهم يفكرون في رفع الحظر.
هناك 43 ألف بقرة تخضع لمراحل متعددة من عملية تسمين يجري تنفيذها في حظائر شركة ريف للماشية، ومثل قطاع الصناعة الأمريكي، يجري توسيع نطاق هذه العملية وتحتاج إلى أسواق لبيع إنتاجها.
يقول ريف: " الأمر لا يشبه مصنع السيارات. لا يمكنك إغلاق خط الإنتاج. لكن إذا حرمتَنا من أسواقنا التصديرية سنشعر بذلك في غضون دقائق".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES