FINANCIAL TIMES

ترمب وبوتين .. انجذاب زعيمين وتنافر دولتين

ترمب وبوتين .. انجذاب زعيمين وتنافر دولتين

ربما كان تخيل الرئيس ترمب أن بإمكانه فعل ما شاء متى ما حل في البيت الأبيض، لكن الأمر وقع على عاتق المحكمة الفيدرالية في الدائرة التاسعة في سياتل، كي تضع حدا لسلطة الرئيس في الداخل، من خلال إلغاء أمر تنفيذي يحظر المهاجرين من الدخول إلى الولايات المتحدة، من سبعة دول ذات أغلبية مسلمة، تحديدا.
الآن، هناك كذلك الرحيل القسري لمستشار الأمن الوطني مايكل فلين، الذي يعمل على رسم بعض القيود المفروضة على إدارة السياسة الخارجية. يمكنكم القول إن الرئيس تعرض للإحراج، إلا أن التواضع وهذه الإدارة لا يمكن أن يترافقا في عبارة واحدة أبدا.
كانت الأسابيع الأولى من فترة الرئاسة صعبة بقدر ما كان يخشى الجميع. فقد تصرف ترمب أثناء رئاسته كما كان يفعل خلال حملته الانتخابية. أما حالة الفوضى والحرب في البيت الأبيض، فقد كانت صورة عن نزع سلاح الحلفاء، وتمكين الأعداء في الخارج.
لم يحدث أن كانت مكانة أمريكا في العالم أدنى مما هي عليه الآن. وكل هذا يحدث في الوقت الذي لا تزال فيه الحرائق مشتعلة في الشرق الأوسط، واختبارات الديكتاتور كيم جونج أون للصاروخ البالستي في كوريا الشمالية، الذي يمكن خلال فترة قريبة أن يكون قادرا على حمل رأس نووي.
تلاشت آمال ترمب في تحقيق نوع من الصفقة الكبرى مع رئيس روسيا فلاديمير بوتين. طرد فلين بسبب كذبه على نائب الرئيس مايك بينس حول محادثاته مع السفير الروسي في واشنطن، لن توقف مشاعر الانزعاج بخصوص اتصالات الإدارة مع موسكو قبل يوم التنصيب. يواجه ترمب ومساعدوه ثلاث مجموعات من الأسئلة التي يطرحها المشرعون ووكالات إنفاذ القانون حول تلك العلاقات.
يسأل الأول عن مدى عمق واتساع تلك التبادلات: من شارك فيها بالضبط، وما هي المواضيع التي دارت حولها المحادثات، وهل تم إبرام أية صفقات، سواء أكانت ضمنية أو صريحة، حول اتجاه السياسة الأمريكية بمجرد أن يتولى ترمب مهامه كرئيس؟
أما السؤال الثاني فيتطلب فحص علاقات ترمب المالية مع روسيا - التحقيق المفصل الذي كان ينبغي حدوثه خلال فترة الحملة الانتخابية، ويتطلب الآن إمكانية وصول مفتوحة للاطلاع على البيان الضريبي للرئيس.
أما السؤال الثالث، الذي أضحى أكثر إلحاحا بسبب التأخير المطول ما بين اكتشاف البيت الأبيض لكذب فلين وإقالته، فيتعلق بسؤال ووترجيت القديم - ما الذي عرفه الرئيس تماما ومتى؟
الهيجان ضد المسؤولين عن تسريب معلومات سرية لن يحل المشكلة بالنسبة لترمب. نحن أمام سياسي أشاد علنا بالقرصنة الروسية لحملة الحزب الديمقراطي الرئاسية. حتى الآن تغريدات ترمب ضد الوكالات ووسائل الإعلام لم تفعل شيئا سوى إثبات صحة التقارير المختلفة في كل من صحيفتي نيويورك تايمز وواشنطن بوست، وعلى شبكة سي إن إن بشأن الطبيعة الواسعة للاتصالات مع موسكو. هناك سؤال واحد عنيد يسأل مرارا وتكرارا، وهو لماذا إذن يرفض ترمب الاعتراف حتى بأدنى شك بأن الزعيم الروسي قد غزا بلدا مجاورا؟ وداس على قواعد وأعراف السلوك الدولي؟
أيا كانت الإجابة، الابتسامات في موسكو تتحول الآن إلى تجهم. التحقيقات اللازمة في اتصالات فريق ترمب مع الكرملين سوف تستمر لعدة أشهر، إن لم يكن لفترة أطول. آمال بوتين كانت التوصل إلى صفقة من شأنها رؤية رئيس أمريكي يرفع العقوبات ويرضخ لانتقام روسيا، مقابل تعاون شكلي في مكافحة "داعش". دائما ما كان مثل هذا الاتفاق سيواجه المعارضة من أعداد كبيرة من الجمهوريين في الكونجرس. الآن يبدو مستحيلا.
بعض الخير قد يأتي من مغادرة فلين. ضابط الاستخبارات العسكرية المتقاعد أظهر نفسه بأنه من مؤيدي نظرية المؤامرة ويمارس الإسلاموفوبيا. كما أنه شخصيا من قاد هتافات "ضعوها في السجن" ضد هيلاري كلينتون في الحملة الانتخابية.
وجوده في الدائرة الداخلية للمكتب البيضاوي، كان رافدا لأسوأ أشكال التحيز من ترمب. وكان يبدو عليه أنه يشارك افتتان الرئيس ببوتين. سوف يلتزم ترمب الآن بتعيين شخصية تقليدية أكثر، في منصب كبير مستشاري السياسة الخارجية، أي مستشار الأمن القومي.
يقول المتفائلون، ولا يوجد الكثير منهم هذه الأيام، إن الضوابط والتوازنات في النظام الأمريكي أظهرت أنها ناجحة، وإن كان من خلال طريق غير تقليدي هو التسريبات الاستخباراتية.
التغيير في أعلى منصب في مجلس الأمن القومي، سوف يعزز سلطة جيمس ماتيس في البنتاجون وريكس تيلرسون في وزارة الخارجية. قد يواجه ترمب الضغط من مجلس الأمن القومي لعزل ستيفن بانون، رفيقه الروحي وكبير خبراء الاستراتيجية، تحاشيا لصدامه لاحقا مع أي خبير محنك يشغل منصب مستشار الأمن القومي. يبدو أن بانون، القومي المتطرف، يتلذذ باشتباك حضاري مع الإسلام، ويعتقد أن الحرب مع الصين أمر لا مفر منه.
مع ذلك، فإن ترمب لا يزال الرئيس. وهو لا يخفي موقفه من القيم والمعايير الأساسية التي كانت تنير طريق القيادة الأمريكية. وهو أكثر ميلا لتوبيخ الأصدقاء القدامى – خذ مثلا انفعاله الحارق ضد رئيس الوزراء الأسترالي مالكولم تيرنبول – من ميله لتعزيز التحالفات.
قدم فلين لمحة في رسالة استقالته عن عالم أليس في بلاد العجائب الذي هو البيت الأبيض اليوم. خلال ثلاثة أسابيع قصيرة، كما قال، استعاد الرئيس "مكانة أمريكا القيادية" في العالم. ونعم، كان من الممكن للجنرال المغادر أن يضيف أن الحشود في حفل تنصيب الرئيس كانت الأكبر - فعلا الأضخم - على الإطلاق في تاريخ البشرية.
لا يمكن أن تستمر الأمور على هذا المنوال، كما سمع أحد مسؤولي الإدارة المتعبين يقول هذا الأسبوع. ترمب. هل يستطيع أن يغير نظرته؟ وإذا لم يتغير، إلى متى يمكن أن تستمر الأمور على هذا المنوال؟ كيف ستؤول الأمور عندما يرى العالم رئيسا أمريكيا، يبدو خياليا أكثر من اللازم، وعلى حساب الحقائق والثوابت؟
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES