Author

آلية تقييم الأراضي البيضاء .. «علامات استفهام»

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

اعتمدت وزارة الإسكان لأجل تقييمها لقيم الأراضي البيضاء، ومن ثم تحصيل الرسوم المقررة عليها من ملاكها، على ثلاثة مستويات من المعايير للوصول إلى السعر النهائي لمتر الأرض، ومن ثم ضربه في صافي المساحة المتبقية للوصول إلى القيمة النهائية للأرض.
بدأت تلك المعايير بالنطاق السعري حسب الشرائح المساحية، الذي قسم المساحات إلى ثلاث شرائح، الأولى: تبدأ من 10 آلاف متر مربع إلى 1.0 مليون متر مربع. الثانية: تبدأ من أكثر من 1.0 مليون متر مربع إلى 2.0 مليون متر مربع. الثالثة: تبدأ من أكثر من مليوني متر مربع فأكثر، ويتناقص سعر متر الأرض من الشريحة الأولى إلى الثالثة، وبناء عليه يتم البدء في تقييم الأرض انطلاقا من الشريحة التي تنتمي إليها. ثم المعيار الثاني الذي يتعلق بتضاريس الأرض، بالتركيز على وجود "جبل، بحر، وادي" من عدمه في الأرض، سيؤدي وجود أي منها في الأرض أو حولها إلى خفض قيمتها النهائية بنسبة 30 في المائة.
يأتي أخيرا المعيار الثالث الأكثر تفصيلا، الذي يتضمن عشرة معاملات لتوافر الخدمات والمرافق من عدمها، تم تقدير وزن نسبي لكل معامل منها، يتم خصمه من قيمة الأرض في حال عدم توافر بالنسبة المقدرة لكل معامل "الطرق بوزن 25 في المائة، خدمات دينية بوزن 1 في المائة، خدمات أمنية بوزن 5 في المائة، خدمات صحية بوزن 1 في المائة، خدمات تعليمية بوزن 5 في المائة، تصريف السيول بوزن 3.7 في المائة، الماء بوزن 11.4 في المائة، صرف صحي بوزن 11.8 في المائة، الكهرباء بوزن 25 في المائة، الاتصالات بوزن 3.5 في المائة"، يصل المجموع الإجمالي لتلك الأوزان النسبية للمعاملات إلى 92.4 في المائة من القيمة التقديرية للأرض. ولفهم دور هذه الأوزان النسبية للمرافق والخدمات، في حال عدم وجود أي منها حسب المسافة اللازمة لاحتسابها من عدمه، يتم خصم القيمة بنفس الوزن النسبي للخدمة أو المرفق. على سبيل المثال أرض قدّرت قيمتها بـ1.0 مليون ريال، وتبين عدم توافر الكهرباء والماء والصرف الصحي وتصريف السيول، أي ما مجموعه 51.9 في المائة لتلك المرافق والخدمات، فهذا يعني خصم قيمة الأرض بتلك النسبة، وبناء عليه تصبح القيمة النهائية للأرض وفق هذا المثال 481 ألف ريال فقط، وهي القيمة التي سيتم بناء عليها احتساب رسم الأرض البيضاء 2.5 في المائة، الذي سيبلغ نحو 12.0 ألف ريال فقط، وهو مبلغ الرسم الذي يقل عن مبلغ الرسم على الأرض "25 ألف ريال" بنسبة 51.9 في المائة، بحال تم احتسابه بناء على قيمتها الأصلية "1.0 مليون ريال".
لا يوجد اختلاف على أن آلية تقييم الأرض وفق ما تقدم، تعد آلية جيدة جدا تتمتع بقدر عال من الدقة والحيادية، التي تعبر نتيجتها النهائية عن السعر العادل لأي أرض. إلا أن الإشكالية الخطيرة هنا، التي تسقطها من رأسها إلى أخمص قدميها، أن تفترض أن سعر السوق "المستخرج من بيانات وزارة العدل بعد تعديلها ومعالجتها وفقا لتصريحات مسؤولي وزارة الإسكان" لم يخضع في الأصل لمثل هذه المعايير والتقييمات! هنا مربط الفرس؛ هل تجاهلت وزارة الإسكان أن عمليات بيع وشراء الأراضي والعقارات الجارية في السوق، تخضع في الأصل لنفس هذه الآليات والفرز والفحص من قبل البائعين والمشترين؟ هل اعتقدت وزارة الإسكان أن المتعاملين في السوق العقارية لا يفرقون بين أرض خام وأخرى مطورة؟ أو لا يأخذون بعين الاعتبار ما إذا توافرت لدى الأرض خدمات ومرافق وخلافه من عدمه؟ وقس على ذلك الكثير من المعطيات التي لا يمكن لأي متعامل في السوق العقارية تجاهلها، مهما كانت درجة خبرته ومعرفته.
بل إن الأسعار قد تتضخم بنسب أعلى بكثير عما تعبر عنه القيمة العادلة للأرض، وهو القائم الآن فعليا على أرض الواقع في السوق العقارية، فما قد تجد أن قيمته العادلة وفقا للمعايير أعلاه لا تتجاوز 300 ألف ريال، قد تجد قيمتها السوقية التي قبل بها البائع والمشتري تتجاوز 1.5 مليون ريال! فعن أي تقييم عادل للأسعار تتحدث عنه وزارة الإسكان؟ وقد ارتكبت هنا خطأ فادحا "بازدواج التقييم" سيتسبب دون أدنى شك في ترك الكثير من الآثار السلبية الوخيمة جدا، بدءا من الإضعاف الشديد لنظام الرسوم على الأراضي، مرورا بالقصور الكبير في تحصيل الأموال المستحقة للدولة، وانتهاء بالتسبب في استدامة التشوهات الخطيرة التي تعانيها السوق العقارية المحلية.
يبدأ الخطأ الفادح الذي وقعت فيه وزارة الإسكان، بأنها استندت إلى سعر متر الأرض المستخرج من الصفقات الفعلية لوزارة العدل، وافتراضها الخاطئ أن ذلك السعر لا يفرق بين أرض خام أو مطورة، ولا يفرق بين أرض مساحتها 10 آلاف متر مربع أو مليوني متر مربع، ولا يفرق بين موقع وموقع آخر، وأن هذا السعر الفعلي من واقع تعاملات السوق العقارية لم يخضع لأي عمليات تقييم ومراجعة ومفاوضات من قبل البائع والمشتري، وهو ما لا يمت للواقع ولا للحقيقة بأي صلة كانت!
لهذا يتعين على وزارة الإسكان الاعتراف بالأسعار السوقية التي أمامها، وعدم التدخل في تعديلها من قريب أو بعيد، وعدم التدخل في تحديد الأسعار، كونه مخالفة صريحة بحد ذاتها، والتسبب في إيجاد سعرين لنفس الأرض ما يتسبب في إرباك نشاط السوق، وإرباك عمل جهات التمويل العقاري والتثمين والتقييم، وفي إرباك مجتمع الأفراد من بائعين ومشترين، وهو الأمر الذي سيخلّف الكثير من الآثار الوخيمة على الاقتصاد الوطني والمجتمع عموما، وعلى السوق العقارية المحلية على وجه الخصوص، عدا ما سيتسبب فيه من تعطيل لتطبيق نظام الرسوم على الأراضي، والانحراف بغاياته وأهدافه عن الأصل الذي لأجله تم إقراره من الدولة، بهدف محاربة الاحتكار والمضاربات المحمومة على الأراضي، ومعالجة ما أدى تفاقم تلك التشوهات إليه من أزمات هائلة في سوق الإسكان المحلية. والله ولي التوفيق.

إنشرها