FINANCIAL TIMES

المصرفية الرقمية تخشى سطوة الكبار بعد «خروج بريطانيا»

المصرفية الرقمية تخشى سطوة الكبار بعد «خروج بريطانيا»

يشتكي كثير من التنفيذيين في القطاع المصرفي البريطاني بشكل صاخب من مجموعة مقبلة من التشريعات المالية الآتية من بروكسل في فترة ما بعد الأزمة، لكن آن بودن تختلف عنهم.
بودن التي أسست مصرف ستارلينج الذي يعد واحدا من مجموعة من المصارف الرقمية التي تتنافس على التصدي لمصارف الوزن الثقيل، المختصة في تجارة التجزئة في المملكة المتحدة، تؤكد بحماس أن توجيهات الاتحاد الأوروبي التي يُحب العاملون الآخرون في القطاع المالي كرهها هي في الواقع ساعدت لندن على أن تكون مركز التكنولوجيا المالية التي هي عليه اليوم.
وتشعر بودن بالقلق من أنه حين تغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف، فإن وتيرة التحرير المالي ستنخفض، ما يمنح المصارف الكبيرة الراسخة مجالا أكبر لسحق المنافسة.
تقول "نحن بحاجة إلى أن نضمن أننا لن نفوّت الموجة المُقبلة من تشريعات المنافسة".
وتخشى أنه بعد "خروج بريطانيا" ستعمل المصارف المحلية الكبيرة على تضخيم قوة الضغط ومعها القدرة على عرقلة الإصلاح.
وتُضيف "توصّل الاتحاد الأوروبي إلى بعض القوانين الجيدة جدا في مجال الأعمال المصرفية والمدفوعات. أنا أعرف أن المصارف التقليدية لا تحبها دائما، لكن إذا نظرنا إليها من وجهة نظر تنافسية وابتكارية، خصوصا من حيث تطوير التكنولوجيا المالية، عندها فإن التشريعات الأوروبية مهمة وجيدة في آن معا".
"ستارلينج" هي شركة مصرفية ناشئة، نادرة الوجود نسبياً، في مشهد التكنولوجيا المالية الصاخب في المملكة المتحدة. الشركة التي تأسست في عام 2014 برأسمال يبلغ 48 مليون جنيه من شركة هارالد ماكبايك، وهو مستثمر مقره في جزر الباهاما، تخلّت عن الطريق السريع للسوق وفضّلت بناء مؤسسة مستقلة بالكامل من الألف إلى الياء. وهي تملك رخصة مصرفية، وفي الشهر الماضي اكتسبت العضوية الكاملة في نظام المدفوعات السريعة في المملكة المتحدة.
باعتبارها كبيرة الإداريين التشغيليين سابقا في شركة ألايد آيرش بانكس، تحمست بودن لتأسيس "ستارلينج" بسبب تغييرات حررت ما كان يُعتبر نظاما مُغلقا واحتكاريا نسبياً. التعميم الذي أصدره الاتحاد الأوروبي حول خدمات الدفع في عام 2007 أجبر المصارف التقليدية على فتح أنظمة الدفع الوطنية التي كانت تُسيطر عليها أمام الوافدين. بعد ذلك التعميم لم تعد الشركات الناشئة مضطرة إلى استغلال أنظمة المصارف الكبيرة فقط لتوفير خدمات أساسية. وتبيّن أن التعميم كان إجراء كبيرا لتخفيض التكاليف. وتتذكر بودن أن "المصارف تُدير الدفعات كمشروع لتحقيق الأرباح، وتستوفي رسوما بقيمة جنيه واحد عن كل عملية دفع".
هناك تعميم ثان من الاتحاد الأوروبي يُجبر المصارف على فتح كنوزها القيمة من بيانات الزبائن أمام المنافسين، ما يجعل من الأسهل تقديم خدمات تنافسية. وترى بودن في هذا فرصة بالنسبة إلى مصرفها الذي يتمثل نظامه الرئيسي للبيع في ما لديه من تكنولوجيا وتطبيق ملائم للزبائن.
ومن هنا ينبع قلقها هو حول ما إذا كانت بريطانيا ما بعد الاتحاد الأوروبي ستُصبح أكثر حذرا بشأن تحرير التمويل الاستهلاكي. تقول "التعميم الخاص بخدمات المدفوعات كان جزءا كبيرا مما جعل المملكة المتحدة مركزا نابضا بالحياة في مجال التكنولوجيا المالية".
و"خروج بريطانيا" يفرض تحديات أخرى بالنسبة إلى الشركة الوليدة. فنحو خُمس موظفي "ستارلينج" البالغ عددهم 80 شخصا هم من خارج المملكة المتحدة، معظمهم من الاتحاد الأوروبي، و"خروج بريطانيا" من المرجح أن يُثير عقبات بيروقراطية أمام تعيين الموظفين من القارة الأوروبية. تقول "سينتهي بنا الأمر مع مزيد من الروتين ومزيد من العمل لجلب الأشخاص الموهوبين".
وتمتد تداعيات "خروج بريطانيا" إلى أنموذج أعمال المصرف، إذ كان "ستارلينج" يعتزم إطلاق خدماته في أوروبا خلال العامين المُقبلين، مستفيدا من جواز سفر الخدمات المالية في الاتحاد الأوروبي للتوسع في بلدان أخرى. لكن بودن تقول "إنه أمر مُخيب للآمال ألا نكون قادرين على السفر إلى الخارج باستخدام جواز الخدمات المالية".
وتبدو بودن واثقة من أن بريطانيا ستبقى مركزا مهما للتكنولوجيا المالية، مشيرة إلى أن "هناك عددا قليلا من المنافسين في أوروبا، خاصة برلين، التي تحاول تسويق أنشطتها للشركات". لكن المنافسين يواجهون مهمة شاقة لأن "لندن تشكل مصدر جذب بسبب الثقافة ونمط الحياة". وترى بودن أن برلين قد تكون منافسا، لكنها لا تملك التراث المالي. "ووادي السيليكون ليس كذلك أيضاً". ماذا عن نيويورك؟ "ببساطة هي لا تملك التكنولوجيا المتاحة في لندن".
ولن تخسر لندن لمصلحة باريس من حيث كونها مركزا ماليا بعد "خروج بريطانيا"، لأن الفرنسيين "ليس لديهم توجُّه مالي كبير" ولا يملكون الخبرات الموجودة في العاصمة البريطانية، بحسب دومينيك سينيكوييه، مؤسِسة "آرديان"، شركة الأسهم الخاصة القائمة في باريس التي توجد تحت إدارتها أصول حجمها 60 مليار دولار. الفرنسيون كما تقول، ربما يكونون أصحاب مشاريع وطُهاة جيدين، لكنهم غير قادرين على التنافس مع المختصين في القطاع المالي في لندن.
وتجيء تعليقات سينيكوييه في أعقاب عملية تسويق مغرية من جانب فرنسا وبلدان أخرى لاجتذاب الشركات، خاصة المصارف، من لندن في حال لم يعُد الحي المالي قابلا ليكون المركز الأوروبي الوحيد لعمليات تلك الشركات بعد تصويت بريطانيا لمغادرة الاتحاد الأوروبي.
وبمجرد أن تُصبح المملكة المتحدة خارج الاتحاد الأوروبي، يُمكن أن تخسر شركات الخدمات المالية قواعد "جواز السفر" للعمل عبر الحدود بدون تراخيص من البلدان. وتحاول باريس التي هي قاعدة لخمسة من أكبر 20 مصرفاً في أوروبا من حيث الأصول، اجتذاب مزيد من الأعمال عبر القنال. وكانت دبلن أيضاً تسوق نفسها على أنها قاعدة طبيعية للخدمات المالية، في حين إن شركات الأسهم الخاصة الرائدة تُقدّم منذ الآن طلبات للحصول على حقوق تسويق الصناديق انطلاقا من لوكسمبورج، في الوقت الذي يسعى فيه القطاع إلى ضمان أن يكون قادرا على مواصلة العمل في الاتحاد الأوروبي بعد "خروج بريطانيا".
لكن سينيكوييه غير مقتنعة. ردا على سؤال لمقارنة الإنتاجية بين فرنسا والمملكة المتحدة وحجم القطاع المالي في كل منهما، قالت "لندن دائماً ما كانت المدينة المالية رقم واحد في أوروبا. قد لا تعود لندن في أوروبا (بعد خروج بريطانيا)، لكن بالنسبة إلي هذا لن يُغيّر الوضع. ستظل المدينة هي لندن، وليس لندن فحسب، بل كذلك الناس من ذوي التفكير المالي".
في كلمة أمام مُطّلعين في مجال الأسهم الخاصة والطلاب في كلية كاس لإدارة الأعمال في لندن، قالت سينيكوييه "الفرنسيون ليس لديهم توجُّه مالي كبير. لست خائفة من قول ذلك لأنني أقوله بشكل منتظم. لدينا كثير من الأشياء الأخرى. نحن طُهاة جيدون. لدينا البحر الأبيض المتوسط، ونحن أصحاب مشاريع جيدون".
وأضافت "ذُهلت من لندن حين كنتُ في عمر 25 عاماً و(هي) لا تزال هي نفسها. لا أعتقد أن خروج بريطانيا سيُغير هذا".
وقالت أيضاً "إن شركة آرديان التي توظّف أكثر من 400 شخص في أوروبا وأمريكا الشمالية وآسيا، تُركّز على التاريخ والموظفين والخطط والمنتجات في الشركة، عندما يتعلق الأمر بالاستثمار أكثر من الاختلافات الإنتاجية بين البلدان.
بالتالي ليس هناك "منطق" في مقارنة الإنتاجية الفرنسية والبريطانية".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES