Author

إرهاب الكنائس والمساجد والشوارع

|
أصبحت عناوين الأخبار بالتفجيرات الإرهابية خبرا روتينيا، لا فرق سوى مسميات المدن والعواصم والأسباب، من الرياض والقاهرة وإسطنبول وباريس وبروكسل وأورلاندو وروسيا ولندن والقائمة تطول. ويحدث أن تتبنى داعش أو لا تتبنى، والحصيلة واحدة. ولطالما استخدم الدين كأداة لخدمة الصراعات الأيديولوجية والسياسية وتنفيسا للإجرام. الإرهاب يتفشى في المجتمعات الدولية حتى أصبح جزءا من الحدث في وقت تزداد فيه نسبة الجريمة بأشكالها. ولا شك أن دراسة الإرهاب تتفاوت من حدث إلى آخر، فدوافع تفجيرات كنائس طنطا والإسكندرية الأخيرة ليست دوافع تفجير مترو سان بطرس بيرج ولا إرهاب ويستمنستر لندن. الدوافع والأسباب مشتتة بأفرادها ورسائلهم الصريحة أو المكبوتة التي قد يتصرف فيها ويهندسها آخرون، تماما مثلما قال الداعية الإخواني يوسف القرضاوي في مقابلة تليفزيونية: " الأصل في هذه الأمور أنها لا تجوز إلا في تدبير جماعي، إنما ليفجر نفسه لابد أن الجماعة هي التي ترى أنها في حاجة إلى هذا الأمر، إذا الجماعة رأت أنها في حاجة إلى من يفجر نفسه في الآخرين، يعني يكون هذا أمرا مطلوبا، وتدبر الجماعة كيف يفعل هذا بأقل الخسائر الممكنة وإن استطاع أن ينجو بنفسه فليفعل، إنما لا يترك هذا للأفراد وحدهم، أنت "متتصرفش" وحدك، لازم تتصرف في حدود ما تريده الجماعة، تسلم نفسك للجماعة، الجماعة هي التي تصرف الأفراد حسب حاجاتها وحسب المطالب". انتهى كلام القرضاوي. الانتماء التنظيمي والتحريض جزء رئيس في عمليات التفجير والإرهاب ذات الدوافع الواضحة. لكن ليس كل أسباب عمليات الإرهاب الدولي واضحة وإن تبنت التنظيمات ذلك. وقد انكب الدارسون والمحللون والخبراء في علم الجريمة والاجتماع والنفس والفكر الديني على دراسة الإرهاب بمختلف أسبابه المحلية أو حتى ذات الامتدادين الإقليمي والدولي، حين يعبر به كرسالة دموية في المجتمع الدولي. وقد لا توجد هناك أهداف ثابتة متفق عليها عالميا ولا حتى ملزمة قانونا. إلا أن أهدافه قد تتباين بين توجيهه ضد أديان أو مذاهب مختلفة أو أهداف أخرى سياسية أو حربية أو أهداف أيديولوجية. وهذه الأهداف تكشف بطبيعة الحال نوع الإرهاب نفسه. وربما تكون الأسباب الإرهابية الثقافية أحد أعقد هذه الأسباب، حيث الامتداد الجذري العميق في الفكر الذي لا يمكن أن معالجته سريعا. والقاعدة الثقافية هي امتداد للقاعدة الدينية والتعليمية وبالتالي تنتج عن ذلك صورة عميقة من الجهل المركب الذي يوفر مناخا للسموم الفكرية. أما الأسباب الاجتماعية، فلا شك أن المجتمع هو البيئة التي تؤسس للتوازن المادي والمعنوي لدى الفرد. وأي خلل في ذلك، فإنه يتسبب في خلل توازن تفكير الفرد نفسه. والإنسان كائن اجتماعي بطبعه يميل لتبني رأي الأغلبية عادة أو المؤثرين من ضمن قاعدته الثقافية والدينية، الذين يشكلون النموذج والحقيقة والطريقة التي يرى أن يسير عليها. كذلك لا نغفل الأسباب الاقتصادية، فالاقتصاد من العوامل الرئيسة في إيجاد الاستقرار النفسي لدى الفرد، والأسباب السياسية التي تؤسس لولاءات وتنظيمات معادية هي أيضا ذريعة لنفاذ الإرهاب إلى المجتمع. وتبقى الأسباب النفسية عاملا حيويا في المسألة حيث الميول الإجرامية والعنف قد يكونا جزءا من التشكيل النفسي والشخصي للفرد.
إنشرها