أخبار اقتصادية- عالمية

انقسام "صامت" في مجموعة العشرين بشأن "الحمائية" .. والتجارة الحرة على المحك

انقسام "صامت" في مجموعة العشرين بشأن "الحمائية" .. والتجارة الحرة على المحك

يعد الجدل بشأن الحمائية، وآثارها في الاقتصاد الوطني والعالمي، جدلا أصيلا ودائما بين الاقتصاديين منذ منتصف القرن الثامن عشر تقريبا، فمنذ نشأة علم الاقتصاد بمفاهيمه الحديثة، وهناك انقسام حاد بين المدافعين عن حرية التجارة الدولية وخصومهم من المنادين بالحمائية الاقتصادية.
فأنصار المدرسة الأولى يعتبرون حرية التجارة داخليا وخارجيا المدخل الأساسي لرفع معدلات النمو، عبر تخصيص كل مجتمع في إنتاج السلع التي يتمتع فيها "بمزايا نسبية"، تمكنه تلك المزايا من إنتاجها بتكلفة أرخص من الآخرين، وبجودة أعلى أيضا.
وأصحاب تلك المدرسة وفي مقدمتهم بالطبع أبو الاقتصاد الحديث الاسكتلندي آدم سميث، وأيضا ديفيد ريكاردو يعتبرون أن الحرية الاقتصادية، والمنافسة وتحديدا في مجال التجارة الدولية ضمانا لمزيد من الرفاهية الاقتصادية، واستخدام أمثل للموارد، وشعارهم الدائم في ذلك "دعه يعمل دعه يمر".
وعلى النقيض، يرى أغلب المدافعين عن الحمائية الاقتصادية العكس تماما، فالرفاهية الاقتصادية لن تتحقق من وجهة نظرهم، إلا عبر إغلاق أبواب السوق المحلية أمام السلع المنافسة، لضمان نمو الزراعة والصناعة المحليتين، وهو ما يحقق معدلات نمو مرتفعة، ويضمن عبر التخطيط – كليا أو جزئيا - استخداما أمثل للموارد.
وتزدهر الحمائية الاقتصادية في ظل الأنظمة الاقتصادية ذات التخطيط المركزي، وقد تجلى الصراع بين المدرستين في فترة الحرب الباردة والصراع السوفياتي – الأمريكي حيث دافع المعسكر الاشتراكي عن الحمائية بينما وقف الغرب وأنصاره في ذلك الحين مع حرية التجارة.
ولكن أين تقع البلدان الخليجية ضمن تلك التطورات وذلك الجدل، وكيف سينعكس المشهد الاقتصادي بتعقيداته المقبلة وصراعاته الحادة على الدول الخليجية ومصالحها.
لا شك أن بلدان مجلس التعاون الخليجي وتحديدا السعودية والإمارات، في طليعة الدول المدافعة عن حرية التجارة في الشرق الأوسط وعلى المستوى العالمي، سواء ارتبط ذلك الدفاع بقيم منبثقة من المنظومة الثقافية - الاقتصادية لتلك البلدان، أو لأن حرية التجارة تضمن لها تعظيم المنفعة الاقتصادية لمواردها.
وبالنسبة لعدد كبير من الخبراء الغربيين فإن أغلب تقديراتهم ترجح أن تواصل البلدان الخليجية - وتحديدا السعودية - سياستها القائمة على تعظيم المصالح الاقتصادية لمواطنيها، عبر تعزيز قيم الشراكة الاقتصادية، والابتعاد عن الصراعات التجارية ذات الطبيعة الملتبسة، مع مواصلة الحفاظ على ما تتمتع به من مرونة اقتصادية، نتيجة الحفاظ على مسافة متساوية من أطراف أي نزاع اقتصادي مقبل.
وإذ يعتقد الخبراء أن بلدان مجلس التعاون الخليجي وتحديدا السعودية ستواصل تعزيز وضعها الاستثماري في الاقتصاد الأمريكي، نظرا للعلاقات الاقتصادية التاريخية بين الجانبين، ولما يحققه الاستثمار في الاقتصاد الأمريكي في الوقت الراهن من أرباح آنية ومستقبلية، في ضوء توقع ارتفاع معدلات نموه خلال الفترة المقبلة، فإن ذلك لم يحل دون بناء استراتيجية اقتصادية متوازنة تعمل على إقامة شبكة من المصالح المتربطة مع الأطراف الدولية الأخرى، وهو ما تجلى بوضوح في الجولة الآسيوية الأخيرة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وما نجم عنها من تحول نوعي في طبيعة العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين السعودية وآسيا، وتحديدا العملاقين الآسيويين اليابان والصين.
وهذا التوجه يسمح للرياض من وجهة نظر الخبراء بالتمتع بالمزايا الممكن تحقيقها من جراء حرية التجارة والحمائية الاقتصادية في آن واحد، عبر الحفاظ على سياسة اقتصادية عمادها التعاون الاقتصادي مع الأطراف كافة، دون انحياز إلى أحد طرفي الصراع التجاري، بما يبقي هامش المناورة الاقتصادية المتاح أمام الرياض رحب دائما، وقادر على تحقيق استراتيجيتها في جذب الاستثمارات الدولية.
ويرى هنري لويز المحلل الاقتصادي أن مساحة الحركة المتاحة للسعودية الآن ومستقبلا، ستضمن لها المزيد من القفزات الاستثمارية الدولية، بحيث يمكن أن تعود الحمائية الاقتصادية بقيادة ترمب بالنفع على بلدان مجلس التعاون وتحديدا السعودية والإمارات.
ويوضح لـ "الاقتصادية"، أن سياسة الإصلاح والتطوير الاقتصادي إلى تتبناها الرياض حاليا، قد تفتح الآفاق لجزء كبير من رؤوس الأموال الدولية التي قد تنسحب من الاقتصادات الآسيوية وبعض الاقتصادات الناشئة، إلى الاستثمار في الاقتصاد السعودي باعتباره اقتصاد حيوي، يمر بمرحلة تحول إيجابية، ويحافظ على علاقات متوازنة بين واشنطن وبكين، خاصة أن رؤوس الأموال تلك، ربما تفضل تفادي الاستثمار في الأسواق الأمريكية – في المراحل الأولى على الأقل - خشية أن يعود عليها ذلك بالخسارة، نتيجة ردود فعل خصوم واشنطن وتبنيهم سياسات عقابية.
ويضيف لويز أن مؤشرات السوق الأمريكي وتحديدا سوق الأسهم، تشير إلى أن قوة الدفع لسياسة ترمب الاقتصادية تحقق نتائج طيبة، والخليجين سيستفيدون من تلك الإيجابية، حتى تظهر المؤشرات عكس ذلك.
من جهة أخرى، يقول لـ "الاقتصادية"، الدكتور جون هاتون أستاذ مبادئ الاقتصاد في جامعة لندن، إن الحمائية ليست حكرا فقط على المدافعين عن الأفكار الاشتراكية، بل هي أفكار أصيلة في النظام الرأسمالي ذاته، وأغلب المؤرخين الاقتصاديين يعتبرون أن الكساد الكبير الذي ضرب الاقتصاد العالمي في ثلاثينات القرن الماضي، يعود بالأساس إلى تبنى البلدان الرأسمالية، وأعني الولايات لمتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية، أفكارا حمائية، وبعد تلك التجربة المؤلمة، أخذت أفكار الحرية الاقتصادية في اكتساب المزيد من القوة في النظام الرأسمالي العالمي، وبات هناك ما يشبه التعهد غير المكتوب بعدم العودة إلى أفكار الحمائية الاقتصادية.
وأشار هاتون إلى أنه مع انهيار الاتحاد السوفياتي فإن حرية التجارة أخذت أبعادا جديدة، فبعد أن كانت أفكارا تسود داخل النظام الرأسمالي، باتت أفكارا عالمية، وبانضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية حدث التحول النوعي المبتغى في مجال الحرية التجارية، وتلقت الحمائية الاقتصادية ضربة قوية، إذ باتت أبواب أكبر سوق في العالم مشروعة أمام التجارة العالمية.
هذا المشهد الكلاسيكي يبدو الآن على أبواب تغير جذري، فمنظمة التجارة الدولية تحذر من أن الحمائية الاقتصادية تزحف مجددا، لتستعيد مواقعها التي فقدتها لعقود، مستفيدة من المصاعب والتحديات الاقتصادية الناجمة عن حرية التجارة، التي أدخلت من وجهة نظر البعض العالم في أزمة مالية منذ أواخر عام 2008، لم يفلح الاقتصاد الدولي في التغلب عليها بشكل كامل حتى الآن.
ويوضح لـ "الاقتصادية"، كولن بروك الباحث الاقتصادي، أن الحرية الاقتصادية وعدت الكثير من الشعب بحياة معيشية رغدة، ومعدلات نمو اقتصادي مرتفعة، لكن الجميع استيقظ على الأزمة المالية في 2008 التي لا تزال تمسكك بتلابيب عديد من المجتمعات الرأسمالية عالية التطور، رغم تريليونات الدولارات التي ضخت في شريان الاقتصاد الدولي على أمل أن تساعده على الوقوف مجددا على قدميه، لكنه مع هذا لا يزال يترنح.
وأضاف بروك أن معدلات النمو الاقتصادي تتراجع في الصين، والركود يهيمن على أوروبا، التي تتفكك تدريجيا، ونمو الاقتصاد الأمريكي متذبذب، وكبرى الاقتصادات الناشئة تترنح مثل البرازيل والمكسيك، كما أن حرية التجارة تواكبت مع انتشار فضائح الفساد الاقتصادي وغياب بين للعدالة الاجتماعية، واستحواذ الدول الكبرى على ثمارها بطريقة فجة وغير عادلة، وكل تلك العوامل مثلت منصة لأنصار الحمائية الاقتصادية للنهوض والمطالبة بإعطائهم فرصة أخرى لقيادة الاقتصاد العالمي.
وأشار بروك أن انتخاب دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة مؤشر لا تخطئه الأعين بأن العقد المقبل هو عقد الحمائية الاقتصادية،
ويرى مجموعة كبيرة من الخبراء إلى أن الاجتماع الأخير لوزراء مالية مجموعة العشرين، يكشف بوضح أن الحمائية الاقتصادية بات لها مقعدا ضمن أحد أهم المجموعات الاقتصادية في العالم.
وأسقط البيان الختامي لوزراء مالية المجموعة أي تعهد بمحاربة الحمائية الاقتصادية، وكان هذا التعهد فقرة شبه ثابته ودائمة في بيانات المجموعة، خاصة عندما يحدث خلاف اقتصادي بين الأعضاء.
وتوضح لـ "الاقتصادية"، الدكتورة سوزان باتلر الاستشارية السابقة في منظمة التجارة الدولية وأستاذة التجارة الدولية في جامعة نوتنجهام، أنه في ظروف أقل حدة من التوتر الاقتصادي والتجاري الذي يشهده العالم حاليا، وفي ظروف كان يغيب فيها الانفعال بين أكبر اقتصادين في العالم الولايات المتحدة والصين، فإن بيانات مجموعة العشرين كانت ستتعهد بمحاربة كل أشكال الحمائية الاقتصادية. وأضافت باتلر أنه عندما توترت العلاقات الأمريكية اليابانية في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، بسبب اتهام واشنطن لطوكيو بالتلاعب بأسعار صرف الين لزيادة الصادرات اليابانية، وتعهد البيان الصادر من المجموعة حينها بمحاربة كل أشكال الحمائية الاقتصادية، والآن الأمر اختلف تمام، ويبدو أنه كان هناك قبول دولي تدريجي وإن كان على مضض بأن الحمائية الاقتصادية قادمة لا محالة، وإن أعرب البعض عن اعتراضه واشمئزازه.
وتستدرك باتلر قائلة: "نعم هناك دفاع واضح من وزراء مالية المجموعة عن أهمية تعزيز التجارة الدولية، ولكن لم يعد هناك انتقاد للحمائية، وهذا يعكس بوادر تغير في المزاج العالمي الناجم عن وصول الرئيس ترمب إلى السلطة، وتولي ستيفن منوشين وزارة الخزانة الأمريكية وهو المعروف بدفاعه عن الحمائية الاقتصادية.
وتعتقد باتلر أن اللحظة الراهنة تشهد انقساما مكتوما وصامتا داخل المجموعة بين تيارين أحدهما يدافع عن الحمائية الاقتصادية وتقوده الولايات المتحدة وينال بدرجة أو أخرى دعم اليابان، وتيار آخر يدافع عن حرية التجارة وأبرز المدافعين عنه هما الصين والاتحاد الأوروبي بزعامة ألمانيا، ولكن لم تتضح تفاصيل العلاقة أو مداها أو أشكال التنسيق المتوقعة بين الصينين والأوروبيين بهذا الشأن.
لكن المؤكد وفقا للدكتورة باتلر أن الجولة الافتتاحية في المعركة بين حرية التجارة والحمائية الاقتصادية انتهت بفوز التيار الحمائي واحد / صفر، عبر إبعاد أي انتقاد للحمائية الاقتصادية من البيان الختامي.
والأمر المؤكد بالنسبة للخبراء الآن أن الولايات المتحدة بات لديها نظرة مختلفة في مجال التجارة الدولية، لا تختلف فقط عما كان سائدا في السنوات الثماني للرئيس باراك أوباما، بل ربما تختلف عن الرؤية الأمريكية في مجال التجارة الخارجية منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
ويعتقد البعض أن مجموعة العشرين لربما تكون على أبواب المرحلة الأخطر منذ تأسيسها، فبوادر الانقسام الذي كشف عنه اجتماع وزراء مالية المجموعة في ألمانيا أخيرا بشأن الحمائية الاقتصادية سيتسع خلال السنوات المقبلة، وسط مخاوف من أن يشهد ذلك تبلورا لتيارين تتناقض مصالحهم بطريقة حادة.
روزي بلوم الباحثة في مجال التجارة الخارجية تعتقد أن الشرخ الذي بدأ في البروز داخل المجموعة لا يزال سطحيا، لأن تيار الحمائية لم يمتلك بعد مقاليد القوة بشكل كامل، ولكن مع مرور الوقت ربما يتغير الوضع.
وتشير لـ "الاقتصادية" إلى أن المزاج العام للإدارة الأمريكية الجديدة تجاه مجموعة العشرين، والاستراتيجية الاقتصادية لإدارة ترمب يصطدم بشكل مباشر مع القيم الأساسية للمجموعة، فعلى الرغم من أن لقاء ميركل وترمب تفادى الصدام، فإن الجانب الفرنسي لم يصمت، فقد أعرب ميشيل سابين وزير المالية الفرنسي في أعقاب اجتماع وزراء مالية العشرين، عن أسفه من أن البيان الختامي لم يتضمن الدفاع عن حرية التجارة وانتقاد الحمائية.
وحول طبيعة المحاور التي يمكن أن تبزغ في حالة اتساع الخلاف بين الدول الأعضاء حول حرية التجارة والحمائية، وتقول روزي بلوم إن الصين وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا يمثلون المحور المدافع عن حرية التجارة، بينما سيقف على الضفة الأخرى الولايات المتحدة واليابان والى حد ما بريطانيا التي ستتوتر علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي في أعقاب خروجها من النادي الأوروبي، وستكون في أمس الحاجة إلى الدعم الأمريكي.
ويصبح السؤال الآن: إلى أي مدى يمكن لتلك المواقف المتباينة أن تتطور إلى حرب تجارية؟ ويبدو المشهد الآن مرتبكا بشأن إلى أين يمكن أن تقود الخلافات التي بدأت تظهر في الأفق بين الاقتصادات الكبرى بشأن الاختيار بين الحرية والحمائية.
بعض الأصوات لا تخفي تشاؤمها تجاه المستقبل، ومن تلك الأصوات جا. آر. كاسي الخبير الاقتصادي، الذى أوضح لـ "الاقتصادية"، أن مستشار ترمب التجاري وصف الفائض التجاري الألماني بأنه "تهديد للأمن القومي"، والانتقاد الأمريكي للسلوك الاقتصادي الألماني بزيادة الصادرات وخفض الواردات لا يعد جديدا، فإدارة أوباما سبق لها وأن انتقدت حكومة ميركل بهذا الشأن، ولكن وصف الأمر بأنه يهدد الأمن القومي الأمريكي، يعد نقلة نوعية في طبيعة الخطاب الإعلامي، تبرر مستقبلا اتخاذ واشنطن إجراءات عقابية في المجال التجاري ضد برلين، والأمر لن يزيد على حدود إطلاق أمريكا الطلقة الأولى حتى ترد ألمانيا سريعا للحفاظ على مصالحها، ولأن الاقتصاد العالمي بلغ حدا من التشابك والتعقيد والتداخل الاقتصادي بين البلدان المختلفة، فالمتوقع أن نشهد ردود فعل من الآخرين للدفاع عن مصالحهم.
ويصف البعض وجهة النظر تلك بالمفرطة في التشاؤم تجاه الغد، ورغم ذلك فإن ريتشارد براونيلي كبير المحللين الماليين في بورصة لندن، تسود لديه قناعة أن الحرب التجارية الدولية غير مستبعدة، إلا أنه يشير إلى أنه من المبكر حاليا القول أنها واقعة لا محالة.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن الجميع يعلم تماما ان الأمر لا يتعلق فقط بالتكلفة الاقتصادية المخيفة للحرب التجارية، وإنما الأكثر خطورة أن تلك الحرب قد تسفر عن تغييرات جذرية في موازين القوى الاقتصادية على المستوى العالمي، حيث يمكن أن نشهد تراجعا في تشكيلة الدول المهينة إلى المشهد الاقتصادي الدولي، لمصلحة اقتصادات ناشئة يمكن أن تسهم الحرب التجارية في انتقالها إلى مرتبة دول اقتصادية كبرى.
ويعتقد براونيلي أن المؤشر الواجب أخذه في الاعتبار، هو أنه رغم تباين الموقف الأمريكي مع الآخرين بشأن الحمائية الاقتصادية، فإن اجتماع وزراء مالية المجموعة في ألمانيا كشف عن تبنى الجميع ذات الموقف من ضرورة تفادي أي نزاع بشأن أسعار صرف العملات، وهذا الموقف يبعد شبح الحرب التجارية في القريب العاجل.
ويرى البعض أن الاجتماع المقبل لقادة مجموعة العشرين، والمقرر انعقاده في ألمانيا في تموز (يوليو) المقبل، يعد إحدى القمم التاريخية للمجموعة، إذ ينتظر الجميع أن تفصح الإدارة الأمريكية عن رؤيتها بشأن الحرية التجارية بشكل واضح وصريح، بما يسمح للآخرين بتحديد مواقفهم، والكشف عن توجهاتهم المستقبلية.
ومع هذا، يعتقد البروفيسور بوريس سميث أستاذ الاقتصاد الدولي أن الرئيس ترمب قد يتفادى خلال القمة المقبلة الوصول إلى حد المواجهة مع الصين وألمانيا، وذلك بسبب التغيرات التي بدأت تظهر في الاقتصاد الأمريكي.
ويوضح لـ "الاقتصادية"، أن ترمب لا يزال في مرحلة ترتيب البيت الداخلي، ولا يزال العديد من علامات الاستفهام والتحديات تحيط بإدارته، ولذلك سيتفادى بقدر الإمكان فتح جبهة خارجية مع قوى اقتصادية بحجم الصين وألمانيا على الأقل في الوقت الراهن.
لكن تلك التحديات تحديدا هي ما تجعل الباحث المتخصص في الشأن الأمريكي إدوارد روبنسون يتوقع أن تشهد القمة مواجهة صريحة بين ترمب والمدافعين عن حرية التجارة كالمستشارة ميركل.
ويتوقع لـ "الاقتصادية"، أن يعلن ترمب في الأغلب معارضته للسلوك الاقتصادي للصين وألمانيا، فإشعال معركة مع عملاقي الاقتصاد العالمي، سيؤدي إلى اصطفاف في الداخل الأمريكي، عبر إضعاف خصومه في الداخل، والتفاف أنصاره حوله، كما سيتيح له معرفة من معه ومن ضده من القوى الدولية بشكل واضح وصريح، وهذا ما سيجعل القمة المقبلة شديدة الأهمية.
ويعتقد البعض أن اختيار الألمان لشعار "تشكيل عالم مترابط" ليكون شعارا لقمة مجموعة العشرين التي ستعقد في مدينة هامبورج الساحلية، لم يكن اعتباطا، وإنما يمثل رسالة إلى المشاركين في القمة جوهرها أن مصير أعضاء المجموعة مترابط، وأي سياسات يتبناها أحد كبار الأعضاء وأهمهم في المجموعة ستنعكس حتما على الجميع.
وحول توقعاته للقمة المقبلة، يقول لـ "الاقتصادية"، آرثر دوكسات المحلل الاقتصادي إن بلدان مجموعة العشرين تساهم بثلاثة أرباع التجارة العالمية (بين 80 و85 في المائة من الناتج المحلي الاقتصادي العالمي)، وتضم الصين والولايات المتحدة وألمانيا واليابان وهم أكبر أربع دول في مجال التصدير عالميا، إضافة إلى أن ثلثي سكان العالمي يعيشون في بلدان المجموعة، ولهذا سيسعى الألمان باعتبارهم الدولة المضيفة والرئيس القادم للمجموعة إلى محاولة تهدئة الأجواء وتفادي انفجار الموقف مع ترمب من خلال البحث عن القواسم المشتركة.
بيد أن إدوارد روبنسون الباحث المتخصص في الشأن الأمريكي يشير إلى احتمال أن تواجه الاستراتيجية الألمانية الفشل، وذلك نظرا للتقييم السلبي لإدارة ترمب للمنظمات الدولية عامة ومجموعة الـ "20" من بينها.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن تقييم الرئيس الأمريكي ومستشارية للمنظمات الدولية سلبية بشكل عام، حيث تسود قناعة لدى البيت الأبيض أن تلك المنظمات ومن بينها مجموعة الـ "20" استغلت من قبل منافسي الولايات المتحدة، كمنصة للاستقطاع من قدرات واشنطن الاقتصادية، ولهذا لن يكون ترمب معني كثيرا بالحفاظ على المظهر الخارجي للمجموعة، إذا تناقض ذلك مع المصالح الأمريكية من وجهة نظره.
ومع هذا، يظل التساؤل حول تأثير السياسات الحمائية على اتجاهات الاستثمار العالمي سؤال مشروع؟، فالاقتصاد الدولي يمر بمرحلة نقاهة، والتجارة العالمية تنمو بمعدلات بطيئة، وما زالت توجهات الاستثمارات الدولية في حالة ارتباك وعدم وضوح للرؤية.
ويعرب بعض الخبراء في المجال الاستثماري عن قناعتهم بأن السياسات الحمائية قد تكون لها آثارا إيجابية على الاستثمار في الولايات المتحدة، ويعتبر بن إنجرام المحلل الاستثماري أن السياسات الحمائية الأمريكية قد تكون جذابة لرؤوس الأموال الدولية خاصة إذا تمت صياغة تلك السياسات بطريقة احترافية تتفادى اندلاع حرب تجارية.
ويوضح لـ "الاقتصادية"، أن السياسات الحمائية لترمب قد تترافق مع تعزيز وضع الدولار كعملة دولية، خاصة إذا أفلحت تلك السياسات في رفع معدل النمو الأمريكي، وزيادة معدلات التوظيف الداخلي، فإذا تحقق ذلك فإن رؤوس الأموال الدولية سيكون لديها مشروعية تامة في الهجرة للأسواق الأمريكية، خاصة أن تحسن الاقتصاد الأمريكي يترافق مع تراجع في معدل نمو الاقتصاد الصيني.
ويضيف إنجرام أنه يجب الأخذ في الحسبان أن سياسة الإدارة الأمريكية الحمائية لن تكون سياسة ذات طابع شمولي، وإنما تستهدف خصوم أمريكا التجاريين الذين يساهم التبادل التجاري معهم في زيادة العجز التجاري الأمريكي، وهذا سيجعل كثيرا من رؤوس الأموال الدولية يتحسس من الاستثمار في تلك البلدان، تحسبا لأي ردود أفعال غاضبة من واشنطن.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية