FINANCIAL TIMES

«توشيبا»..سقوط عملاق الصناعة النووية الياباني

«توشيبا»..سقوط عملاق الصناعة النووية الياباني

بعد يوم من الاتصالات المتواصلة، وبعد عملية بيع مكثف للأسهم، وعملية شطب للأصول بقيمة 6.3 مليار دولار، يمكن أن تدمر واحدا من أعظم الأسماء الصناعية في اليابان، تعطَّف أخيرا رئيس شركة توشيبا وانحنى لتقديم الاعتذار.
أومأ ساتوشي تسوناكاوا برأسه، بطريقة آلية سطحية، لثانية واحدة فقط. معظم الناس يفترضون الآن أنه ستكون هنالك تنازلات أعمق بكثير وأطول في الوقت الذي تعمل فيه شركة توشيبا على قيادة المستثمرين والعملاء والموظفين واليابان ككل، نحو أول سقوط لأحد عمالقة الصناعة النووية في البلاد.
في نكسة مهينة يتعرض لها تكتل كان حتى فترة قريبة يطنطن بأعماله في المجال النووي على أنها المحرك الرئيس للنمو، قالت شركة توشيبا إنها ستنسحب من مشروع تشييد محطات جديدة في الخارج، وتركز على تقديم تصاميم مفاعلات ومعدات نووية أقل ربحا وأقل خطرا.
قال أحد المستثمرين إن التقليص المحتمل في طموحات شركة توشيبا النووية يمكن أن يجعل ما تبقى من الشركة صعبا "حتى لأن يفكر فيه مستثمر مخالف للتيار السائد".
كما أن ذلك أيضا يعتبر ضربة مدمرة لآفاق الصناعة النووية في جميع أنحاء العالم. والقرار الذي اتخذته شركة توشيبا في التخلي عن المناقصة لتصبح مقاولا رائدا في مشاريع محطات الطاقة النووية سيعمل على الحد بشكل عجيب من قدرتها على المنافسة مع منافسين من الصين وكوريا الجنوبية وروسيا، وسيحد من الخيارات المتاحة للبلدان التي تسعى لبناء مفاعلات نووية.
بينما كانت تقوم شركة توشيبا بالإبلاغ عن عملية شطب الأصول الضخمة، حذرت إي دي إف، شركة المرافق الفرنسية، التي رزءت أيضا بمشكلات في مشاريعها النووية حديثة العهد، من أن عام 2017 سيكون صعبا بعد أن تعرضت لانتكاسة الانخفاض في أسعار الكهرباء، ومشكلات في بعض المفاعلات الموجودة العام الماضي.
خلافا لشركة توشيبا، تقول شركة الكهرباء الفرنسية إنها مصممة على المضي قدما في بناء استراتيجيتها النووية الدولية الجديدة، معتبرة إياها وسيلة للاستفادة من الخبرة التاريخية لفرنسا في مجال تكنولوجيا المفاعلات، والتنويع بعيدا عن السوق المحلية التنافسية بشكل متزايد.
منذ عام 2007، فازت الصناعة النووية الفرنسية فقط بصفقة جديدة واحدة: مشروع هينكلي بوينت المثير للجدل بقيمة 18 مليار جنيه استرليني في المملكة المتحدة.
يقول مايكل شيلينبيرجر، من مؤسسة التقدم البيئي، جماعة معارضة للمشاريع النووية: "من الآن فصاعدا، هنالك فقط ثلاثة لاعبين رئيسين في السوق العالمية لمحطات الطاقة النووية: كوريا والصين وروسيا". أما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان فهم خارج اللعبة. يمكن لفرنسا أن تعود مرة أخرى إلى الميدان، لكنها ليست قادرة على المنافسة اليوم".
قامت شركة توشيبا بشراء أعمال شركة وستنجهاوس النووية الموجودة في الولايات المتحدة من الحكومة البريطانية مقابل مبلغ 5.4 مليار دولار في عام 2006، على أمل الاستفادة وتحقيق الربح من التحسن الذي طرأ على تشييد المفاعلات الذي كان يطلق عليه وبكل تفاؤل "عصر النهضة النووية".
بدلا من ذلك، عملت صفقة شركة وستنجهاوس على تركيع شركة توشيبا.
بعد أن خسرت مهاراتها الحاسمة لقيادة كبريات المشاريع النووية في الوقت الذي كانت فيه أعمال التشييد والبناء متوقفة إلى حد كبير في كل من الولايات المتحدة وأوروبا بعد كارثة تشيرنوبل في عام 1986، لم تكن كل من شركتي وستنجهاوس وإي دي إف على استعداد عندما عاد الطلب مرة أخرى في العقد الأول من القرن الحالي، وفقا لكوليت ليونر، المستشارة في مجال الطاقة في شركة كابجيميني.
باقترانها بمتطلبات السلامة المرهقة بشكل متزايد من قبل المنظمين عقب هجمات الـ 11 من سبتمبر الإرهابية في عام 2001، وحادثة فوكوشيما في عام 2011، والالتزامات الطموحة لوجود تصاميم مفاعلات مبتكرة. وجود نقص في المهارات كان يعني أن تكاليف بناء مشاريع جديدة تخرج عن نطاق السيطرة.
وشركة توشيبا، التي تعرضت لتجاوزات هائلة في التكاليف وتأخيرات كان سببها مشاريع شركة وستنجهاوس النووية في الولايات المتحدة، تستعد الآن لتحذير المستثمرين من أن المجموعة ككل تواجه حالة من الغموض من حيث الاستمرار في كونها مؤسسة ناجحة، بحسب ما يقول المحللون.
عند سؤاله عن السبب الأصلي في تعرض شركة توشيبا لهذه المصائب، قال تسوناكا ما توصل إليه المحللون منذ فترة طويلة: "إذا نظرنا إلى الوراء الآن، لا يمكننا أن ننكر أن السبب هو عملية الاستحواذ على وستنجهاوس".
البؤس الذي تعانيه شركة توشيبا هو أن رهانها الفاشل على وستنجهاوس ربما يجعل المجموعة الآن مجرد شركة للأعمال النووية، لأنها مضطرة لبيع أكبر قدر ممكن من الفروع الأخرى لديها.
اقترح تسوناكاوا أن الخيارات المتاحة أمام الشركة الآن تشمل بيع حصتها المسيطرة في شركة وستنجهاوس، لكن قلة من المحللين هي التي ترى وجود مشتر واضح سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها.
يقول كوتا إيزاوا، المحلل في مجموعة سيتي جروب: "لا يمكنهم التخلص من قسم الأعمال النووية".
وبالتالي فإن شركة توشيبا في سبيلها الآن لمواجهة الاضطرابات التي ستغير وبشكل جذري شكل المجموعة التي أمضت أكثر من قرن من الزمان وهي تقع في قلب عملية التصنيع في اليابان. والأعمال التجارية التي حددت هوية شركة توشيبا- أبرزها قسم رقائق الذاكرة ناند - يمكن أن تباع الآن بشكل كلي أو جزئي.
لا تعتبر أي من الخيارات المتاحة أمام توشيبا جذابة. فالأرقام الأولية التي نشرت بالأمس تظهر أن شركة توشيبا واقعة منذ الآن في أعماق المنطقة السلبية لحقوق الملكية للمساهمين، والعواقب المترتبة على استمرار هذا الوضع بحلول نهاية شهر آذار (مارس) المقبل، واستمرار الضعف في الضوابط الداخلية، يثير احتمالية أن يتم شطب إدراج الشركة في بورصة طوكيو.
يقول هيساشي موريياما، المحلل في بنك جيه بي مورجان: "لا يزال خطر الخروج من الإدراج حقيقيا للغاية".
في التفسير الذي قدمه تسوناكاوا حول الاختلال الذي منيت به الشركة كانت هناك إشارات مبثوثة بأن القرارات التي اتخذتها لإعادة الهيكلة يجري الآن التحكم بها من قبل أكبر المصارف المقرِضة للشركة، وهي شركة ميزوهو والمجموعة المالية ميتسوي سوميتومو.
إذا لم تنجح عمليات بيع الأصول لديها، يفترض معظم المحللين أن من المحتمل حدوث شكل من أشكال التدخل الحكومي، خاصة لأن شركة توشيبا تلعب دورا محددا في وقف تشغيل محطة فوكوشيما المنكوبة للطاقة النووية.
يقول موريياما: "ستكون هنالك حاجة لبعض أنواع الدعم الحكومي في المستقبل. ربما سيكون من الضروري بالنسبة لشركة توشيبا أن تعقد شراكة مع شركتي هيتاشي وميتسوبيشي للصناعات الثقيلة للبقاء على قيد الحياة خلال المنافسة العالمية".
في الوقت نفسه، تؤكد شركة كهرباء فرنسا على عملية إعادة هيكلة لصناعة الطاقة النووية الفرنسية بتوجيه من الحكومة.
تتعرض الشركة لضغط من الدولة الفرنسية، المساهم المسيطر فيها، لإنقاذ الشركة المنافسة السابقة آريفا من خلال الاستحواذ على فرع المفاعلات النووية الآخذ بالتراجع فيها، الذي يستخدم تكنولوجيا إي بي آر. ومفاعل إي بي آر الذي تقوم شركة كهرباء فرنسا بتطويره في فلامانفيل في فرنسا، الذي تأخر العمل فيه لفترة ست سنوات، الذي ارتفعت تكاليفه بنحو 7.2 مليار يورو زيادة على الميزانية المقررة.
صفقة آريفا - جنبا إلى جنب مع مشروع هينكلي بوينت وفاتورة تقدر قيمتها بحدود 55 مليار يورو في العقد القادم لتمديد عمر المفاعلات الموجودة حاليا في فرنسا التي يبلغ عددها 58 مفاعلا - ستزيد من عبء الديون الذي يثقل كاهل شركة كهرباء فرنسا وستزيد من تعرضها للطاقة النووية في وقت تكون فيه السوق، على الأقل في البلدان المتقدمة، آخذة في التقلص.
على المستوى العالمي، بدأ العمل في إنشاء ثلاثة مفاعلات فقط في العام الماضي، وبدئ العمل في 51 مفاعلا بين 2010 و2016، وفقا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، مقارنة بالأرقام التي كانت في العشرينيات والثلاثينيات سنويا وكانت شائعة في فترة الستينيات والسبعينيات.
يجادل شيلينبيرجر بأنه نظرا إلى العدد القليل للغاية من المفاعلات التي يتم إنشاؤها الآن، وحيث إن شركتي وستنجهاوس وإي دي إف تختاران ترويج تصاميم مفاعلات جديدة لمعالجة مخاوف الجمهور بشأن السلامة، كان من الصعب على الشركتين تحقيق عمليات تخفيض في التكاليف من خلال الإنشاء المتكرر لنماذج متشابهة.
تقول لوينر إن موجة جديدة من إنشاء المفاعلات النووية في فرنسا، على الأرجح في أوائل العقد المقبل، يمكن أن تساعد شركة إي دي إف في اكتساب الخبرة التي تحتاج إليها لتصبح ذات قدرة تنافسية أكبر على المستوى الدولي.
مع التراجع السريع في أسعار الطاقة المتجددة من الرياح والشمس، وتحرير كميات كبيرة من الغاز الرخيص نتيجة ثورة الغاز الصخري، ربما يكون من الصعب بصورة متزايدة على الطاقة النووية التمتع بالتنافسية.
لا تزال الوكالة الدولية للطاقة تتوقع أن تنمو القدرة النووية العالمية، حتى عام 2030 على الأقل، رغم أنها ترى أن الزيادة يمكن أن تكون فقط أعلى قليلا من 1.9 في المائة خلال الفترة بأكملها.

صمود مصداقية الصين وروسيا وكوريا الجنوبية
في الوقت الذي تتعثر فيه توشيبا وإي دي إف في أسواق الطاقة النووية العالمية، هنا الآن ثلاثة بلدان مع منافسين كبار على العقود لبناء مُفاعلات جديدة: الصين وروسيا وكوريا الجنوبية. حتى تلك الشركات تواجه تحدّيات.
مع العمل على 34 مشروعا في الخارج وطلبات للتصدير لمدة عشرة أعوام بقيمة 133 مليار دولار، شركة الطاقة النووية الاحتكارية روساتوم التي تُسيطر عليها الدولة في روسيا تبني أكثر من أية شركة أخرى، وتشق طريقها في أسواق الاتحاد الأوروبي بما في ذلك سلوفاكيا والمجر وقبرص.
باعتبارها تكتلا مترامي الأطراف من المؤسسات التي تبني وتُشغّل وتُغذّي المشاريع، فإن شركة روساتوم هي واحدة من أهم الشركات الروسية على المستوى العالمي، وباعتبارها جزءا من أدوات السياسة الخارجية في البلاد، حدد الكرملين لها مهمة لتوسيع نفوذه الدولي.
التعقيدات السياسية أخّرت بناء أول محطة نووية في تركيا في أكيويو، حيث ستبني شركة روساتوم أربعة من مُفاعلاتها من طراز VVER-1200، لكن هناك مشاريع أخرى قيد الإنشاء أو تم التعاقد عليها أخيرا في الصين والهند وإيران وروسيا البيضاء، ومن المقرر كذلك أن تبدأ أعمال الإنشاء قريبا في محطة في فنلندا.
في الصين، كان هناك تأخير وتجاوز للتكاليف المقررة في الميزانية لمحطات تشمل تصميم مفاعل من طراز EPR لشركة إي دي إف وAP1000 من قِبل شركة وستنجهاوس التابعة لشركة توشيبا. شركة تشاينا جنرال نيوكلير تعتزم بناء مفاعلها الأول في إسيكس في المملكة المتحدة بعد الاستثمار في مفاعل EPR بقيادة شركة إي دي إف في هينكلي بوينت.
حتى الآن، مفاعل الصين الوحيد في الخارج هو في باكستان، على الرغم من أن شركة الصين الوطنية للطاقة النووية، التزمت ببناء مفاعلات في الأرجنتين.
بعد عقود من العمل على تطوير صناعتها النووية المحلية، فازت كوريا الجنوبية في عام 2009 بصفقة شهدت تنافسا شديدا لتزويد الإمارات بأربعة مفاعلات بقدرة 1400 ميجاوات، بسعر خمسة مليارات دولار للوحدة بحلول عام 2020. المزودون المنافسون بما في ذلك شركة إي دي إف وجدوا أن من المستحيل أن يتمكنوا من العمل بهذا السعر. الصفقة، التي سيقوم بها تكتل من الشركات بقيادة شركة طاقة الكهرباء الكورية، أُعلِن عن أنها من المعالم المهمة، وأعلنت كوريا الجنوبية عن هدف للتصدير يبلغ 80 مُفاعلا بحلول عام 2030، وهو هدف يبدو الآن طموحا إلى حد ما.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES