Author

الأمن الفكري والسياسات الأمنية في دول الخليج

|

يتسم عالم اليوم بالاتصالات والمواصلات اللا محدودة، وتنتقل الأفكار والبيانات والمعلومات، مكونة ومشكلة وعينا بشكل أسرع أكثر من أي وقت مضى، ويعتبر السعوديون من أعلى الشعوب مشاهدة لمواقع مثل "يوتيوب" وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي.
تعددت مصطلحات الأمن ومستوياته، ودرجاته، وأهميته، ولا شك أن الأمن اليوم وفي هذا العصر أصبح أولوية في بناء السياسات والحفاظ على الأوطان، وجاء مفهوم الأمن الفكري، ومعه مؤيدوه ومعارضوه، وإشكالياته المنهجية أو الفلسفية وغيرها من الجدل القائم عليه.
تم تعريف الأمن الفكري بأن "الأمن الفكري هو أن يعيش الناس في بلدانهم وأوطانهم وبين مجتمعاتهم آمنين مطمئنين على مكونات أصالتهم، وثقافتهم النوعية ومنظومتهم الفكرية".
يعتبر الأمن الفكري ملازما عادة لمسألة التطرف والغلو، ولكن العمليات الإرهابية تتخطى مرحلة التفكير والأمن الفكري، ومن هنا نتساءل حول الفكر، وتعريفاته، وأقسامه، وقياسه، وتقييمه، والعمل على تفكيك مراحله وبعد ذلك انتقاله إلى الجريمة.
وهناك سؤال جدلي قد يطرحه البعض: من الشخص الآمن فكريا، ومن هو غير الآمن؟ لا شك أنه من الصعب في مرحلة الفكر فقط، دون العمل أو الخطاب، أي تبيان هذا الفكر أن تتم محاسبة الشخص، أو أن يتم اتهامه بمجرد حديثه عن فكرة ما.
من جهة أخرى، تتقاطع الأبحاث الخاصة بالأمن الفكري مع الأبحاث حول الغلو، والتطرف، والإرهاب. ولذا من نظرة تحليلية يمكن النظر لمسألة الأمن الفكري من وجهة نظر منهجية النظم كالتالي:
- مدخلات: خطاب تحريضي ــــ وضع سياسي واقتصادي ـــ آيديولوجيا عالية ـــ إحباط ـــ ظروف نفسية واقتصادية واجتماعية للفرد.
- عمليات: تمكن الفكرة من كيان الفرد أو الجماعة، والبدء في التماهي مع أفكار الجماعة "احتقار للواقع ـــ الأمل بالأفضل ـــ التضحية بالنفس".
- مخرجات: العمل الإرهابي أو أعمال مادية إجرامية.
من جهة أخرى، يمكن الحديث عن دور التشريعات والسياسات كذلك كالتالي:
- مدخلات: العمليات الإرهابية والخبرة الأمنية والمعلومات.
- العمليات: التخطيط الاستراتيجي الأمني والسياسات الأمنية الشاملة.
- المخرجات: الحالة الأمنية.
ولذا فالفكرة أساسا هي شيء طيفي لا محسوس، تنتقل من مجرد فكرة عابرة إلى مرحلة أخرى وهي فكرة مستقرة، ثم تنتقل إلى مرحلة فكرة نؤمن بها، ثم تتحول إلى عقيدة، ثم تنتقل إلى تصريح لفظي، ثم سلوك، ثم عمل جسدي حقيقي باتجاه تلك الفكرة.
من جهة أخرى، إذا تم ربط الأمن الفكري بالإرهاب، فإننا ننتقل إلى عدد من الأبعاد، الأول أننا لا نتحدث عن أمن فكري بقدر ما هو توجه فكري وتحليل للخطاب الديني والاجتماعي والفردي، ومدى علاقته بارتكاب العمليات الإرهابية. تبقى الإشكالية أن الإيمان بالفكري، لا تعني بالضرورة ارتكاب العمل الإرهابي، فهنالك عدد من العوامل الرادعة للمجرم مثلا، قلة الموارد، عدم الدراية، وجود العقوبات، وزيادة الضبط الأمني.
من جهة أخرى، تسعى دول الخليج لدحر التطرف ومكافحة الإرهاب، وتقر عددا من التشريعات حول ذلك، وبالربط هنا بين الفكر وقياسه من قبل الخبراء الأمنيين وسلسلة التشريعات على مستوى أمن دول الخليج نطرح عددا من التساؤلات المنهجية كالتالي:
ما الأمن الفكري؟ كيف يمكن قياس الأمن الفكري؟ هل يمكن تحديد مرحلة الأمن الفكري لدى الشخص؟
كيف يمكن تقييم الأمن الفكري؟ ما مفهوم الباحثين الأمنيين عن السياسات الأمنية في دول الخليج المتعلقة بالأمن الفكري والإرهاب؟
مما ينبغي الإشارة إليه أن صانع السياسات ينبغي ألا يحول الأمن الفكري إلى ما يسمى "الأمننة"، أي مصادرة الحريات في سبيل تحقيق الأمن، ولذا من المهم على صناع السياسات الموازنة بين الحرية والأمن، وألا يطغى أحدهم على الآخر دون إفراط أو تفريط. أما النقطة الثانية فهي ألا يتحول الخطاب حول الأمن الفكري إلى خطاب "مكارثي" أي يصبغ أي شخص لا يتفق معي بأنه متطرف وغير "آمن فكريا". وهذا من شأنه إضعاف الروح الوطنية.
من الأهمية بمكان أن تحفز الروح الوطنية، وأن يستشعر الوعي الوطني المهددات التي تحيط بالوطن، وأن نشغل النقد الذاتي في سبيل التطوير والإصلاح المستمرين، الذي من شأنه تمكين المواطنين والمواطنات من المشاركة في تنمية المجتمع، وصنع القرار، وكذلك الدفاع عن الوطن وتحقيق المعادلة الأمنية التي أكدت التنمية في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في ظل حماية مضمونة.

إنشرها