Author

خسائر التصدي لـ «الصخري» كبيرة

|

إذا كان القصد من عدم تخفيض مستوى إنتاج البترول بنسبة أكبر لرفع السعر، هو فعلا شن حرب على البترول الصخري الأمريكي، فهو أمر يحتاج إلى إعادة النظر. فالصخري، وإن نزل إنتاجه قليلا بسبب الانخفاض المؤقت الحالي للأسعار، فهو عائد لا محالة عندما يتحسن الوضع لاحقا، كما هو متوقع. والذين يعتقدون بتهديد الإنتاج الصخري المكلف للإنتاج العالمي من البترول التقليدي الرخيص، نؤكد لهم أن ذلك يخالف طبيعة العرض والطلب. وسوف نستثني في هذا المقال كون العامل السياسي طرفا في معادلة انخفاض سعر برميل البترول بدءا من منتصف عام 2014، مع اعتقادنا باحتمال ذلك. وسوف نحصر حديثنا فقط عما تتداوله وسائل الإعلام - رغم عدم اقتناعنا به - من أن فكرة تخفيض السعر كانت لقطع الطريق على البترول الصخري الذي، كما قد يظن البعض، تعدى على حرمة أسواق البترول التقليدي، مع صعوبة وتكلفة إنتاجه. مع أننا ندرك تماما أن نمو إنتاج الصخري الأمريكي له زمن محدود. إذ من المؤكد، حسب تنبؤات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، أنه سوف يصل ذروة إنتاجه بعد سنوات قليلة، قد لا تتعدى خمسة أو ستة أعوام. فقد ذكرت الإدارة نفسها في تقرير حديث لها أن إنتاج الصخري الأمريكي سوف لا يتعدى سبعة ملايين برميل يوميا خلا الـ 25 سنة المقبلة، أي في عام 2040. ونحن نعلم أيضا، أن إنتاج البترول الصخري خارج أمريكا الشمالية غير مجدٍ اقتصاديا حتى عند سعر 100 دولار للبرميل، فلا خوف منه في وقتنا الحاضر. وهل من المقبول اعتبار أن الدول المنتجة كان هدفها من عدم تخفيض إنتاجها بنسبة كافية من أجل دعم الأسعار هو احتياطا لعدم عودة نمو إنتاج البترول الصخري إلى سابق عهده؟ أو بمعنى آخر، قبولها نزول سعر البرميل بما يزيد على 50 في المائة عما كان عليه قبل منتصف عام 2014، على أن يتركوا الصخري كشريك عادي في السوق، مثله مثل أي مصدر آخر. والعبرة بالنتائج، فالخسائر المادية اليوم ضخمة وغير قابلة للتعويض. والذي يراقب ويتابع وضع معظم حقول البترول التقليدي التي تمد العالم اليوم بالبترول يجد أنها بلغت حد الإنهاك، بل على وشك أن تنهار ويبدأ إنتاجها رحلة الهبوط الذي لا عودة بعده. ومستقبل الأسعار، تبعا لذلك، مآله إلى الصعود، ما سيؤدي حتما إلى عودة نمو إنتاج الصخري دون أدنى مقاومة. وهو أمر طبيعي، فقد توقعت وكالة الطاقة الدولية أخيرا أن العالم سيواجه خلال السنوات القليلة المقبلة أزمة في الإمدادات البترولية، لعدة أسباب، لعل من أهمها، النقص الكبير في الاستثمارات المالية والنضوب الطبيعي لحقول الإنتاج. وهو ما سيشجع شركات إنتاج الصخري على رفع إنتاجه بوتيرة سريعة. وفي الوقت نفسه قد لا يتسبب ذلك في وجود تخمة إنتاج كما حدث قبل نهاية 2014. ولكن المؤسف أن ما فقدناه نحن المنتجون من دخل البترول بسبب نزول الأسعار سيكون من التاريخ.
وما كانت تنقله وسائل الإعلام من أن البترول الصخري هو سبب تخمة فائض الإنتاج قبل سنتين غير دقيق. نعم، كان الصخري دون شك شريكا في أسباب الانخفاض، ولكنه لا يتحمل كامل المسؤولية. فلو عدنا إلى ما قبل منتصف عام 2014 وقارنا كميات إنتاج عدد من الدول المصدرة قبل وبعد انخفاض الأسعار لوجدنا أنها، بقصد أو بغير قصد، قد رفعت إنتاجها في وقت كان من المفترض ألا تضيف أي دولة إلى الفائض المتراكم في السوق البترولية، وساعد ذلك على تنامي التخمة، ومن ثم هبوط الأسعار. ولو كان نمو الإنتاج العالمي حينئذ حقا مصدره الصخري وحده، لكان بالإمكان تحاشي الموقف عن طريق امتصاص نمو الصخري بفعل ارتفاع الطلب العالمي السنوي على البترول بنسبة كانت تزيد على إضافة الصخري.
فقد كان إنتاج مجموعة دول "أوبك" في عام 2014، قبل بداية أزمة الأسعار، عند مستوى 31 مليون برميل في اليوم. وفي نهاية عام 2016 وصل مجموع الإنتاج اليومي إلى ما يقارب 34 مليون برميل. فكيف نفسر ذلك في الوقت الذي كان من المفترض أنهم يعملون جاهدين على تحجيم الإنتاج من أجل رفع السعر؟ هذا يفسر لنا عدم جدية مجهود تخفيض الإنتاج الأخير الذي اتفق معظم المنتجين على تنفيذه، ولا يزال نجاحه الكامل مجال شك في الأسواق البترولية. ومما يزيد من غموض المواقف، ما يدور حول الموضوع من تصريحات تتحدث عن إمكانية عدم تمديد الاتفاق، بعد مضي الأشهر الستة الأولى على بداية تطبيقه. وكان الأولى أن يكون التخفيض مستديما لأنه، قبل كل شيء، يخدم مصالح المصدرين، وهذا هو المهم. وكأنهم لا يريدون أن ترتفع الأسعار عن مستواها الحالي، خوفا من ارتفاع إنتاج الصخري. وهو أمر مؤسف أن نبقي على خسائرنا والصخري قادم لا محالة بعد أن نكون، نحن منتجو البترول التقليدي، قد استنفدنا نسبة كبيرة من ثرواتنا الناضبة. وستظل الأسعار تحت رحمة الاتفاقيات الطوعية والمناورات الدولية التي تتحكم في مصيرها مصالح كل دولة.

إنشرها