FINANCIAL TIMES

خطر الاحتراق يهدد آخر جسر بين بريطانيا وأوروبا

خطر الاحتراق يهدد آخر جسر بين بريطانيا وأوروبا

قبل 25 عاما أو أكثر، كتب وزير الخارجية البريطاني في ذلك الحين، دوجلاس هيرد، دليلا وزاريا قصيرا للتفاوض في بروكسل. يحسن برئيسة الوزراء، تيريزا ماي، أن تنفض الغبار عن نصيحة اللورد هيرد في الوقت الذي تستعد فيه لتفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة رسميا، للبدء بمحادثات "خروج بريطانيا" مع شركائها الـ 27 في الاتحاد الأوروبي.
صحيح أن الأمر متوقع، لكن تفعيل المادة 50 سيؤدي إلى صدمة. سيغير تماما طبيعة العلاقة بين بريطانيا وشركائها السابقين – وهو ما يعتبر في نظر هؤلاء الشركاء حرق آخر جسر عبر القناة. وسيعمل على بلورة المخاطر الكبيرة على كلا الجانبين ويطلق العنان للعواطف - الغطرسة من جانب البريطانيين، ودافعا للانتقام بين الآخرين – وهي أمور يمكن أن تعرقل المحادثات بسرعة. حرب زائفة ربما تصبح شيئا قريبا من حرب حقيقية. ينبغي أن يبحث الأنصار عن طرق للحد من عدد الضحايا.
التعقيدات وحشية، لكن المنطق يشير إلى أنه ينبغي ألا تكون هناك عقبة لا يمكن تجاوزها أمام صفقة عادلة. بريطانيا لديها كثير لتخسره من الانفصال الذي يؤدي إلى فساد العلاقة بينها وبين الاتحاد الأوروبي. كتبت المادة 50 لضمان أنه في أي محادثات انفصال ميزان المزايا سيميل بقوة نحو الاتحاد. هذا يعني أن المغادرة الصعبة ستفرض أيضا تكاليف، اقتصادية وسياسية، على بقية أوروبا.
من ناحية، ماي جعلت الأمور أسهل منذ الآن. من خلال الانحناء لليمين القومي في حزبها والمطالبة بأصعب خروج لبريطانيا، فقد منعت رئيسة الوزراء خيار التوصل إلى صفقة هجين صعبة. الخروج سيعني ذلك تماما.
العناصر تتحدث عن نفسها: تسوية فواتير بريطانيا المعلقة ومشاركة الالتزامات المالية المستقبلية في الاتحاد الأوروبي، واتفاق تجارة حرة يخلو من الوصول المميز الذي توفره السوق الحرة والاتحاد الجمركي، وترتيبات انتقالية تضع مسارا سلسا من هنا إلى هناك. كلا الجانبين، كما نأمل، سيسعى إلى الحفاظ على التعاون في المسائل الأمنية والدفاعية.
هناك مجال واسع للخلاف في كل من هذه الخيوط، لكن معظم الأوروبيين الذين تحدثت معهم منذ الاستفتاء يمكنهم رؤية شكل تقريبي لاتفاق.
هناك حاجة إلى إجراء تعديلات. بريطانيا ستسيء إلى نفسها بشكل كبير من خلال سوء التقدير لحقيقة أن الاتحاد الأوروبي يملك أكثر على المحك، لأن بريطانيا تستورد من الدول الـ 27 أكثر مما هو بالعكس. النقطة المهمة هي أن التجارة مع بريطانيا تكتسي أهمية أقل بالنسبة لكل من شركائها مما هو بالعكس.
على الجانب الأوروبي، الإصرار على أنه يجب تسوية فاتورة الخروج بالكامل قبل بدء المحادثات بشأن مستقبل العلاقة هو إصرار غير مستدام. الأمران مرتبطان ارتباطا وثيقا. لا شيء متفق عليه حتى يتفق على كل شيء هي قاعدة راسخة في بروكسل. وينبغي تطبيقها على خروج بريطانيا بالدرجة نفسها.
الخطر الكبير هو أن المصالح المتبادلة في نتيجة يتم التوصل إليها بالتفاوض سوف تضيع في مواجهة العواطف والأيديولوجيا والسياسيين الذين يؤدون أدوارا هدفها الاستعراض السياسي المحلي. الغطرسة البريطانية (بعض من المحيطين بماي لا يزال يبدو أنهم يعتقدون أن الكومنويلث يمكن أن يحل محل الاتحاد الأوروبي شريكا تجاريا) قد تصطدم مع الرغبة في بلدان أخرى لمعاقبة بريطانيا بغرض "تثبيط عزيمة الآخرين". دول الاتحاد الأوروبي الـ 27 تريد أن تكون الصفقة النهائية بمنزلة تحذير للآخرين حتى لا يحذو أي منهم حذو بريطانيا على طريق الخروج. ينبغي أن يكون رد ماي معقولا بشكل رائع. بريطانيا، في النهاية، هي المسؤولة عن هذه الفوضى.
لا يوجد شيء يعطي إلهاما هائلا في دليل اللورد هيرد القصير لممارسة الأعمال في مجالس الاتحاد الأوروبي، لكنه سيظل مفيدا رغم ذلك. مثلا، أشار إلى أنه يمكن أن تكون هناك مكاسب من التوافق أكثر مما يتحقق من الصراخ. وراء الموعظة لإظهار الكياسة، يشير إلى أن الوزراء البريطانيين لم يكونوا في حاجة دائمة إلى التحدث أولا. في بعض الأحيان يجدر الاستماع إلى الآخرين، بل حتى دمج بعض من أفكارهم في الحجة البريطانية، على الرغم مما يبدو عليه هذا الموقف من جرأة. ولا ننسى أنه سيكون من الذكاء أيضا تعزيز العلاقات الشخصية. الثقة حليف قوي.
بالنسبة لغير المطلعين على الدراما النفسية التي كانت تعكس علاقة بريطانيا مع قارتها، كل هذا يبدو واضحا جدا إلى درجة الابتذال. في الواقع قلة من السياسيين البريطانيين، مهما كان اللون السياسي، انتبهوا لاحقا لوزير الخارجية الأسبق. الاستعراض السياسي أسهل بكثير بالنسبة للمناهضين لأوروبا في الداخل من التوصل إلى صفقات مفيدة للطرفين. لبعض الوقت، توني بلير كان نوعا من الاستثناء - على الرغم من أن خطاباته العرضية المؤيدة لأوروبا كانت في الأغلب أمام جماهير أجنبية.
إذا كانت ماي ستتصرف كما هو متوقع وتوجه سلوكها لإرضاء معرض الصحافة المناهضة للتكامل الأوروبي، سيتم خسارة مفاوضات خروج بريطانيا قبل أن تبدأ بشكل صحيح. الدول الـ 27 ببساطة ستتخذ موقفا معاديا وتعمل على إضاعة الوقت. كذلك يحسن برئيسة الوزراء أن تحظر استخدام المجازات التي تعود إلى الحرب العالمية الثانية التي يفضلها بعض الوزراء. يمكن إرسال بوريس جونسون، وزير الخارجية، بشكل مفيد في جولة عالمية موسعة.
تقول ماي يجب أن تعرض عليها صفقة جيدة. ستتخلى عن صفقة "سيئة". السؤال هل يمكن أن يكون هناك ما هو أسوأ من عدم وجود صفقة.
قبل الاستفتاء أنتجت الحكومة البريطانية خريطة طريق مفيدة للخروج من الاتحاد الأوروبي. الأمر واضح بشأن ما بعد التفكك الغاضب: "هذا من شأنه أن يؤدي إلى مغادرة الاتحاد الأوروبي دون الاتفاق على بديل فوري، ودون أي حماية بموجب قانون الاتحاد الأوروبي لحقوق الشركات في التجارة على أساس تفضيلي مع أوروبا، أو شركاء الاتحاد الأوروبي في اتفاق التجارة الحرة، وأن يعيش ويعمل مواطنو المملكة المتحدة في أوروبا، أو أن يتنقل مسافرو المملكة المتحدة بحرية في أوروبا". هذا يبدو لي هو بالضبط تعريف الصفقة السيئة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES