Author

شفافية الصناديق العقارية

|

لنبدأ أولا: بالتذكير بالأساس النظري للشفافية وكيف أنها تنبع من المشرع والمنظم حتى تصل المعلومات والبيانات إلى كل فرد يرغب في الاطلاع والمعرفة، وقد بين ذلك البروفيسور آن فنج وجراهام من جامعة هارفارد في كتاب "كشف الحقائق" أن سياسة الشفافية تمر بثلاث مراحل تبدأ أولا من حق الفرد في المعرفة، وهو إقرار الجهات المختلفة العامة والخاصة بأهمية رفع مستوى المعرفة لدى الفرد وحقه في الحصول على البيانات، وهذا يكون على مستوى الأنظمة والتشريعات، ثم الجيل الثاني المتمثل في الشفافية المستهدفة التي تحول البيانات العامة إلى بيانات دورية قابلة للتحليل والدراسة، وتكون على مستوى الجهات التنفيذية، والجيل الثالث يطلق عليه الشفافية التعاونية، وفي هذه المرحلة تكون لدى المستخدمين القابلية للاستفادة من البيانات الأساسية الدورية وتحويلها إلى معلومات سهلة وميسرة عن طريق استخدام التكنولوجيا، وغالبا ما تقوم بها الجهات التجارية التي تحترف تقديم خدمات الدراسات والاستشارات، وذلك لتمكين المستخدم غير المتخصص من قراءتها والاستفادة منها بشكل مبسط.
ولنأخذ لمحة بسيطة عن الصناديق العقارية في المملكة التي صدرت لائحتها في منتصف عام 2006، ومنذ ذلك الوقت تم إنشاء أكثر من 120 صندوقا عقاريا من قبل الشركات المالية في السوق السعودية، التي تنوعت أغراضها، لكن تركزت بشكل كبير في التطوير العقاري إما بتطوير الأراضي البيضاء الخام إلى أراض مطورة ببنية تحتية أو كذلك بناء مشاريع تجارية وسكنية على أراض مطورة، وقد بدأت هذه الصناديق نشاطها منذ إطلاق النظام في 2006 حتى الآن، وقد تركزت عمليات إطلاق أغلب الصناديق خلال الأعوام من 2012 حتى 2016 التي قاربت 95 صندوقا ما بين مغلق وخاص، وكذلك لغرض الاستثمار في عقارات داخل المملكة وخارجها، ومتوسط عمر هذه الصناديق ست سنوات تقريبا منذ طرحها حتى إغلاقها، وتصفية أرباح المساهمين فيها، وفي نهاية 2016 أقرت هيئة سوق المال التعليمات الخاصة بصناديق الاستثمار العقارية المتداولة التي أتاحت للصناديق التي تعتمد على تحقيق دخل دوري التي تعرف بـ «ريت» من إدراج هذه الصناديق في نظام تداول، وقد أدرج حتى الآن صندوقان هما الرياض ريت والجزيرة موطن ريت.
جاء في المادة الأولى للأحكام التمهيدية للائحة صناديق الاستثمار العقاري ما نصه "تهدف هذه اللائحة إلى تنظيم تأسيس صناديق الاستثمار العقاري في المملكة وطرح وحداتها وإدارتها وحماية حقوق مالكيها، وتطبيق قواعد الإفصاح والشفافية عليها"، وهذا يعني أن هذه الصناديق من الواجب أن يراعى فيها الشفافية وطرح المعلومات المتعلقة بأدائها خاصة بشكل دوري، لكن نلاحظ أنه مع الأسف عند التأمل في التفاصيل الواجب توافرها عن أداء هذه الصناديق نجدها إما غير متوافرة تماما خاصة للصناديق الخاصة أو قديمة أو غير محدثة على موقع هيئة سوق المال للصناديق العامة إلا ما ندر، مع ملاحظة عدم الإفصاح عن أي معلومات تتعلق بأداء الصندوق منذ طرحه حتى نهاية 2016، وذلك في ملحق أداء الصندوق، وهنا ينبغي لهيئة سوق المال أن تحرص على الحصول على أداء الصناديق بشكل مفصل حسب استراتيجيتها الاستثمارية، وتقوم بإطلاق مؤشر استرشادي يستطيع من خلاله المشتري في وحدات الصندوق معرفة توجه الصندوق وتحركاته التاريخية ومدى تحقيقه المؤشر الذي من المفترض أن يكون الأساس الذي يسعى إلى تحقيقه كل مدير صندوق، لنصل إلى مرحلة وجود مؤشرات لكل استراتيجية استثمار عقاري، حيث تتوافر مؤشرات أداء استرشادية لصناديق التطوير العقاري للأراضي والمساكن وتطوير الأبراج المكتبية والمولات، وكذلك مؤشرات لأداء الصناديق المدرة للدخل... إلخ، وبهذا تنضج السوق ويبدأ المستثمر ومدير الصندوق في معرفة التوجه، وتصبح الشفافية بتوضيح المعلومات وإطلاق المؤشرات عاملا مهما في تحفيز السوق العقارية وضبط عمليات إدارة الصناديق العقارية لتؤدي واجبها نحو المساهمين بشكل أكثر وضوحا، كما أن فائدة هذه المؤشرات واسعة، فقد تستخدم من قبل المستثمرين الأفراد في السوق العقارية لمعرفة مدى جدوى محافظهم الاستثمارية، وكذلك يمكن أن يستعين بها المهنيون لوضع فرضياتهم عند عمل الدراسات وتقديم الاستشارات العقارية، بدلا من الاجتهادات التي يغلب عليها التوقع، وبهذه الطريقة تتضح معالم السوق العقارية وتوجهاتها، ويتميز ذوو الأداء الجيد، ويتوقف عن العبث بأموال الناس ذوو الأداء السيئ، ويعرف ذلك قبل أن يتورط آخرون معه في صفقات وصناديق أخرى، أما بعض الصناديق العقارية المتداولة فتعاني نقصا في الإفصاح عن معلومات أساسية مثل تفاصيل العقود المبرمة والمتوسط الموزون لمدتها، وكذلك طريقة التقييم التي من المفترض أن تكون بأسلوب الدخل للعقارات المكتملة التطوير وتستبعد تماما أسلوب التكلفة لأنها مضللة، ولا سيما في هذا الوقت الذي يشهد ضبابية وتغيرا في أسعار الأراضي، بالذات بعد تضخمها الشديد خلال الفترة الماضية.
الخلاصة، على هيئة سوق المال مسؤولية جسيمة تجاه المساهمين والمستثمرين، من خلال رفع مستوى الشفافية التي كانت أحد أهداف وجود الصناديق العقارية بديلا للمساهمات العقارية، التي شابها كثير من الغموض وضعف الإفصاح.

إنشرها