ثقافة وفنون

«جيت آوت» .. هل تصلح السينما ما أفسدته العنصرية؟

«جيت آوت» .. هل تصلح السينما ما أفسدته العنصرية؟

«جيت آوت» .. هل تصلح السينما ما أفسدته العنصرية؟

بكثير من التشويق الذي يجمع بين الدراما والأكشن، تناول المخرج الكوميدي جوردان بيل في فيلم «Get Out» قضية مفصلية في الداخل الأمريكي ألا وهي العنصرية. وعلى الرغم من تناول هذه القضية في أعمال سابقة مثل فيلم Guess Who's Coming to Dinner الذي أنتج عام 1967، إلا أن فيلم «Get Out» تميز بلحظات مختلفة من ناحية السرد القصصي بطريقة ناضجة ومختلفة من ناحية التصوير والإخراج والحبكة والتمثيل.
تدور أحداث الفيلم حول مصور أسود البشرة يدعى كريس- يلعب دوره الممثل دانيال كالويا- وحبيبته روز- تلعب دورها الممثلة اليسون ويليامز- التي تتمتع ببشرة بيضاء، حيث يعيش الاثنان علاقة ناجحة يتم تتويجها بأخذ قرار بلقاء كريس مع والدي روز، وهو الأمر الذي يثير عدم ارتياحه لكون روز لم تخبرهما مسبقًا أنّه من ذوي البشرة السمراء، وبوصولهما إلى المنزل المقصود، يمر كل شيء على ما يرام، قبل أن تبدأ أشياء غريبة بالحدوث لتقلب أحداث الفيلم رأسًا على عقب.
كان القلق يخيم على كريس خوفا من أسئلة الأب مثلا أو مدى اقتناع الوالدين به كشريك لابنتهما، وتطور هذا القلق ليصبح أكثر غموضا وتشويقا، وذلك عندما تبدأ بعض الأمور المزعجة بالحدوث، حيث تدخل والدة روز ميسي تلعب دورها الممثلة كاثرين كينز، وهي تعمل في التنويم المغناطيسي، إلى رأس كريس وتنوّمه وتؤثر فيه، ومنذ تلك اللحظة، التي يتلوها تتابع طويل لحفلة من أصدقاء العائلة البيض يتصرفون كلهم بغرابة ناحية الضيف الذي لا يشبههم، يتزايد شعور المشاهد بالغموض والإثارة والترقب، ويجيد المخرج إبقاء أسئلته حية وغير مُجاب عنها، حيث تساءل المشاهد عمن هي تلك العائلة؟ ومن هم أصدقاؤهم البيض؟ ولماذا يتصرف كل السود (كالخدم أو الشخص الذي يحضر مع سيدة ستينية) بغرابة؟

وسواس أم حقيقة؟
وخلال أحداث الحفل وما يحصل داخله يخلط مؤلف ومخرج الفيلم وكاتب السيناريو بيل- الذي يمثل أول عمل له خارج الكوميديا منذ نهاية مسلسل Key and Peele في 2015- بين الوسواس والحقيقة عند كريس، تستمر الأحداث في التطور شيئًا فشيئًا لتصبح أكثر سوداوية، وإنذارًا على اقتراب خطر مجهول، إلى أن نصل إلى الحدث الذي يحول الفيلم إلى رعب حقيقي.
وكانت قد أخبرت روز كريس أن كل الأشخاص في بلدة والدها يتمتعون بعقلية منفتحة جداً وحب للأشخاص السود الذين يعيشون معهم بانسجام، لكن الأحداث التي توالت جعلت المشاهد يفكر مليا في الأمر، فعلى الرغم من أن لا أحد يعامل كريس بدونية واحتقار، إلاّ أنّ نظرات الجميع إليه يظهرونه على أنه مخلوق مثير للاهتمام، فأغلب أصدقاء العائلة غير العنصريين، يقومون أثناء محادثتهم معه بإلقاء بعض التعليقات الغريبة التي لن تسيء سوى لكريس والأشخاص الحاملين لنفس لون بشرته، أمّا الباقون فلن يعتبروا انزعاجه سوى حساسية زائدة عن اللازم.

فيلم تشويقي
الفيلم تشويقي من النوع الأول، رغم أن بداياته جمعت ما بين الدراما والكوميديا، حيث يأخذ المشاهد في سلسلة من المواقف المرعبة التي تتنوع بين لقطات الرعب الفجائية ووصولاً إلى الهواتف المحمولة المطفأة والمفاتيح المفقودة. والأهم من ذلك هو أن التوتر يختبئ في زوايا كل مشهد، من دون معرفة ماذا أو من وراء الأمر، ويعطي هذا شعوراً بعدم الارتياح لحين نهاية الفيلم، وخلال هذه المشاهد تبدأ مرحلة الصدام الحقيقي بين كريس والعائلة، يكون التوتر قد وصل إلى قمته تماماً، ويصبح المشاهد محاطاً بالضغط من المكان المُغلق والملامح والتصرفات الغريبة، حيث جمع المخرج ما بين الرعب والأكشن، والحركة، ليصبح من الأفلام الناضجة والذكية.
ولا شك أن الفيلم يذكر المشاهد بجماعة «كو كلوكس كلان» المعادية للزنوج ذوي القبعة البيضاء المدببة، وذلك بسبب كثرة المواقف العنصرية الاجتماعية الغريبة التي تتحول إلى عنصرية عنيفة علنية. ولقد بدا هذا واضحا في مشاهد الحفل الذي يقيمونه أهل روز للتعرف على كريس، حيث ظهر واضحا سباق إثبات سلطة الأشخاص ذوي البشرة البيضاء.

احترافية الممثلين
أمّا بالنسبة لطاقم التمثيل فإنّه يتكون من ممثلين تم اختيارهم بعناية كبيرة، حيث تظهر الاحترافية بشكل واضح على أدائهم، وهو الأمر الذي يتضح أكثر عند علمنا أن كريس، هو في الأصل ممثل إنجليزي، لكنه تمكن من إتقان اللكنة الأمريكية التي يتحدث بها الأشخاص السود بشكل مثالي لن يجعلك تشك للحظة واحدة أنّه إنجليزي.
أمّا الأمر الأكثر طرافة وإثارة للإعجاب، فيتمثل في أنّه حتى بالنسبة للشخصيات التي تم أداؤها بشكل مبالغ فيه ومبتذل للغاية، فيكتشف المشاهد في نهاية الفيلم السبب الذي جعلهم يتصرفون بالشكل الذي يتصرفون به، وهو الاكتشاف الذي بإعادة النظر في أغلب أحداث الفيلم ومشاهده التي تأخذ زاوية مختلفة تمامًا إذا أعدنا مشاهدته مرة أخرى.

العنصرية "فكرة"
ولقد نجح الفيلم في توصيل فكرة «العنصرية» إلى المشاهد، حيث سلط الضوء على الألم والتأثير النفسي العميق الذي تخلفه العنصرية في نفوس ضحاياها، رغم نأي الفيلم تمامًا عن الأوصاف المهينة بحق السود، وهذا ما ميزه عن غيره من الأفلام التي تناولت هذه القضية بطريقة مبتذلة وأقرب إلى استغلال معاناة هذه الفئة لكسب المال منه إلى معالجة هذه المشكلة، غير أن فيلم «جيت أوت» تناول العنصرية العصرية الحديثة، التي تظهر في المعاملة وليس الكلام أو التوصيف.
كما نجد أنّ حبكة الفيلم الذكية غير متوقعة، فلا الأحداث الأولية للفيلم ولا تطورها سيمكنك من تخمين ما سيؤول إليه كل شيء في الجزء الأخير من الفيلم، وهو الجزء الذي تم التعامل معه وكتابته بشكل متقن أسهم في تعزيز القيمة الفنية للعمل وعدم إسقاطه في خانة الابتذال.

الفجوات
لقد توالت الأحداث في الفيلم بطريقة سردية مشوقة إلا أنها لا تخلو من بعض الفجوات التي تمثلت في الإجابة عن كل الأسئلة التي طرحت في ذهن المشاهد طوال فترة الفيلم بدقيقتين لا أكثر، وبعضها جاء ناقصاً لأنه تجاوز سؤالاً مهما عن سبب اختيار السود تحديداً لعمليات العائلة، وكأن جزءاً من هوية الفيلم كله وبنائه التحتي عن عنصرية أمريكا والعلاقة بين السود والبيض في تلك اللحظة يأتي كضيف ثقيل وغير مفسر درامياً، ولا لسبب إلا ربما أن مخرج الفيلم أسود البشرة، وهذان العيبان أي حيلة الكشف والتبرير الضعيف لاستهداف السود هما مشكلتان كبيرتان في فيلم بهذه القيمة، إلا أنه يمكن تجاوزهما أثناء المشاهدة بسبب الإخراج الذكي والمبهر، وأداء الممثل كريس الذي جذب المشاهد منذ اللحظة الأولى.
تجدر الإشارة إلى أن تكلفة إنتاج الفيلم لم تتجاوز خمسة ملايين دولار، في حين تجاوزت إيراداته 155 مليون دولار عالميا منذ عرضه العالمي الأول في مهرجان ساندانس السينمائي الدولي، واحتل المرتبة رقم 223 في قائمة أفضل 250 فيلما وفقا لتقييم مستخدمي موقع IMDb، محققا 8.3 درجة في متوسط تقييم مستخدمي الموقع خلال أقل من شهر بعد بدء عرضه.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون