Author

هل تنخفض الرسوم الفعلية على الأراضي البيضاء؟

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

وصلت نتائج البحث والمراجعة في المقال السابق، حول آلية تقييم أسعار الأراضي التي سيطبق عليها نظام الرسوم، إلى تحملها العديد من الأخطاء الفادحة، التي ستلقي بآثارها السلبية في نهاية الأمر على الإضعاف الكبير لكفاءة وفعالية النظام والهدف من إقراره. ذلك أن الآلية تقوم بإعادة تقييم الأسعار مرة أخرى (ازدواج التقييم)، وهي الأسعار التي تم في الأصل تقييمها والاعتماد عليها سابقا من قبل البائعين والمشترين، وأخذها بعين الاعتبار تأثير وتدخل ما تعانيه السوق العقارية من تشوهات ممثلا في سيطرة الاحتكار والمضاربة، وأن آلية التقييم قد تنتهي إلى خصم السعر النهائي المعتمد لاحتساب الرسم على الأرض بنسبة تصل إلى 92.4 في المائة، وهي النسبة التي تمثل مجموع الأوزان النسبية للمعاملات العشر المقترحة لوزارة الإسكان (الخدمات والمرافق).
هل هذا هو الخطأ الوحيد في منظومة تطبيق نظام الرسوم على الأراضي البيضاء؟ الواقع يشير إلى خلاف ذلك؛ ذلك أن هذا الخطأ قد سبقته أخطاء أخرى، تتجاوز بآثارها السلبية على كفاءة النظام الخطأ الأخير (ازدواج التقييم)، بدأ أولا من إقرار اللائحة التنفيذية للنظام مرحلة زمنية طويلة جدا تمتد إلى خمسة أعوام، بدأتها بالأراضي الخام، ثم الأراضي المطورة في مراحل تالية. وقد تزيد وفق التصريحات الصادرة عن الوزارة، التي صرحت في أكثر من مناسبة عن أنها قد لا تنتقل إلى المراحل التالية حسبما تراه! ثم جاء الخطأ الثاني أن تلك المراحل المتدرجة لتطبيق اللائحة والنظام، لم تشمل المساحات كافة حسبما ورد في النظام، إذ جاءت محددة وبمساحات أدنى بكثير من المساحات المفترض التطبيق عليها، والحديث هنا عن الأراضي الخام نظرا لتوافر بياناتها بالتفصيل.
فوفقا لما أظهرته المقارنة بين إجمالي مساحات الأراضي الخام بمساحات عشرة آلاف متر مربع فأكثر، في كل من الرياض وجدة وحاضرة الدمام حسبما أعلنته وزارة الإسكان، التي وصلت إلى 444.4 مليون متر مربع (مكتملة البيانات وغير مكتملة)، وبمقارنتها مع الأراضي الخام ذاتها للمدن نفسها وفقا للبيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الشؤون البلدية والقروية، التي تجاوزت تقريبا 10.4 مليار متر مربع، سنجد أن حصيلة وزارة الإسكان من الأراضي الخام لم تتجاوز نسبتها إلى تلك الأراضي الشاسعة 4.3 في المائة فقط!
حينما يتم احتساب الرسوم على الأراضي البيضاء وفقا لما تقدم؛ بدءا من اختيار مساحات محدودة للأراضي الخام في تلك المدن، ثم تنفيذ (الازدواج في التقييم)، فإننا سنكون جميعا في مواجهة حقيقة صادمة، تشير إلى احتمال كبير بانخفاض النسبة الفعلية للرسوم على الأراضي من 2.5 في المائة إلى ما لا يتجاوز 0.05 في المائة فقط، أي بانخفاض كبير في المتحصلات الفعلية لإيرادات الرسوم على الأراضي، مقارنة بالمتحصلات المقدرة والواجبة بلغت نسبته 98 في المائة!
إن المسافة هنا كبيرة جدا بين ما تضمنه نظام الرسوم على الأراضي البيضاء في مرحلة إقراره، وبين ما نراه جميعا مطبقا على أرض الواقع، وهو ما ينزع تماما أي اتهام محتمل بالفشل لنظام الرسوم على الأراضي في حل أزمة الإسكان المحلية، لسبب بسيط جدا أن النظام في الأصل كما تقدم إيضاحه أعلاه، لم يتم تطبيقه على أرض الواقع، وأن ما وصل منه فعليا إلى عمق الأزمة الإسكانية لأجل حلها وإيجاد مخرج حقيقي للخروج منها، لم يتجاوز قيد أنملة، كما أثبتته البيانات الرسمية، حدود النصوص المدونة في مواد النظام.
هل ستأتي النتائج المرتقبة لإقرار نظام الرسوم على الأراضي البيضاء حسبما نقف عليه في الوقت الراهن؟ الإجابة واضحة 100 في المائة أنها (لا). هل سيكون لمثل هذه التطورات غير المتوقعة على مستوى القصور الكبير لتطبيق النظام آثار عكسية أو سلبية؟ الإجابة بكل تأكيد وأكثر وضوحا (نعم)؛ أن الآثار ستأتي سلبية جدا، وستأتي على العكس تماما من كل ما استهدفه نظام الرسوم على الأراضي، ولا ينتظر وفق هذه الحقائق المؤسفة على أرض الواقع، أن احتكارا الأراضي يوجد ما يحرك فيه ساكنا، بل لقد تأكد أنه في منأى تام عن أية آثار أو مخاطر تزعزعه. لتبقى السوق العقارية خاضعة فقط للمتغيرات الاقتصادية والمالية، التي تقف وحيدة ضد ارتفاع الأسعار المتضخمة، وقد تراها تتسبب في انخفاضات مهما بلغت نسبها، إلا أنها تعتبر محدودة جدا مقارنة بالرالي الطويل والبعيد لارتفاعها طوال العقد الماضي.
ويعني أيضا الاستعداد لآثار سلبية أكبر تنمويا واجتماعيا واقتصاديا قد تترتب على الوضع في الحد من الأزمة الإسكانية، والاستعداد أيضا عديد من المخاطر المحتملة، ولا شك إطلاقا في أن وزارة الإسكان ستأتي في مقدمة الصف الأول للأطراف المسؤولة عن تفاقم أزمة الإسكان المحلية، وأول المتسببين في حدوث أي من الآثار والمخاطر المحتملة. فهل نرى تحركا سريعا لإيقاف هذا المسلسل المقلق جدا لأي مجتمع واقتصاد؟

إنشرها