FINANCIAL TIMES

الشعبوية تجبر بروكسل على تجاهل إصلاح اليورو

الشعبوية تجبر بروكسل على تجاهل إصلاح اليورو

عندما نشرت المفوضية الأوروبية "تقريرا حكوميا" هذا الشهر عن مستقبل أوروبا، شيء ما لم يكن موجودا. قبل أسبوعين كان بيير موسكوفيشي، مفوّض الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي، قد قال في أثينا إن الخطة تشتمل على "أفكار طموحة" من أجل "تعميق الاتحاد الاقتصادي والنقدي" – كناية عن إصلاح نظام قواعد الميزانية وتنسيق السياسة الذي يدعم العملة الموحدة.
بدلا من ذلك، ووسط تحذيرات من العواصم الوطنية بأن الخطط يمكن أن تثير انقساما قبل قمة الذكرى السنوية الـ 60 للاتحاد الأوروبي في روما، غيّرت المفوضية المسار. وهي تتوقع الآن نشر ورقة تأملية في أواخر أيار (مايو)، ما يؤثر أيضا في الانتخابات الرئاسية في فرنسا.
الخطوة هي آخر إشارة إلى أن الأسئلة المتعلقة بحوكمة منطقة اليورو دفعت إلى هوامش صنع السياسة بسبب عوامل تراوح من الأضرار الناشئة عن "خروج بريطانيا" إلى تخفيف الأزمة الاقتصادية. لكن قادة أوروبا - الذين سيجتمعون في روما اليوم لمحاولة تنشيط مشروع الاتحاد الأوروبي - يعرفون أنه لا يمكن تجاهل الإصلاح إلا لفترة محدودة.
أولويات التغيير تختلف بشكل كبير بين العواصم، لكن هناك اتفاقا على نقطة واحدة: الوضع الراهن ليس خيارا على المدى الطويل لليورو.
يقول جوهان فان أوفرتفيلدت، وزير المالية البلجيكي: "لا يمكن أن تكون نصف حامل؛ نحن بحاجة إلى إنهاء الهيكل المعماري للعملة الموحدة. إذا انتظرنا حدوث أزمة كبيرة، سنكون مضطرين عندها لفعل ما لا ننجح في فعله الآن".
مانفريد فيبر، عضو البرلمان الألماني من يمين الوسط الذي يقود مجموعة الحزب الشعبي الأوروبي في برلمان الاتحاد الأوروبي، يتفق مع ذلك، ويقول إن أوروبا سيكون عليها "العودة إلى المناقشات الجوهرية والقرارات الأساسية" بشأن اليورو بمجرد أن تنتهي جولة هذا العام من الانتخابات الكبرى - التي ستبلغ ذروتها في ألمانيا في أيلول (سبتمبر).
السبب واضح. العملة الموحدة وآثامها الملموسة تكمن في قلب رد الفعل الشعبي العنيف الذي يهدد حكومات أوروبا، وفي شعور أوسع بالإحباط من الاتحاد الأوروبي. بالنسبة لكثيرين أثار اليورو الخلاف في وقت كان من المفترض أن يحقق الانسجام. الأحزاب المناهضة للمؤسسة تدين العملة باعتبارها سببا من أسباب البؤس الاقتصادي، أو تشتكي من أنها تشكّل وسيلة لبرلين للحفاظ على هيمنتها الاقتصادية. مارين لوبن، زعيمة حزب الجبهة الوطنية، وصفت اليورو بأنه "جثة لا تزال تتحرك" – وهي جثة تؤدي إلى امتداد طوابير الإعانات الحكومية.
الإحباطات المتنافسة تضطرب على الجانب الآخر من نهر الراين: مخاوف ألمانيا بشأن السياسة النقدية التوسّعية للبنك المركزي الأوروبي اختلطت مع استياء دافعي الضرائب في كونها تتحمل مرارا وتكرارا مسؤولية إنقاذ البلدان الأخرى.
صنّاع السياسة يعترفون بوجود معضلة. كيف يمكن حل الاستياء الشعبي بشأن اليورو إذا كان ذلك يتطلب مزيدا من التكامل والمزيد من بروكسل - بالضبط ما يعترض الشعبويون عليه بشدة؟ بالنسبة للويس دي جيندوس، وزير الاقتصاد الإسباني، الهدف الأول من أي حملة إصلاح "ينبغي أن يكون وجود وجهة نظر مشتركة مفادها أن علينا اتّخاذ مزيد من الخطوات التكاملية (...) ليس لدينا مثل هذا الإجماع الآن".
لا أحد يتوقع أن يتحقق مثل هذا الإجماع قبل الانتخابات الألمانية. لكن مسؤولين في بروكسل يعتقدون، استنادا إلى نتيجة التصويت هذا العام، أن الفترة التي تأتي بعد ذلك، التي تسبق الانتخابات البرلمانية الأوروبية في منتصف عام 2019 يمكن أن توفّر أرضا خصبة محتملة لصنع السياسة.
الأفكار ليست قليلة. مؤسسات الاتحاد الأوروبي نشرت في عام 2015 خيارات إصلاح تمتد إلى أفق لمدة عشرة أعوام، تشتمل على تدابير قصيرة الأجل، مثل مزيد من التنسيق في السياسات الاقتصادية، والانتهاء من مشروع لتركيز الرقابة على مصارف تكتل العملة. كذلك عرضت أفكارا على المدى الطويل من أجل "وزارة مالية لمنطقة اليورو" وصندوق تحفيز يمكن استغلاله لمعالجة صدمات الاقتصاد الكلي. وقال المؤلفون، الذين من ضمنهم البنك المركزي الأوروبي، إن الخطط يمكن أن تعمل على تضييق الفجوة في الإنتاجية بين بلدان مثل ألمانيا واليونان، وتعزيز النمو وزيادة القدرة على مواجهة الأزمات المالية.
لكن حتى التقدّم في الأهداف قصيرة الأجل كان متباينا. إحدى الأولويات كانت وضع مخطط لضمان الودائع المصرفية في منطقة اليورو. الخطة حصلت على تأييد فرنسا وبلدان جنوب أوروبا، لكنها واجهت معارضة من برلين التي تخشى أن شبكة الأمان قد تؤدي إلى اتخاذ مخاطر تفتقر إلى المسؤولية من قِبل المصارف.
أولي رين، عضو مجلس إدارة بنك فنلندا ومفوّض الاقتصاد للاتحاد الأوروبي حتى عام 2014، يقول إن هذا مثال واحد على "الانقسام الفكري" بين الشمال والجنوب المستمر منذ الأيام الأولى لليورو، وهذا "غالبا ما أدى إلى تباطؤ تنمية الاتحاد الاقتصادي والنقدي".
يقول موسكوفيشي "عندما يتعلق الأمر بالسياسة الاقتصادية وسياسة المالية العامة، كثيرون في فرنسا يرون أن الألمان متزمّتون جدا، بينما كثيرون في ألمانيا يرون أن الفرنسيين لا يتمتعون بصدقية كافية. إذا كنّا سنبني الثقة، فنحن بحاجة إلى إصلاح منطقة اليورو، نحن بحاجة إلى رؤية الصدقية من فرنسا والانفتاح من ألمانيا".
يقول دي جيندوس إن المناخ السياسي الحالي يعني "أننا الآن في منطقة اليورو عالقون. نحن لا نعرف إذا ما كان ينبغي لنا التقدّم أو اتّخاذ بعض الخطوات إلى الوراء".
سيكون هناك حل جزئي فقط إذا كانت هناك نتائج انتخابية مؤيدة للاتحاد الأوروبي، على اعتبار أن الشعبوية "ستحدد بنود جدول الأعمال. الطريقة الوحيدة إلى الأمام هي أن يكون لدينا مزيد من التكامل – أي مشاركة مزيد من المخاطر، وأن توجد المزيد من الأدوات (...) حتى نتجنب أن يكون لدينا متقدمون ومتخلفون في منطقة اليورو".
بالنسبة لبعضهم، يكمن الحل في خطوات نحو اقتسام المخاطر الاقتصادية في منطقة اليورو على نحو يتوازن مع إجراءات "تقليص المخاطر" التي تعزز الانضباط في السوق. تدافع ألمانيا عن مثل هذا النهج في الخدمات المالية.
يقول فان أوفرتفيلدت: "الاتحاد النقدي التام يقتضي وجود اتحاد سياسي تام – ولا أظن أن هذا أمر واقعي. لكن بمقدورنا تطوير أفضل حل ثان، ونستطيع أن نفعل ذلك على نحو أفضل مما فعلنا حتى الآن".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES