Author

الدفع والتوجيه في القيادة الاستراتيجية

|

لا يخلو أي عمل استراتيجي دون التفكير في مثلث الغايات والطرق والوسائل، وتقبع مهام كبيرة في القيادة الاستراتيجية من أجل تحقيق ذلك الهدف والتأثير في الفريق من أجل تحقيق تلك الأهداف. وعالم اليوم يجعل من البيئة الاستراتيجية أكثر تعقيدا، بحكم تدخل التقنية وزيادة الأعداد والتشعب الإداري والمؤسساتي الذي يجعلنا نعيد التفكير في عدد من المنظومات، مثل منظومة البيئة الاستراتيجية ومكوناتها والعوامل المؤثرة فيها، ومنظومة العقلية الاستراتيجية وتدريبها ومدى استعدادها، ومنظومة الخطة الاستراتيجية. هل فعلا لدينا تخطيط حقيقي يسعى لأهداف تعزز من القيم الحاكمة للمجتمع وتعكس تلك القيم في منظومات تضمن المشاركة والاحترافية والعدالة؟
تنطوي القيادة الاستراتيجية كذلك على أسئلة حول دورنا في العالم؟ وتجاه قضايانا الأكثر إلحاحا؟ وكذلك القضايا الطارئة، وتعريفنا لأنفسنا، ومعرفة المعاني الكبرى التي تدفعنا من أجل تحقيق ما نسعى للقيام به كدولة وأمة، ومن ثم وضع الخطط الخاصة بالإنجاز للمؤسسات التابعة لنا والتعاون مع من حولنا لتحقيق الغايات المشتركة.
لا شك أن القائد اليوم في حاجة أكثر من أي وقت مضى، إلى الالتزام بخطط ومنهج واضح من أجل تحقيق الأهداف المرجوة، وذلك الالتزام تعززه الإرادة من أجل استعمال جميع الوسائل المتاحة وسلوك الطرق الصحيحة لتحقيق الأهداف.
تتطلب القيادة الاستراتيجية اتخاذ قرارات حكيمة ومدروسة حول كيف ومتى، ومع من ستتم القيادة. وعلاوة على ذلك، القيادة ليست من المسلمات؛ بل، لا بد من كسبها والمحافظة عليها بشكل مستدام. إن خدمة الأهداف المشتركة في القيادة هي من أفضل الطرق لإلهام كثير من الفئات المختلفة لتقديم التزامات مشتركة.
يبدأ بعض القادة التفكير في كيف يمكن إنجاز شيء ما، وهذا طبيعي، ولكن يجب كذلك عدم نسيان سؤال مهم جدا وهو: لماذا؟ أي الغاية أو السببية الغائية من كل ما يتم عمله، ولماذا تقبع في داخل القائد نفسه، وكذلك في داخل الفريق. ومعرفة الغائية ليست بالأمر السهل حيث تتطلب البحث داخل الإنسان ودوافعه وسلوكه في تنفيذ شيء ما، وتركز على الرسالة والرؤية التي تتوافق مع ما يؤمن به ومن أجله يعيش، وبالتالي، وضوح الرؤية أمر مهم جدا في معرفة لماذا، والعكس صحيح معرفة الغايات ستوضح الرؤية.
بيد أن الطبيعة الأمنية المتداخلة والمتشعبة، أصبحت اليوم تفرض مهارات قيادية جديدة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر المرونة والتكيف مع المتغيرات الجديدة، سواء كانت اجتماعية أو تقنية، أو مع الأحداث الدولية التي تتسم أحيانا بعدم القابلية للتنبؤ.
هنالك كذلك مهارة التفكير في المنظومات المتداخلة، وفي عالم اليوم لا نستطيع فصل الداخلي عن الإقليمي عن الدولي. ولعل ما نراه الآن من ظواهر أمنية واستراتيجية وكذلك اقتصادية، تمثل ظواهر عابرة للحدود الوطنية، وتؤثر وتتأثر بما يحدث في العالم أجمع بفضل وسائل الاتصال والتواصل الحديثة، وهي إحدى تلك الثورات التي تحدث عنها موسى نعيم في مفهوم تغير أو نهاية القوة، عندما تحدث عن أن حياتنا تتغير وتتغير طريقة التفكير فيها، وكانت علاوة على ثورة الاتصال والمواصلات، هنالك ثورة الإنتاج الاقتصادي كذلك، ومن تلك الثورات تغيرت آراؤنا ومشاعرنا في أمور كثيرة تتعلق بالحياة، ومن هنا يجدر بالقياديين التفكير في تلك المتغيرات.
من المهم كذلك الإشارة إلى نقطتين مهمتين، الأولى هي التوازن بين الدفع والتوجيه، التي تحدث عنها القائد الشهير باتون عندما قال "القيادة هي الحفاظ على توازن دقيق بين الدفع والتوجيه، والقائد الفذ يقود، وينصح، ويدل. هو أسوة، يتوسط، ويقضي، ويتخذ القرارات. ولكن، مهما فعل فإنه لا يأمر.
أما النقطة الثانية فهي التفرقة بين صاحب المهارة وصاحب الثقة أو الولاء، وقد أشار باتون في ذلك عبر قوله: لا تخلط الولاء بالصداقة، فالولاء في أي عمل يجب أن يعتمد على الإنجاز. وربما تحب شخصا ليس ماهرا في أداء عمله، ولا بأس في ذلك، ولكن لا تترك لعواطفك أن تؤثر في اختيارك لمنصب القيادة. قيّم الإنجاز، واتخذ قراراتك في الترفيع وانتقاء طاقم العمل بناء على ذلك "المهارة والكفاءة". وبالطريقة نفسها، لا تعتمد على صداقتك لرئيسك كي تحصل على ترقية، فالرؤساء يتغيرون. وعليك أن تبني لنفسك سجلا في العمل يعتمد على استمرارك في حسن الأداء.

إنشرها