Author

الصندوق العقاري .. وإصلاح ما يشتغل

|

أسس صندوق التنمية العقارية قبل أكثر من 40 عاما، وكان هدفه الأساسي مساعدة الأسر على تملك مساكن حديثة ومناسبة. وهو من أكثر المؤسسات التي استفاد منها المواطنون من مختلف الشرائح السكانية، وقد نجح في تمكين مئات آلاف الأسر من اقتناء مساكنهم. ولا يميز أسلوب القرض الحسن الذي كان يمنحه الصندوق بين طالبي التمويل، وكان الشرط الأساسي للحصول على قرض هو توافر أرض سكنية، كما أن حجمه كان ثابتا لجميع المتقدمين بغض النظر عن دخولهم أو أعمارهم أو حجم أسرهم. ولم يلجأ صندوق التنمية العقارية طوال عمره إلى ملاحقة المتخلفين عن السداد ولم تجر أي محاولة لبيع العقارات المرهونة له، كما تم إسقاط بعض دفعات الصندوق والكثير من استحقاقات القروض على المتوفين. ومن أكثر الأشياء أهمية للمواطنين أنه لم يكن هناك أي جدل أو شك في شرعية القرض الحسن وهو مقبول من قبل جميع الناس والمفتين.
تم أخيرا تحويل المنتطرين - لمدد تزيد على عشر سنوات - للحصول على قروض حسنة من الصندوق إلى برنامج القروض المدعومة من قبل الصندوق لمصلحة المصارف التجارية. وقد تسبب هذا التحويل في إحداث صدمة وامتعاض ورفض معظم المحولين للقروض التجارية المدعومة. وجاءت الصدمة كرد طبيعي للتغيير الجذري في أسلوب تمويل الصندوق، وارتفاع مخاطر القروض، وخفض منافع وخيارات طالبي القروض من التمويل. وتراوح نسب الفائدة على هذه القروض ما بين 4.3 و6.5 في المائة كما تفيد بعض مواقع المصارف، يدفع الصندوق جزءا منها بينما يتحمل المقترض الجزء المتبقي. (تضلل المصارف التجارية المقترضين من خلال إبراز نسبة الأرباح على القروض وعدم إظهار معدلات الفائدة). وعموما تخفض القروض المدعومة منافع المقترضين من القروض الحسنة، وتخفض حجمها لمنخفضي الدخل، وتلغيها لكبار السن، كما أنها تميز بشكل واضح بين المقترضين على أساس الدخل وحجم العائلة والعمر، إضافة إلى أنها تعرضهم لمخاطر خسارة عقاراتهم في حالة التخلف عن السداد. وكعادة كثير من المؤسسات الحكومية، تنخفض شفافية صندوق التنمية العقارية ووزارة الإسكان حول آلية الدعم ومن المسؤول عن تحديده.
يقول المثل الإيرلندي "إذا الشيء يشتغل لا تصلحه"، وهو مثل بسيط يحث على عدم التعرض للأشياء المستمرة في العمل بدعوى إصلاحها، لأن هذا سيقود إلى تعطيلها، أو خفض أو وقف الاستفادة منها، أو تحويلها إلى غير أهدافها. وهذا المثل ينطبق على صندوق التنمية العقارية الذي ظل يعمل بطريقة جيدة ونافعة ومقبولة لدى فئات المجتمع كافة حتى بدأت التدخلات في عمله وأسلوب طريقته من قبل أطراف متنوعة. وبدأت الاقتراحات بتحويل مسار صندوق التنمية العقارية من قبل بعض المؤسسات الدولية والخبراء الأجانب منذ فترة طويلة وذلك بعد تراجع الإيرادات النفطية. وكانت الاقتراحات في بدايتها تنصح بوقفه أو بتحديد مستفيديه بالشرائح السكانية منخفضة الدخل. بعد ذلك تعالت أصوات المطورين العقاريين بضرورة تغيير مسار التمويل لشراء الوحدات الجاهزة، والهدف واضح من وراء ذلك وهو رفع استفادة العقاريين والمطورين من تمويلات الصندوق. وسبحان الله كيف تبرر المصالح مرارا وتكرارا بما يبدو جميلا؟
تنوي وزارة الإسكان استخدام آليات جديدة لدعم تملك المساكن، ولكنها أوقفت بشكل فعلي آلية القروض الحسنة التي كان يقوم بها صندوق التنمية العقارية. ويبدو أن هناك توجها لاستخدام موارد الصندوق لدفع دعم فوائد برامج القروض الجديدة، وذلك لزيادة عدد المستفيدين من هذه الموارد. صحيح أن هذا سيرفع عدد المستفيدين في المستقبل القريب ولكنه سيحبط (يطفش) كثيرا من منتظري القروض، كما سيهدر موارد الصندوق على الفوائد، ما يعني أنه سيفقد موارده الحالية خلال سنوات ويوقفها على الأمد الطويل. وتدعم آليات وزارة الإسكان الجديدة تمويل شراء المساكن ما يحفز الطلب على منتجات المطورين العقاريين وعلى العقارات الجاهزة ويدعم أسعار المساكن الجاهزة، بينما كانت آلية القرض الحسن تدعم عرض المساكن وتخفض من ضغوط أسعارها. ويرى كثير من المنتظرين للحصول على قروض عقارية أن الآليات الجديدة تدعم بشكل واضح منافع عارضي العقارات الجاهزة والمطورين والمصارف التجارية. من جهة أخرى، تنبغي الإشارة إلى أن برامج تمويل الإسكان الجديدة ستكون عرضة لمخاطر تقلبات أسعار الفائدة، فمن المتوقع أن تواصل معدلات الفائدة المنخفضة حاليا ارتفاعها في المستقبل، ما سيرفع كثيرا من تكاليف دعم التمويل على الصندوق والمقترضين ويهدد بتقلص أو وقف الكثير منها.
وخلاصة القول، فقد كان أسلوب صندوق التنمية العقارية يعمل بشكل جيد وكان مقبولا من قبل مختلف الفئات السكانية، فلماذا لم يترك يستخدم موارده الذاتية في الاستمرار في منح القروض الحسنة ودعمه قدر الإمكان لخفض فترات الانتظار الطويلة؟ خصوصا أن هناك التزاما أدبيا وقانونيا للوفاء بالتزاماته تجاه المنتظرين منذ سنوات طويلة، الذين أجبرتهم أوضاعهم المالية على الانتظار طوال هذه السنوات. أما بالنسبة لآليات الإقراض الجديدة فقد كان بإمكان وزارة الإسكان إضافتها إلى أنشطتها أو إلى مؤسسات جديدة متخصصة فيها توفر خيارات إضافية للمواطنين الراغبين في استخدامها.

إنشرها