FINANCIAL TIMES

طموحات «توشيبا» النووية تجعلها تجثو على ركبتيها

طموحات «توشيبا» النووية تجعلها تجثو على ركبتيها

بلدة وينزبورو في ولاية جورجيا، التي يبلغ عدد سكانها 5942 نسمة، تعلن نفسها "عاصمة كلاب صيد الطيور في العالم".
يبدو من النادر تصديق أن أي شيء في هذه البلدة الريفية الأمريكية الهادئة التي تبعد نحو 30 ميلا إلى الجنوب من أوغوستا، يمكن أن يجعل واحدة من أكبر الشركات الصناعية في اليابان تجثو على ركبتيها. لكن مفاعلات قيد الإنشاء في مصنع فوجتل الواقع بالضبط خارج وينزبورو، توجد في قلب أكبر أزمة في تاريخ توشيبا الممتد 141 عاما.
وستنجهاوس، شركة الهندسة النووية التابعة لـ "توشيبا" في الولايات المتحدة، تعكف على بناء اثنين من المفاعلات الجديدة من طراز AP1000 في محطة فوجتل، من "الجيل الثالث بلس" الذي كان يُقصد منه أن يكون الرائد في توسع الشركة في الأسواق في جميع أنحاء العالم. مفاعلان آخران يجري بناؤهما على بعد نحو 100 ميل في ولاية كارولينا الجنوبية في مصنع يحمل اسم "في. سي. سمر" VC Summer.
المحطات الجديدة آخذة في التبلور في كلا الموقعين. ففي كانون الأول (ديسمبر) الماضي تم إنزال حلقة من الصلب وزنها 1100 طن وقطرها 40 مترا، في موقعها في الوحدة الجديدة الأولى في فوجتل. وتشكل الحلقة جزءا من وعاء الاحتواء داخل المفاعل. المكون المماثل في "سمر" أيضا جاهز الآن ليتم إنزاله في موقعه.
لكن هذا التقدم أقل مما يجب ويأتي بعد فوات الأوان. هذه المشاريع متأخرة في الأصل أكثر من ثلاث سنوات عن الموعد المحدد وتتجاوز ميزانياتها الأصلية "على أساس إجمالي" بأكثر من عشرة مليارات دولار. وفي الأسبوع الماضي تم تأخير الجدول الزمني لمشروع سمر مرة أخرى، وكانت هناك تحذيرات من أن البناء في فوجتل يمكن أيضا أن يتأخر.
هذه المشكلات هي التي تكمن وراء إعلان "توشيبا" يوم الثلاثاء الماضي أنها تعتزم شطب أصول بمقدار 6.3 مليار دولار في قسمها النووي في الولايات المتحدة، وهو قرار يدفع المجموعة إلى تسجيل خسارة صافية قدرها 390 مليار ين "3.4 مليار دولار" في السنة المنتهية في 31 آذار (مارس)، على الرغم من حالة من عدم اليقين بشأن هذه الأرقام، ويرجع ذلك جزئيا إلى أنها لم يتم تدقيقها.
جريجوري جاكزكو، الذي شغل بين عامي 2009-2012 منصب رئيس اللجنة التنظيمية النووية، الجهاز التنظيمي الفيدرالي الأمريكي، عارض قرار السماح لمشاريع فوجتل وسمر بالمضي قدما، ويرى أنها لا يزال من الممكن إيقافها. يقول "في مرحلة معينة لا بد أن يكون لديهم تقييم حول متى يتم إنهاء ذلك. لا يمكن أن يستمروا في ضخ المال في هذه المشاريع التي ليس لها سقف".
ونتيجة لإنفاق كثير من المليارات من الدولارات حتى الآن، ووجود كثير من الصلب والخرسانة بالفعل في الأرض، يبدو من غير المحتمل أن يتم إيقاف المشاريع. وقد أكدت "وستنجهاوس" هذا الأسبوع مرة أخرى التزامها إتمام المشروع حتى النهاية.
لكن بيانات مقدمة للأجهزة المنظمة للمرافق العامة وقضايا معروضة على المحاكم ترسم صورا لمشاريع تبين أنها تعاني صعوبات منذ البداية. وكان قد تم التوقيع على عقود المفاعلات الجديدة في عام 2008 من قبل أصحاب المصانع، بقيادة "ساوذرن كومباني" بالنسبة إلى مشروع فوجتل، وشركة SCANA لمشروع سمر.
وكان تكتلا يتألف من "وستنجهاوس" ومجموعة شو الهندسية هو المقاول الرئيسي في كلا المشروعين. وكانت "ستون وبستر"، قسم الإنشاءات النووية التابع لـ "شو"، شركة تشغيل رئيسية في هذا التكتل.
قال مايك جاريت، الرئيس التنفيذي لشركة جورجيا للطاقة، التابعة لـ "ساوذرن كومباني" التي تدير فوجتل، في عام 2008، "إن المفاعلات الجديدة ستكون مصدر طاقة فعالا من حيث التكلفة"، معتبرا المحافظة على الطاقة النووية كان "قرارا تجاريا يستم بالحصافة". لكن كان من الواضح دائما أن المشروعين طموحان للغاية. كانت أول المفاعلات الجديدة التي حصلت على ترخيص للبناء في الولايات المتحدة منذ عام 1978، وستكون أول مفاعلات تدخل الخدمة منذ عام 1996.
ما من شخص منخرط في هذا الموضوع يدرك تماما فيما يبدو مدى الصعوبة التي سيكون عليها بناء مفاعلات جديدة، خاصة AP1000 الذي كان "الأول من نوعه" من حيث التصميم.
وبعض أول المشكلات التي واجهت المشاريع كانت مع اللجنة التنظيمية النووية. كتبت اللجنة إلى "وستنجهاوس" في عام 2009 محذرة من أن بناء الدرع الذي يحمي المفاعل لم يكن قويا بما فيه الكفاية، وضغطت على الشركة لزيادة تدعيمه ليكون قادرا على الصمود في حال اصطدمت به إحدى الطائرات، ليتوافق مع المبادئ التوجيهية التي أعقبت هجمات 9/11.
وكان على "وستنجهاوس" تقديم عدد كبير للغاية من التعديلات على التصميم AP1000، الذي قدر في قضية لاحقة في المحكمة أنه كلف مبلغا إضافيا قدره 1.5 مليار دولار في مشروع فوجتل وحده.
لكن الضغط من الجهة المنظمة لم يكن المشكلة الوحيدة. المفاعل AP1000 لديه تصميم قائم على وجود وحدات مستقلة تهدف إلى تبسيط البناء، وكان المقصود هو بناء المكونات خارج الموقع ومن ثم تجميعها مثل لعبة الليجو. لكن البناء تأخر بسبب مشكلات الجودة المستمرة مع المكونات. وفي وقت مبكر من عام 2010، حذر وليام جيكوبس، وهو مستشار يعمل لدى لجنة جورجيا للخدمة العامة التي هي الجهاز المنظم للمرافق العامة، من "التأخير المتكرر مع بدء تصنيع الوحدات".
وفي عام 2014 سلّط الضوء هو وستيفن رويتجر، وهذا الأخير عضو آخر في الجهاز المنظم، على "التأخر في التسليم وسوء نوعية الوحدات الفرعية التي تتطلب إعادة صياغة مهمة" و"برامج ضمان الجودة غير الفعالة"، على أنها من بين الأسباب الرئيسية لتأخير البناء.
ومع تراكم التحديات التي تواجه المشاريع، توجه الملاك والمقاولون إلى المحكمة. وتم رفع دعوى قضائية ضد شركة جورجيا للطاقة وكانت هناك دعوى مضادة رفعتها "وستنجهاوس" و"شو"، بدأت أيضا بالجدل حول مسؤولية تجاوز التكاليف. وورثت مجموعة الهندسة والبناء "شيكاغو بريدج آند إيون" Chicago Bridge & Iron العقود وجميع مشكلاتها عندما اشترت "شو" مقابل ثلاثة مليارات دولار في عام 2013.
وتم التوصل إلى مجموعة من الاتفاقيات في تشرين الأول (أكتوبر) 2015 كان القصد منها حل تلك المنازعات. وشمل ذلك شراء "وستنجهاوس" لشركة "ستون أنج وبستر" من "شيكاغو بريدج" مقابل 229 مليون دولار. وفي الوقت نفسه، وافقت كل من "ساوذرن" وSCANA على تمديد مواعيد استكمال المشروعين، إضافة إلى زيادة مدفوعات العقد، مقابل أسعار ثابتة للعمل المتبقي.
كان أمل "توشيبا" أن تحل هذه الاتفاقيات النزاعات القانونية الحالية والمستقبلية حول التكاليف الإضافية، وزيادة كفاءة عملها بنسبة 30 في المائة من خلال دمج "ستون وبستر" مع "وستنجهاوس". لكن السلام كان قصيرا، إذ ظهر خلاف جديد بين "وستنجهاوس" و"شيكاغو بريدج". وبشكل منفصل، كشفت "توشيبا" يوم الثلاثاء الماضي عن أن محاميها كانوا يدرسون ما إذا كانت الإدارة في "وستنجهاوس" قد مارست "ضغوطا غير لائقة" على سعر الاستحواذ البالغ 229 مليون دولار.
التحسينات المرجوة في الكفاءة لم تتحقق أيضا. وتم التعاقد مع مجموعة هندسية أخرى تسمى "فلور" للعمل على البناء، وتم توظيف مئات آخرين من العاملين في الموقعين.
لكن أكبر صدمة جاءت حين أدرك التنفيذيون في "توشيبا" أن تكاليف بناء المفاعلات الأربعة ستتجاوز التقديرات الأولية للشركة بمقدار 6.1 مليار دولار، منها 3.7 مليار دولار أُلقي اللوم بشأنها على تكاليف اليد العاملة، و1.8 مليار دولار على الإنفاق على المعدات.
ويوم الإثنين الماضي حذر جيكوبس ورويتجر من أن الخطة الرامية إلى بدء المفاعل الأول في فوجتل تبدو "مثيرة للتحديات بشكل كبير للغاية، نتيجة لغياب التقدم في أعمال الإنشاء".
وإذا استمرت أعمال الإنشاء في التخلف عن المواعيد المحددة، فمن الممكن أن تتصاعد خسائر "وستنجهاوس" في هاتين المقاولتين.
يقول جاكزكو "إن مشكلات "فوجتل" و"سَمَر" ربما تكون قد أوقفت تطوير أي مشاريع نووية جديدة في الولايات المتحدة لمدة جيل. هذه المشاريع تقضي على أعمال الإنشاء، لأن ما من أحد يستطيع تمويل مفاعلات جديدة. ربما يحتاج الأمر إلى 20 أو 30 سنة قبل أن يعاود المستثمرون الاهتمام مرة أخرى".
ومع أن المشكلات في "فوجتل" و"سمر" أضرت بـ "توشيبا"، إلا أن شركات المرافق الأمريكية التي تعتبر أكبر المساهمين في المشاريع كانت تمضي من قوة إلى قوة.
فمنذ عام 2008، عندما تم التوقيع على عقود مع "وستنجهاوس"، ارتفعت أسهم "ساوذرن" التي تمتلك 46 في المائة من "فوجتل" وتدير المحطة النووية الموجودة في الموقع، بنسبة 33 في المائة. وارتفعت أسهم SCANA التي تملك 55 في المائة من "سمر" وتدير المعمل هناك، بنسبة 87 في المائة. وتفوقت كل منهما على صندوق فيداليتي الأمريكي المدرج في البورصة لقطاع المرافق.
وفي الوقت الذي ارتفعت فيه تكاليف بناء المفاعل، حول أصحاب المصانع بعض العبء المالي إلى "وستنجهاوس" وإلى زبائنهم.
وقال مامورو هاتازاوا، المسؤول عن قسم الأعمال النووية في "توشيبا"، "إن الشركة يمكن أن تطلب المساعدة من "ساوذرن" وSCANA لكن تقاسم التكاليف قد يكون صعبا".
واستمرار تدهور الوضع المالي في "توشيبا" و"وستنجهاوس" يمكن أن يلقي بظلال من الشك على مستقبل المعملين.
سارة باركزاك من شركة ساوذرن أليانس Southern Alliance للطاقة النظيفة تعتقد أن جورجيا ومستهلكي الكهرباء في ولاية كارولينا الجنوبية قد ينتهي بهم الأمر إلى تحمل تكاليف الفاتورة، مشيرة إلى أن "مفوضي الخدمة العامة ضعاف جدا".
"إذا قالت وستنجهاوس: (لا يمكننا الانتهاء من بناء هذه المحطات ما لم تدفعوا لنا أكثر)، فمن الممكن جدا أن يعطيها المفوضون ما تريده".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES