Author

وللطبيب من الغرور نصيب أيضا

|

عذرا زملائي الأطباء، فقد أكون أنا المقصود بهذا المقال.
اليوم وبعد أكثر من ربع قرن من تخرجي في كلية الطب أدركت أكثر من أي وقت مضى أن أخطاءنا عديدة نحن معشر الأطباء. لكن حصانتنا الاجتماعية الموروثة تحد من انتقادنا أحيانا.
دعوني أبتدئ بمواصفات الطبيب الذي أدركه مرض الغرور
1- يجب أن يسبق ويلحق باسمه ألقاب كثيرة. قليل منها يستحقها وهي حقه "ويا ويل من ينتقص منها"، وكثير منها لاستقطاب بعض المرضى له. وهنا يأتي المرض لأنه يدلس على المرضى بإضافة ألقاب تشترى بالمال، وليس لها أي معنى حقيقي علمي. أقصد أن يرصع اسمه بأنه عضو في جمعية كذا وكذا. وللمعلومية أن كثيرا من الجمعيات هي عبارة عن اشتراك مالي سنوي "وقليل منها له اشتراطات" فالعضوية ليست شهادة يحصل عليها دائما.
وشكرا للهيئة السعودية للتخصصات الصحية حينما وضعت معايير مهنية لفرز كثير من الشهادات الوهمية وليس عيبا ألا تحصل على شهادة لكن العيب أن يرصع اسمك بما هو ليس لك. ويا ليت الهيئة تبدأ بمتابعة بعض الأطباء الذين يظهرون إعلاميا ويسبقون أسماءهم بمسميات وهمية يخجل زملاؤهم بالمهنة حينما يتابعونهم ويعرفون أنها للاستهلاك المحلي واستقطاب أعين المشاهدين.
2- الافتخار بالشهادة والتوقف عن التحصيل العلمي والبحث بعد الحصول على الشهادة العليا أو المرتبة الأكاديمية مثل الأستاذية وحب إظهار ذلك "وهو حق مستحق أيضا" لكن البعض يتوقف عن الأبحاث أو التطوير العلمي بعد الحصول على الأستاذية وهذا أظلم للنفس وللمريض لأن علم الطب كغيره ديناميكي ومتطور.
لكن ومع الأسف كم من أستاذ كان آخر بحث له هو الذي استحق به الأستاذية ويحرم نفسه ومرضاه وبلده الاستمرار في التميز والأبحاث.
3- التكبر: وهو عند قلة من الأطباء، وهو على درجات فقد يتكبر على المرضى "وينافخ عليهم" والمريض المسكين "أقصد مريض المستشفيات الحكومية" يفرح بالموعد ويرضى بأي شيء في سبيل الكشف والعلاج مجانا وهذا لا يجوز شرعا، لأن التبسم في وجه المسلم صدقة، فما بالك بالمريض. وهناك غلظة عند قليل من الأطباء وهي دليل على مرض نفسي جيني كامن لا تظهر أعراضه على الطبيب إلا عند تعامله مع المرضى لكنه يختفي تماما في أوقات أخرى غير وقت عمله.
وتكون العيادة مملوءة بالعجب والغضب وتجد عند الباب رجل أمن "سكيورتي" يرتب المرضى لكيلا يغضب الطبيب دون أي اعتبار إنساني، ويكون للعيادة هيبة يستمتع بها هذا الاستشاري.
4- الغيرة من زملاء التخصص المتميزين وهذا مرض شائع في كل العلوم وليس الطب ولكن في الطب يكون أكثر وضوحا لوجود مراسلين "أقصد المرضى" يبين الأطباء نادرا ما يوافق طبيب زميله في العلاج وأحيانا ينتقد أستاذه من درسه وعلمه ليوهم المريض "المسكين" أنه أعلم. ويفرح كثيرا بسقطات زملائه ويتندر بها ويحرص على نشرها بل يبحث عنها لأنها السبيل لتغطية ضعفه العلمي. "ومن يفرح بسقطة زميله فهو مريض".
من النقاشات العلمية رأيه أن رأيه صحيح لا يقبل الخطأ حتى إن أحضر له أحد الزملاء ما يثبت عكس رأيه ويبرهن ويبحث عن نوادر الأبحاث ليثبت أن رأيه صحيح وفي قرارة نفسه يعرف أنه خطأ.
أتعرف أن "الاعتراف بالخطأ فضيلة ترفع من درجة الطبيب في عيون زملائه" لكن قصر نظره وقلة دينه يجعلانه يلوي عنق ما سطره العلماء من أجل الانتصار لرأيه الخطأ.
ويغضب ممن يخالفه الرأي ويظهر أشد ما عنده عند المواجهة ويعلو صوته يريد إقناع الآخرين بأن رأيه صحيح وأن ذاكرته خارقة فيصمت الآخرون عند علو صوته وغالبا ما يكون الضحية هو المتدرب لأنه يستقي أحيانا معلومات خاطئة من متكبر وهذا أيضا قد يؤثر في المريض لأن هذه المعلومات سوف تطبق على المريض ويكون العلاج خطأ.
هنيئا لمن أعطاه الله التواضع العلمي وأذكر أن أحد الأطباء في كندا في مؤتمر ابتدأ المحاضرة بالاعتذار عن خطأ قاله في مؤتمر سابق بصدق كبر في عيون زملائه لأن هدفه كان إظهار الحقيقة العلمية وليس إظهار نفسه المريضة.
المرضى قد يهتمون بقدرات جوارح الطبيب لكن ما يجعل لذلك قبولا أكثر هو تواضعه.

إنشرها