FINANCIAL TIMES

حملة ترمب لإعادة الوظائف إلى أمريكا تختبر عزم المصارف

حملة ترمب لإعادة الوظائف إلى أمريكا تختبر عزم المصارف

في اليوم الذي فاز فيه دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية، جزئيا على أساس الوعد بإعادة الوظائف للعاملين في الولايات المتحدة، نشر "جولدمان ساكس" إعلانا لوظيفة محلل مشتقات في بنجالور.
في الأشهر الثلاثة التي انقضت منذ ذلك الحين، وضع مصرف وول ستريت إعلانات لـ 180 وظيفة أخرى، أو نحو ذلك، للعمل في المدينة الهندية. "جولدمان" ليس وحده في الاعتماد على موظفين في مواقع بعيدة في آسيا وفي الأجزاء الأرخص من أوروبا. فجميع أقرانه من المصارف الأخرى توظف أعدادا كبيرة من الموظفين في الخارج لدعم العمليات المصرفية العالمية الخاصة بها.
جاري كوهن، الرئيس السابق في جولدمان ساكس وكبير الإداريين التشغيليين فيه، قدّم في حفل أُقيم في مدينة نابولي في ولاية فلوريدا في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، دفاعا قويا عن الحاجة إلى العمليات في بنجالور، حين قال: "نحن نوظف الناس هناك لأنهم يعملون بأجر يبلغ سنتات من الدولار مقابل ما يتقاضاه الناس في الولايات المتحدة".
لكن كوهن يُمكن أن يعرِّض مثل هذه القناعات للاختبار بعد انضمامه إلى الحكومة بصفته كبير المستشارين الاقتصاديين لترمب. أوضح الرئيس بدون مواربة أنه يُريد أن يرى نهاية لاتجاه الشركات الأمريكية المستمر منذ عقود في توظيف العاملين في الخارج - إلى حد التهديد بفرض ضرائب على الشركات التي توجد الوظائف الأمريكية في الخارج.
مثل هذا النهج المتشدد يُمكن أن يتسبب في توترات لأن المصارف الأمريكية تسعى إلى إدارة أعمالها العالمية بأكبر قدر ممكن من الكفاءة، في وقت تتعرض فيه إلى ضغط لتقليص التكاليف والتعامل مع سيل من الضوابط الجديدة.
يقول جون بويد، من شركة بويد للاستشارات، التي يوجد مقرها في برنستون، نيوجيرزي: "سنشهد الوظائف الخارجية تبلغ ذروتها قريبا، غالبا بسبب ترمب". ويُشير إلى أن الأتمتة و"الاندفاع المستمر نحو خدمة الزبائن النوعية" تقيدان التدفق أيضا.
لكن المصارف يمكن أن تواجه صعوبات في عكس موجة من فرص العمل التي ظلت تُغادر شواطئ الولايات المتحدة منذ سنوات. ففي الوقت الذي أصيبت فيه إيرادات المصارف بالضعف، متأثرة بأسعار الفائدة المنخفضة وتراجع عمولات التداولات، حاول كثير منها الاحتفاظ بهوامش الربح من خلال نقل مزيد من عمليات المكاتب الخلفية إلى مناطق أرخص في مختلف أنحاء العالم.
في الهند، مثلا، إجمالي موظفي المكاتب الخلفية الذين توّظفهم أكبر أربعة مصارف استثمارية في الولايات المتحدة- مورجان ستانلي، وجيه بي مورجان تشيس، وبانك أوف أمريكا، وسيتي جروب - ارتفع 50 في المائة في الفترة بين عام 2008 وعام 2015 إلى أكثر من 12500 موظف، بحسب أرقام جمعتها لـ "فاينانشيال تايمز" شركة ماكلاجان لاستشارات الأجور.
ما يُقارب 9500 من هذه الوظائف توجد في مجال تكنولوجيا المعلومات والعمليات، لكن ما يُسمى وظائف "أدوار التحكم" كانت تنمو بسرعة أكبر بسبب بحث المصارف عن طُرق أرخص للامتثال بسبب طوفان من التنظيمات التي تبعت الأزمة المالية.
ويقول التنفيذيون أيضاً إن الاستراتيجية أكثر تعقيداً من مجرد خفض التكاليف. ويؤكد بعضهم أن التوظيف في الخارج هو في الأساس لدعم العمليات اليومية في مختلف أنحاء العالم.
مثلا، جيه بي مورجان الذي يُدير أكبر مصرف استثماري في العالم، لديه ما يدعوه استراتيجية "تدفق العمل في كافة أنحاء العالم"، باستخدام 14 مركز تكنولوجيا في مدن تشمل جلاسجو وبنجالور وحيدر أباد وسنغافورة. وبحسب شخص مطلع على استراتيجية المصرف، هذا النهج من غير المرجح أن يتغير، مهما يقول ترمب.
في جولدمان ساكس، يقول شخص مُطّلع على استراتيجية التوظيف إنه دائماً ما كان يملك معدلا عاليا من الاستنزاف في عملياته في بنجالور التي اُفتتحت في عام 2004، في منطقة إمباسي جولف لينكس على مشارف المدينة. وعلى الرغم من موجات إعلانات الوظائف، يلاحظ الشخص المطلع أن صافي عدد الموظفين انخفض خلال العام الماضي إلى نحو خمسة آلاف.
في الوقت نفسه، كانت المصارف تبذل بالفعل جهوداً لنشر الوظائف في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي يكافح فيه كثير من المصارف لتحقيق أهداف الأرباح المُعلنة للمساهمين، عمدت إلى نقل وظائف المكاتب الخلفية والمحاسبة من المدن المُكلفة، مثل نيويورك وسان فرانسيسكو وبوسطن، إلى أماكن أرخص مثل ناشفيل وبويز ودي موين. المدن الأصغر مثل هندرسون في نيفادا، وسكرانتون في بنسلفانيا، وبيلينجز في مونتانا، استفادت أيضاً.
وأضاف جيه بي مورجان أخيرا مركزه الأمريكي الثامن في شيكاغو إلى قائمة تشمل بروكلين، وكولومبوس، ودالاس، وهيوستن، وجيرزي سيتي، وتامبا، وويلمينجتون. وافتتح مورجان ستانلي مكاتب في جاكسونفيل وكولومبوس وبالتيمور.
من جانبه، يتوقع جولدمان التوسع في اثنين من مراكزه الأمريكية الرئيسية في سولت ليك سيتي وإيرفينج، غرب دالاس، حيث يعمل نحو آلاف الموظفين في أقسام الامتثال، والمالية، والأبحاث، والموارد البشرية، وإدارة الاستثمار، والتكنولوجيا.
ووفقاً لشركة ماكلاجان، المصارف الأمريكية الكبيرة الستة معاً توظّف نحو 85 ألف شخص في مراكز الدعم في الولايات المتحدة، التي يتم تعريفها على أنها مواقع يوجد فيها أكثر من اثنين من موظفي الدعم لكل موظف يولّد الإيرادات، أو مدير.
وزادت هذه الأرقام نحو 8 في المائة في الأعوام الثلاثة المنتهية بنهاية عام 2015، مع توسع وظائف التحكم بمعدل يزيد ثلاثة أضعاف عن معدل التوسع في موظفي تكنولوجيا المعلومات والعمليات.
ولا تزال بعض المصارف الكبرى راغبة في زيادة عدد الموظفين خارج الولايات المتحدة. يقول ديفيد وورفيلد، وهو زميل مشارك لدى قسم الأداء في ماكلاجان، إن المصارف العالمية لا تزال لديها "الشهية للبحث عن الأمور الأخرى التي يمكن أن تقوم بها" في آسيا، خصوصا في مجال وظائف التحكم، حيث كان التوظيف ينمو بأسرع معدلاته خلال السنوات القليلة الماضية.
لكن جون جوت، وهو شريك لدى "إيه تي كيرني" في واشنطن العاصمة، يقول إن شركات الخدمات المالية بصورة عامة "ضغطت على زر الإيقاف المؤقت" منذ أن فاز ترمب بالانتخابات.
وتوصي شركته بأن يخضع العملاء لسيناريوهات على غرار "ألعاب الحرب"، من أجل أن يفهموا الأثر المترتب على أدوات الضغط المختلفة التي تستطيع الإدارة استخدامها – مثل زيادة نشاط الإنفاذ بخصوص القواعد الحالية، أو خيارات أكثر تطرفا، مثل فرض رسوم جمركية على السلع أو الخدمات.
ويلاحظ جوت إن العملاء في الوقت الحاضر يجمدون المبادرات في مناطق الأوفشور، أو أنهم على الأقل لا يعلنون عن استثمارات خارج الولايات المتحدة.
ويقول: "ما نراه الآن جميعا هو مستوى عال بشكل لا يصدق من عوامل اللبس المحيطة بهذا الموضوع، التي هي أكبر مما شهدناه على مدى عقود".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES