FINANCIAL TIMES

شهادات ومهارات زائدة على الحاجة

شهادات ومهارات زائدة على الحاجة

"أنت تتمتع بمؤهلات أعلى من المطلوب" قد تكون السبب الأسوأ من بين كثير من الأسباب السيئة لعدم حصولك على الوظيفة. الرسالة إلى مقدِّم الطلب واضحة: ليس فقط أنك فشلت، لقد أضعت أيضاً الوقت والجهد في مراكمة شهادات زائدة على الحاجة، وخبرة مهنية فائضة، ومهارات فنية غير ضرورية.
الرفض السطحي يُخفي مجموعة من المخاوف، بما في ذلك الخوف من أن مثل هؤلاء المتقدمين سيكونون مُكلفين فوق الحد (حتى إذا احتجّوا بأنهم مستعدون للعمل مقابل أقل من سعرهم في السوق)، أو متعجرفين جداً (على الرغم من إظهارهم المتذلل للتواضع)، أو من الصعب جداً إرضاؤهم (على الرغم من رغبتهم في شيء واحد وشيء واحد فقط: تلك الوظيفة).
في الوقت نفسه، في أعلى المستويات لمعظم المنظمات، عقيدة الانشغال تسود. الافتراض أنه يكاد يكون من الرائع دائماً أن تعمل فوق طاقتك، ومن الفظيع أن تكون مُهملا، وتُشجّع فكرة أن السعي الحثيث، وصولاً إلى حافة الإرهاق المزمن، هو الأمر المثالي. التوقف، من ناحية أخرى، أصبح خطيئة.
لكن تبيّن أن النكتة تعود بنتائج عكسية على شركات التوظيف. دراسة لـ "مجلة أكاديمية الإدارة" Academy of Management Journal تُشير إلى أنه بمجرد أن ينطلق الموظفون المؤهلون جيدا عبر ما تم تعيينهم للقيام به، غالباً ما يضعون بقية وقتهم للاستخدام المثمر للغاية.
هذه نتيجة مفيدة. كثير من الناس يجدون أنفسهم في وظائف يستطيعون أداءها بسهولة كبيرة. في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، النادي القائم في باريس للدول الغنية في الغالب، يتحدث ربع العاملين عن عدم تطابق بين مهاراتهم ومتطلبات الوظيفة، وأن ذوي المهارات العالية أكثر شيوعاً من ذوي المهارات الأقل. مع ارتقاء الروبوتات على سلم الرواتب المهنية ودفع البشر المؤهلين لتقديم طلبات للعمل بمواصفات أقل، هذه الفجوة ستتسع. معرفة كيفية إدارة هؤلاء الناس ستصبح أمرا أكثر أهمية.
المخاوف من أن يفقد الأشخاص المؤهلون الحافز لها ما يُبررها. الحكايات كثيرة عن مصير الذين يعملون في مهمات دون مؤهلاتهم. كان هناك مدير فرنسي رفع دعوى في العام الماضي ضد موزّع عطور كان يعمل لديه؛ لأنه كان يشعر بالملل الكبير بحيث أُصيب بانهيار عصبي. أو موظف خدمة مدنية إسباني مُتهم ببساطة بعدم القدوم إلى العمل لمدة ستة أعوام على الأقل بعد دفعه نحو وظيفة ذات طريق مسدود. الناس الذين عرفوه قالوا إنه في الواقع كان يأتي إلى المكتب - لكنه كان يمضي الكثير من وقته في قراءة أعمال باروخ سبينوزا، الفيلسوف الهولندي الذي يقال إنه كان يتمتع بمؤهلات فوق المطلوب في وظيفته اليومية في شحذ العدسات.
الدراسة تؤكد خطر الملل - لكن فقط عندما تكون المسافة بين مؤهلات الموظف والمهمات التي يؤديها كبيرة جداً. خلافاً لذلك، بيليان لين وكينيث لو، من جامعة هونج كونج الصينية، وجينج تشو، من جامعة رايس، لاحظوا شيئا مختلفا وأكثر إيجابية. الموظفون الذين لديهم القليل من الركود يستغلون وقت فراغهم في إعادة التفكير في كيفية أداء وظائفهم - ممارسة معروفة باسم "صياغة المهمات" - ما يحمل مزيدا من الأنشطة المُبدعة ويُسهم في حُسن سير منظماتهم.
نظر الأكاديميون، مثلا، إلى المعلمين الذين يركّزون على جعل أنشطتهم الصفية أكثر تحفيزاً، والفنيين في المصانع الذين يستخدمون مهاراتهم الإضافية للتوصل إلى منتجات جديدة مُبتكرة.
هذه الظاهرة جعلتني أُفكر في ثلاث نساء في الكتاب الذي تحول إلى فيلم في الفترة الأخيرة بعنوان "شخصيات مخفية"، اللواتي عملن كجزء من مجموعة منفصلة عنصرياً من "أجهزة الكمبيوتر البشرية" في وكالة ناسا خلال الأعوام الأولى من سباق الفضاء في الخمسينيات والستينيات.
عندما هددت أجهزة الكمبيوتر الإلكترونية المُبكرة بأن تحل محلهن، واحدة من أولئك النسوة، دوروثي فون، علّمت نفسها لغة البرمجة، فورتران. بعد ذلك حوّلت فريقها من خبيرات الرياضيات والعالمات الماهرات، اللواتي تم تعيينهن في البداية في وظائف "مهنية متدنية"، إلى خبيرات في التكنولوجيا الجديدة.
يُفضّل بعض الناس تطبيق فائضهم من المهارات غير المستغلة خارج المكتب (سبينوزا أحد الأمثلة الصارخة). لكن كثيرا من أولئك العالقين في عدم تطابق المهارات سيكونون أكثر سعادة لو كان بإمكانهم استغلال مزيد من يوم عملهم، لمنفعتهم ومنفعة أصحاب عملهم.
لكن هناك سؤالا مهما بدون إجابة، هو كيف بإمكان المديرين تحديد موقع أحد أعضاء الفريق على المنحنى الواقع بين تولي مهمة دون المؤهلات وتقديم عمل مفيد وبين الملل الخانق. يقول أحد مؤلفي الدراسة الجديدة "ليس هناك حل يكون بمنزلة "قياس يناسب جميع الأحجام".
لكن هناك أمثلة على الكيفية التي يمكن أن يكون من المفيد فيها وجود فائض من العاملين ذوي المعرفة. حين سئل أحد المساهمين على موقع Quora.com عن الجوانب السلبية للعمل لدى جوجل، كان جوابه كما يلي: "أسوأ جزء هو حين يكون العاملون مؤهلين أكثر مما هو مطلوب للوظيفة. حين يكون من المعتاد أن تكون رائعا، وحين لا يكون العمل أصلا من النوع الشاق، فمن الصعب أن تكون متميزا".
ربما يكون ذلك صحيحا، لكن الشركات التي تستطيع أن تتحمل تكاليف توظيف موظفين رائعين للعمل في وظائف ليست رائعة يغلب عليهم التقدم على أقرانهم – شريطة أن يكون بمقدورهم إيقاف العاملين في مهمات دون مؤهلاتهم من الوقوع في السأم غير المنتج.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES