FINANCIAL TIMES

وصفات من علم الإحصاء لصد ركلات الجزاء .. ولإيداعها الشباك

وصفات من علم الإحصاء لصد ركلات الجزاء .. ولإيداعها الشباك

إنه اليوم الثاني من تشرين الأول (أكتوبر) 2016 في ملعب مستايا فالنسيا. كان الفريق المضيف يلعب مع أتلتيكو مدريد، أحد أندية كرة القدم الكبرى في إسبانيا. النتيجة هي 0-0 والحكم يمنح أتلتيكو ركلة جزاء، ما أثار تصفيقا واحتجاجا في آن معا. في وسط كل هذا، أنطوان جريزمان ينحني لالتقاط الكرة. طوله يبلغ بالكاد خمسة أقدام وثماني بوصات، هذا الفرنسي الأشقر هو أصغر وأخف من معظم المهاجمين، لكنه أحد أفضل اللاعبين في العالم في إيجاد مساحة بين المدافعين لتوجيه الكرة نحو الهدف. في بطولة أوروبا العام الماضي، فاز بجائزة "الحذاء الذهبي" التي تمنح لأفضل هداف في البطولة.
كل ركلة جزاء تكون بمنزلة هدية: تسديدة حرة من مسافة تبعد فقط 12 ياردة عن حارس المرمى. في مباريات فرق النخبة، نحو 75 في المائة من ضربات الجزاء تبلغ الهدف. لكن في هذه اللحظة، في الدقيقة 44، يبدو أن جريزمان متوتر. "يمكن أن تعرف هذا من وجهه"، يقول دييجو ألفيس، حارس المرمى البرازيلي البالغ من العمر 31 عاما، الذي كان واقفا في طريق جريزمان في ذلك اليوم. "مجرد إلقاء نظرة على وجهه يقول الكثير".
ألفيس، من ناحية أخرى، كان واثقا. إنها ثقة الحارس الذي يملك أفضل سجل في صد ركلات الجزاء في الدوريات الأوروبية. لقد صد ضربات جزاء كثير من أفضل لاعبي كرة القدم في العالم: كريستيانو رونالدو (مرتين)، وليونيل ميسي ودييجو كوستا، وإيفان راكيتيتش، وماريو مانزوكيتش (...) والقائمة تطول. مع تراجع اللاعبين على كل جانب إلى حافة منطقة الجزاء، يبقى الاثنان فقط في مربع العمليات. خلال هذه الوقفة لا توجد قواعد لمنع حارس المرمى الذي يرتدي هنا القميص الأخضر الفلورسنت، من التحدث إلى المهاجم قبل أن يضع الكرة على الفور. يقول ألفيس: "لقد خسر جريزمان ركلة الجزاء السابقة له. قلت له إنه إذا خسرها مرة أخرى، فإن الأمر سيكون فظيعا بالنسبة له، وهذا كما فهمت هو الضغط الذي كان يمر به".
بمجرد أن أطلق الحكم صافرته، لم يتطلب العمل الحاسم سوى ثانية لإكماله. ركض جريزمان نحو الكرة. ألفيس على خط المرمى. جريزمان يضرب الكرة بقوة بالجزء الداخلي من قدمه اليسرى وتحلق عاليا إلى يمين ألفيس. الحارس يقفز بجسمه، كامل جسمه، قليلا فوق سطح الأرض. ذراعه اليسرى تمتد للأعلى وتدفع الكرة بعيدا عن المرمى، وينطلق هدير 55 ألف متفرج. في الشوط الثاني، يحصل أتلتيكو على ركلة جزاء أخرى. لاعب الوسط جابرييل إريناس، المعروف بـ "جابي"، يتولى المهة هذه المرة. الكرة التي سددها بشكل ضعيف إلى يسار ألفيس تم إبعادها بسهولة.
ملعب التدريب الخاص بفريق فالنسيا يبعد 20 دقيقة بالسيارة إلى الشمال من المدينة الإسبانية الساحلية، على طول طرق تحُفها أشجار البرتقال. في صباح أحد أيام شباط (فبراير) الماضي تم إدخالي عبر بوابات يحرسها حارس أمن واحد، لمقابلة ألفيس الذي انتهى لتوه من حصة تدريبية. طويل القامة، لكن بلا هيئة مهيبة، لديه ابتسامة طبيعية، ولحية صغيرة مشذبة، أنيقة ورياضية.
ولد ألفيس في ريو دي جانيرو، وترعرع في مدينة ريبيراو بريتو في ولاية ساو باولو. مثل ملايين من الشباب البرازيليين، كان مجنونا بكرة القدم. عندما كان عمره نحو 11 أصيب بعارض في وجهه عالجه بأدوية الكورتيزون. يقول: "بدأت باكتساب الوزن وأصبحت سمينا جدا، لذلك بدأت ألعب حارس مرمى. [قبل مباريات المدرسة]، يسألني والداي ’من الذي سيكون الحارس اليوم؟‘ ويكون جوابي: أنا حارس المرمى. الجميع يضحك. ثم أجد أنني أصد الكرة ثم أصدها ثم أصدها. بعد المباراة، الجميع يهنئونني". عندما بلغ عمره 18 عاما التحق بأتلتيكو مينيرو في دوري الدرجة الأولى البرازيلي، قبل الانتقال إلى الدوري الإسباني، مع ألميريا، ومن ثم إلى فالنسيا.

حرب نفسية
يقول ألفيس إن ناديه يحلل المباريات المسجلة على الفيديو للتحضير لضربات الجزاء، لكن ليس كثيرا. بالنسبة له، ركلات الجزاء "حرب نفسية". يقول: "أبدأ بتجميع قصة في رأسي قبل المباراة حول ما يمكن أن يحدث إذا كانت اللعبة ستصل إلى ركلات الجزاء. أضع بعض القصص، وبعض المواقف القليلة، لكن أود أيضا أن أستشعر ما يشعر به المنافس في تلك اللحظة، لمعرفة ما إذا كان متوترا. أود أن أتحدث معه، وألتمس إحساسه، لمعرفة ما إذا كان سيفعل ما أظن أنه فاعله".
تتضاعف قيمة ركلة الجزاء؛ لأن كرة القدم لعبة ذات أهداف قليلة - كثيرا ما تنتهي المباريات بهدف وحيد. نهائي كأس العالم عام 1990 كان حالة من الجمود إلى أن منحت ركلة جزاء سددها أندرياس بريمه في الدقيقة 85 الفوز لألمانيا على الأرجنتين.
ضربات الجزاء تُوجِد فترة نادرة من السكون وسط فورة المباراة، وتعطي المهاجمين وحراس المرمى الوقت لحساب المخاطر التي تنطوي عليها. وهذا يعني أنها تتجسد بين الأذنين وكذلك على أرض الملعب. كيفن تراب، من باريس سان جيرمان، أحد أفضل حراس أوروبا في صد ركلات الجزاء ـ صدها بنسبة 39 في المائة ـ يقول: "أنا أواجه كل ضربة جزاء مع توقع صدها. في هذه الحالة ليس لديك ما تخسره".
بوب ويلسون الذي حرس مرمى أرسنال بين عامي 1963 و1974، يعترف بأنه يكره مواجهة ضربات الجزاء. استغرق الأمر منه تسع سنوات (...) لصد أول ضربة جزاء عندما كان يلعب في الدوري الإنجليزي الممتاز. يقول: "المرمى ثماني ياردات في نحو ثماني أقدام - 192 قدما مربعة. إنها هوة كبيرة لعينة".
خوسيه مانويل أوخوتورينا، مدرب حراس المرمى في فالنسيا والمنتخب الإسباني، يوافق على ذلك. "مع ركلة الجزاء، الجانب الآخر هو الذي لديه كل شيء لمصلحته". لكن ألفيس حالة غير عادية: "دييجو هو الحارس الذي يهيمن بشكل جيد للغاية [ولديه] الحدس وردود الفعل والسيطرة على الوضع".
يختلف المحللون حول كيفية تقييم ألفيس، لكنهم جميعا يتفقون على أنه حالة استثنائية. إنه يتفوق بكثير على المتوسط الذي بلغ 25 في المائة في معدل صد ركلات الجزاء بين حراس فرق النخبة. ويشير الموقع الألماني Transfermarkt إلى أن ألفيس صد ما يقارب نصف ضربات الجزاء التي واجهها - 22 من 46 – وهي أفضل نسبة مئوية لحارس مرمى في العدد نفسه في الدوريات الممتازة. مارتن ساتون، مؤلف مدونة إحصائيات ركلات الجزاء، قارن هذه الأرقام بكيفية صد كل واحدة من هذه الضربات. ولا يزال لدى ألفيس أفضل سجل في بطولات الدوري في أوروبا. لكن نظرة أعمق إلى نهج هذا اللاعب البرازيلي تؤدي إلى فكرة غير متوقعة: هل يمكنه في الواقع صد ضربات جزاء أكثر مما يفعل؟
عندما يفكر معظم الناس في ضربات الجزاء، يفكرون في الضربات الترجيحية، التي تجري في نهاية المباريات التي تنتهي بالتعادل في بطولات مثل كأس العالم. يجب على مشجعي إنجلترا أخذ نفَس عميق قبل قراءة التسلسل التالي: بيرس، وادل، ساوثجيت، إينس، باتي، بيكهام، فاسل، جيرارد، لامبارد، كاراجر، يونج، كول. يمكن لهذه الأسماء أن تثير ذكريات مؤلمة. هؤلاء أضاعوا ركلات ترجيحية أدت إلى خروج المنتخب الإنجليزي من مسابقات دولية كبرى.
تنفيذ الركلات الترجيحية كثيرا ما يتولاه لاعبون غير معتادين على التسديد من نقطة الجزاء، أنهكتهم مباراة استمرت 120 دقيقة. لفهم ما يمر به اللاعبون في معظم ضربات الترجيح، من المفيد دراسة أسلوب الركل من اختصاصي، مثل مات لو تيسييه. مشجعو ساوثاهمبتون، النادي الذي لعب فيه في الفترة بين 1986 - 2002، كانوا معجبين بقدرته على تسجيل الأهداف بذكاء فطري. كان نهجه في مواجهة ضربات الجزاء محسوبا بدقة. يقول: "أهم شيء بالنسبة لي كان في الواقع أنني كنت أتطلع للانتصار. أردت أن أكون في هذا الموقف، لذلك أعتقد أنه أعطاني نوعا من السبق".
"في العادة أجعل أحد حراس مرمى الفريق الشباب في النادي يذهب ناحية المرمى، وأعرض عليه المال مقابل كل تسديدة صدها. ربما أعرض عليه خمسة أو عشرة جنيهات مقابل كل ضربة يصدها من بين عشر ضربات. ذلك المال كان يُحدِث الكثير من الفرق بالنسبة لي، لذلك أنا أحاول قصارى جهدي. لم أكن أريد أن يضيع مالي، لذلك من الواضح أنه ضغط عليّ لأحرز هدفا؛ لأنه بخلاف ذلك سأكون بلا مال".
هذه الممارسة ساعدته على صقل أسلوبه. لإفساد الركلة يلزم حارس المرمى المقامرة في وقت مبكر، والغوص في اللحظة التي تأتي قبل تسديد الكرة. وهذا أعطى إلى لو تيسييه ميزة أخرى هي القدرة على مراقبة الكرة وحارس المرمى في آن معا. قبل لحظة التسديد كان يركز عينيه على المسافة بينه وبين الكرة. "ثلاث أو أربع ياردات. من خلال النظر هناك، أستطيع أن أرى حارس المرمى وكذلك الكرة (...) يمكنك أن تشعر أين يوجد جسده، والطريقة التي يمكن أن يتشكل بها جسده، وأين يتجه توازنه".
جميع لاعبي كرة القدم لديهم "جانب طبيعي" في المرمى يفضلون ضرب الكرة نحوه. بالنسبة لمن يستخدم قدمه اليمنى، جانبه الطبيعي هو الناحية اليسرى من المرمى. الذين يستخدمون القدم اليسرى يستهدفون يمين المرمى.
لكن لو تيسييه الذي يستخدم قدمه اليمنى كان يفضل توجيه الكرة نحو الجانب غير الطبيعي لديه، وفتح جسده لوضع الكرة على يسار الحارس. إذا لمح الحارس يتحرك في وقت مبكر، فسيكون بإمكانه أن يغير اتجاه الكرة التي يسددها فجأة. "إذا كان خيارك الأول هو التسديد إلى يمين الحارس، يكاد يكون من المستحيل أن تغير رأيك وتذهب في الاتجاه الآخر دون أن تتقطع كل أربطة ركبتك".
بحلول نهاية حياته المهنية، أحرز لو تيسييه 48 من 49 ركلة جزاء، ولا يزال أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي الممتاز ومن بين الأفضل في تاريخ كرة القدم.
منفذو ركلات الجزاء يغلب عليهم أن يكونوا فائقي الثقة في تحويلها إلى أهداف. يقول بول فيرهايخ، قائد فريق نادي أوجسبورغ الألماني: "إذا سددت الكرة بشكل جيد في الزاوية مع سرعة جيدة، فلا يوجد كثير من حراس المرمى السريعين بما يكفي لصدها".
الظهير الأيمن الهولندي لديه أحد أفضل الأرقام القياسية الحالية ضمن الدوريات في أوروبا، إذ فشل مرتين فقط في 17 محاولة. فيرهايخ يعزو السبب في ضياع إحداهما إلى مانويل نوير، حارس المرمى الطويل في بايرن ميونيخ. يقول: "مع حارس مرمى مثل نوير، عليك أن تكون على يقين بأنك أهل لتولي ركلة الجزاء. أعلم أنه إذا خمّن الزاوية اليمنى، مع سرعته وطول ذراعيه، فستكون المهمة صعبة" - فشل نوير في الوصول إلى الكرة، لكنها اصطدمت بالقائم.

دراسات أكاديمية
ولد تحليل ركلات الجزاء كمية كبيرة من الدراسات الأكاديمية. السبب الوحيد هو أنها تقدم أنموذجا في العالم الحقيقي لنظرية الألعاب التي يستخدمها الاقتصاديون لدراسة السلوك الذي تترابط فيه تصرفات مختلف المشاركين. خلال الحرب الباردة، استخدمت الولايات المتحدة نظرية الألعاب للتنبؤ بالكيفية التي سيكون عليها رد فعل الاتحاد السوفياتي في أي صراع عسكري. أحد المختصين في نظرية الألعاب الأكثر تأثيرا، جون ناش، عالم الرياضيات الحائز على جائزة نوبل، كان موضوع فيلم من إنتاج عام 2001، بعنوان "عقل جميل".
يعترف إجناسيو بالاسيوس-هويرتا، وهو أستاذ في كلية لندن للاقتصاد وعضو في مجلس إدارة نادي أتلتيك بيلباو الإسباني، قائلا: "نحن خبراء الاقتصاد لا نظهر عادة في الأفلام". أثناء دراساته العليا في شيكاغو في منتصف التسعينيات، أدرك بالاسيوس-هويرتا أن ركلات الجزاء يمكن أن تكون وسيلة جيدة لاختبار فرضية ناش، وبذلك سجل نتائج آلاف من ركلات الجزاء. وكانت النتيجة بحثا له أثر قوي: "المهنيون يلعبون مينيماكس"، الذي نشر عام 2003.
بعض المختصين في نظرية الألعاب يحللون الحالات التي تكون فيها نتائج مثالية تعتمد على جهات تتعاون معا. في المقابل، ركلة الجزاء هي لعبة محصلتها صفر. أفضل نتيجة لمسدد الكرة – تسجيل هدف – هي نتيجة سيئة للحارس. أفضل نتيجة للحارس – صد الكرة – هي نتيجة سيئة لمسدد الكرة. يمكن لمسدد الكرة أن يتبنى استراتيجية "نقية"، واختيار أن يسدد الكرة دائما في الاتجاه نفسه. لكن مع مرور الوقت قد يتمكن حارس المرمى من معرفة هذا النمط. بدلا من ذلك، ينبغي لمسدد الكرة وحارس المرمى، في آن معا، اعتماد "استراتيجيات متباينة"، أي التغيير العشوائي للجانب الذي تذهب الكرة إليه أو الغوص لمواجهتها.
هذا لا يعني تقسيم الركلات بالتساوي بين جانبي المرمى. في الوقت الذي يولِّد فيه مسدد الكرة مزيدا من القوة والدقة عند إيصالها إلى جانبه الطبيعي، فمن المنطقي أن يرسل مزيدا من التسديدات في هذا الاتجاه. لكن في بعض الأحيان يجب أن تصل الكرة إلى الجانب الآخر لإحداث شك في عقل حارس المرمى مباشرة. وجد بالاسيوس-هورتا أن ضربة الجزاء المثالية يجب أن تكون 61.5 في المائة إلى الجانب الطبيعي لمسددها، و38.5 في المائة إلى الجانب الآخر. بالنسبة لحارس المرمى الذي يعتمد الجانب الطبيعي لديه على ما إذا كان يستخدم يده اليمنى أو اليسرى، يجب أن يفضل ما يستخدمه من يده بنسبة 58 في المائة من الوقت. على مدى آلاف من ركلات الجزاء في واقع الحياة، بلغ لاعبو كرة القدم بشكل لافت ما هو قريب من "توازن ناش" هذا - اختار مسددو الكرة الجانب الطبيعي بنسبة 60 في المائة من الوقت، وحراس المرمى جانبهم الطبيعي بنسبة 57.7 في المائة. (هذه الأرقام لا تشمل الذين سددوا الكرة في المركز، الأمر الذي يحدث في نحو 10 في المائة من الركلات).
يقول بالاسيوس-هويرتا: "[إسحاق] نيوتن نظر إلى التفاحة وهي تسقط من الشجرة؛ لأن التفاح أعطى نيوتن الكثير من البيانات الجيدة جدا لاختبار نظريته [حول الجاذبية الأرضية]. "وبالمثل، بدأت بجمع ركلات الجزاء؛ لأنني أدركت أنها كانت الوضع المثالي لاختبار مجموعة فرعية من توازن ناش. إذا كنت سأحصل في حياتي على جائزة نوبل في الاقتصاد"، كما قال مازحا: "فسيكون لأنني أظهرت أنه، لأول مرة، بعض البشر يلعبون كما يتوقع ناش في استراتيجيات متباينة. وعناصر دراستي - تفاحاتي - هي لاعبو كرة القدم".
اللاعبون النخبة، كما يضيف، يختلفون عن معظم الناس بطريقة حاسمة - فهم ليسوا عبيدا لـ "قانون الأعداد الصغيرة". وهو يفسر هذا عن طريق طلبه مني أن أتخيل عملة يجري قلبها عشر مرات كتابة التسلسل باستخدام H لوجه العملة وT لظهرها. أنا أكتب ما يلي: HTTTHTHHTH. "إذا طلبت منك أن تفعل ذلك عشر مرات، فإنك لن تحيد كثيرا عن 50/50؛ لأنك تعرف الخصائص على المدى الطويل، وستحاول إعادة إنتاج الخصائص في المدى القصير أيضا".
لكن هذا يعد سوء فهم، كما يشير بالاسيوس-هويرتا. "دعونا نقل بدلا من قلب العملة عشر مرات، أود أن أطلب منك أن تقلبها 50 مرة. من المضمون تقريبا أنك لن تضع وجها أو ظهرا أربع مرات على التوالي، بينما في سلسلة من 50، يكاد يكون من المضمون أنه سيكون هناك جزء واحد على الأقل لديه أربعة على التوالي. البشر يتبعون قانون الأعداد الصغيرة".
لكن لاعبي كرة القدم ليسوا بشرا عاديين. الرياضيون المحترفون الذين يتعين عليهم إرباك الخصم باستمرار كي يظفروا بالنصر، هم أفضل بكثير في خلط أفعالهم من الناس العاديين الذين تراهم كل يوم. ولاعبو كرة القدم الأفضل كثيرا هم من بين الأفضل في إضفاء الطابع العشوائي على ركلات الجزاء. وكما تم تفصيله لأول مرة من قبل زميلي في "فاينانشيال تايمز"، سايمون كوبر، والبروفيسور ستيفان زيمانسكي في كتابهما "اقتصاديات كرة القدم" Soccernomics عام 2009، قدم بالاسيوس-هويرتا تحليلا لاستراتيجيات تسديد مثالية لأفرام جرانت، المدير الفني لتشيلسي في المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا 2008 بين تشيلسي ومانشستر يونايتد. عندما وصلت المباراة إلى الركلات الترجيحية، كانت الركلة الترجيحية الحاسمة بين نيكولا إنيلكا، من تشيلسي، وإدوين فان دير سار حارس مرمى يونايتد. قبل أن يسدد إنيلكا الكرة، أشار فان دير سار إلى يساره - الجانب الذي أشار بالاسيوس-هويرتا إلى أنه الجانب المفضل للاعبي تشيلسي لتسديد الكرة. إنيلكا الذي انطلت عليه الخدعة صوّب إلى اليمين بدلا من ذلك، وصد فان در سار الكرة التي فاز بها يونايتد باللقب.

سيمون مينيوليه
ليفربول واحد من عدد من الأندية التي بدأت باستخدام التحليل الإحصائي العميق لوضع استراتيجيات لضربات الجزاء. تعود ملكية الفريق إلى مجموعة فينواي الرياضية التي تملك أيضا "بوسطن ريد سوكس"، فريق البيسبول الذي غير حظوظ المجموعة عن طريق التعاقد عام 2002 مع ثيو إبشتاين الذي كان يبلغ حينها 28 عاما، ليصبح المدير العام للفريق. إبشتاين كان أحد المغرمين بـ "السابرمتريكس" Sabermetrics، وهو نهج إحصائي مستخدم في هذه الرياضة. بعد ذلك بعامين، فاز ريد سوكس ببطولة العالم للمرة الأولى في 86 عاما.
وعندما اشترت فينواي فريق ليفربول عام 2010، حاولت إحداث ثورة مماثلة في كرة القدم. ساعد قسم التحليل في النادي اللاعبين مثل سيمون مينيوليه، حارس مرمى ليفربول، الذي يملك أحد أفضل السجلات في صد ضربات الجزاء في الدوري الإنجليزي الممتاز. يقول حارس المرمى البلجيكي: "حراس المرمى يجتمعون مع فريق التحليل قبل المباراة ودائما ما ينظرون في كل القطع المعدة من الخصوم - ويتضمن ذلك ركلات الجزاء. نحن نرى كيف يتم تسديدها. إذا كان هناك نمط معين، فما الذي يمكن أن نتعلمه من ذلك؟".
في كانون الثاني (يناير)، استضاف ليفربول فريق تشيلسي على ملعب أنفيلد. في الدقيقة 77 حصل تشيلسي على ركلة جزاء. تقدم لها دييجو كوستا، مهاجم النادي اللندني. لاحظ مينيوليه أن محللي ليفربول وجدوا أن لدى كوستا تفضيلا للتسديد إلى يمين الحارس، لكنه يمكن أن يضعها عاليا داخل الشباك، أو منخفضة على الأرض. وكانت النصيحة لمينيوليه هي القفز "بين المستويين"، ما يتيح له القدرة على التعامل مع الكرة في أي مستوى أتت.
يقول مينيوليه: "شيء واحد يجب توضيحه هو أن صد ركلة الجزاء لن يكون أفضل صد في حياتك المهنية؛ لأنك [يمكن] أن تعد نفسك لذلك. صد الكرة خلال المباراة فيه كثير من رد الفعل، ولا يمكنك أن تعد نفسك، لذلك أي تسديدات أخرى أصعب من صد ركلة الجزاء".
وكما كان متوقعا، سدد كوستا الكرة على يمين الحارس وتدحرجت الكرة على المرج، متجهة تحت جسد الحارس، لكن مينيوليه كان مستعدا، واستخدم ذراعه اليمنى لصد الكرة وكسب فريقه التعادل.
ويكشف التحليل الإحصائي أن الأمر عندما يتعلق باستباق تفكير الخصوم، فإن سجل دييجو ألفيس القياسي ليس استثنائيا بشكل خاص. فقد خمن الجهة الصحيحة التي يقفز إليها في 53 في المائة فقط من الركلات. وفي 63 في المائة من الحالات كان يقفز نحو الجانب الطبيعي للمهاجم، وفي 37 في المائة نحو جانبه غير الطبيعي – وهي نسب تقع بالقرب من المتوسط الذي يتوقعه المختصون في نظرية الألعاب. وهو لا يبقى ساكنا أبدا، على الرغم من أن 15 في المائة من الركلات ضده جاءت في الوسط.
أثناء جلوسه بالقرب من ملعب التدريب في فالنسيا، يصف ألفيس بعض الأساليب البسيطة التي يستخدمها لصد ركلات الجزاء. أحدها هو القفز قليلا إلى الأمام وبشكل قطري، بعيدا عن المرمي. هذا يساعده على "إغلاق الزاوية" بين المرمى ونقطة الجزاء، وإنشاء مساحة أصغر ليستهدفها المهاجم. وعلى نحو مثير، يشير إلى أن هناك "طرقا مختصرة أخرى" أوجدها – وهي أساليب خفية يتبناها للوصول إلى كرات لا يستطيع الآخرون الوصول إليها. عندما طلبتُ منه الإسهاب وتقديم بعض التفاصيل، ابتسم وهز رأسه، قائلا يجب أن تبقى في طي الكتمان.
بعد مرور ثلاثة أسابيع على صد ألفيس ركلتين لفريق أتلتيكو مدريد في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، استضاف فالنسيا فريق برشلونة. وعندما دخلت المباراة فترة الاستراحة بين الشوطين كانت النتيجة هدفين لكل فريق. وفي الدقيقة الثانية من الزمن بدل الضائع تم احتساب خطأ لمهاجم الفريق الزائر، لويس سواريز، في منطقة الجزاء. وبينما وضع ليونيل ميسي الكرة في نقطة الجزاء، حاول ألفيس الاقتراب منه رغم محاولات الحكم إبعاده. يقول ألفيس: "قلت في نفسي شيئا من قبيل: أنا أعرفك، لقد واجهتك وأوقفتك من قبل. في وقت متأخر من ذلك اليوم، أخبرني ميسي أنه لم يكن يعلم أين يضع الكرة. فقد أراد اللعب بسرعة وبقوة".
ميسي، الذي ربما تشوش بسبب كلمات ألفيس، اعتمد أسلوبا غير عادي بشكل كبير. ركض نحو الكرة بزاوية أظهرت أنه يمكن أن يسددها بجانب قدمه. بدلا من ذلك ركلها بقوة بوجه قدمه اليسرى نحو الزاوية اليمنى في أسفل المرمى. يقول ألفيس: "لم أر ميسي قط ينفذ ضربة جزاء مثل هذه من قبل". نزعت الكرة العشب ونجت بالكاد من ملامسة أصابع حارس المرمى، بحيث استقرت على بعد بوصات من القائم. وكانت تلك المرة الثانية فقط التي يسجل فيها أي لاعب على الجانب الأيمن من ألفيس حتى بعدما خمن المكان الصحيح للكرة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES