Author

مزيد من النقاط لهؤلاء

|

نحصل على نقاط الحسم الرادعة بسبب سلوكياتنا المخالفة، مثل "ساهر" أو ما قد ترصده "سمة" أو أي سجل آخر يرصد تقصيرنا ويذكرنا بذلك. تشكل هذه المخالفات جزءا من منظومات تأديبية وعقابية صممت كي تحسن من السلوكيات الحضارية وترصد المخالفين وتقلل من وجودهم، وهي تكاد تكون موجودة في كل نظام مقنن يتناول إدارة السلوكيات. لنفترض وجود نوع آخر من النقاط، على الشاكلة نفسها، ولكنه يمنح لأصحاب السلوكيات الإيجابية الإنتاجية على المستوى الشخصي. لا أعلم بوجود شيء من هذا القبيل ولكن هو مجرد تخيل، لو كان هناك شيء كهذا، من هم الذين يستحقون هذه النقاط؟ وكفكرة، ربما تستخدم هذه النقاط لاحقا لمقابلة رصيد "ساهر" أو غيره وخصمه لتحفيز الشخص ومكافأته على إيجابيته.
لو كنا نتحدث عن الإنتاجية وتحفيز الفرد لمزيد من العطاء -له شخصيا ولمجتمعه- أعتقد أن من يستحق النقاط ثلاث فئات رئيسة من العاملين المنتجين. الفئة الأولى تلك التي تمارس الأعمال الفنية المهارية اليدوية الجليلة، تلك الفئة التي تصنع للدبلوم قيمة، وتجعل العلم ممارسة محسوسة، وتمثل اختصاصها "العملي" بكل فخر. وهم كثر، موجودون من حولنا، ولكن مع الأسف تتم ترقيتهم للعمل الإداري بعد الخبرة الفنية، ويتم تقديرهم بإخراجهم من الورشة! وهذا تهميش نمطي يقتل القيمة التي يجيدون صنعها. مثل هؤلاء يستحقون مزيدا من النقاط التي تقول لهم: إن ما تقومون به هو ما يمنح الأمل للبقية، سواء كانت أعمالكم في مطبخ أو مصنع أو على طاولة صغيرة تمتلئ بالقطع الإلكترونية.
الفئة الثانية التي تستحق النقاط لا تبحث عنها ولن تهتم بها؛ ولكن، يجب أن "نضغط" عليهم قليلا للإفصاح عن الأعمال الرائعة التي يقومون بها. يمثل هذه الفئة في عالم الإنتاجية أصحاب الخبرات النشطاء الذين يقومون بعملية إعادة تدوير المعرفة بين الأجيال بشكل مستمر. هؤلاء يتحدثون عن الدروس التي يخوضونها وتجارب الفشل والنجاح وليس النجاح فقط. مثل هؤلاء يبتعدون عن الأضواء ولكنهم يهتمون بالشعلة الصغيرة التي يشعلها كل شاب. مثل هؤلاء يرتفعون بالمعرفة وينزلون مع ذلك لمن لا يملكها، يعرفون أن التواصل الفعال هو الحبل السري للتأثير السريع والرضا الداخلي لذا نجدهم يتقنون فنون الإرشاد والتوجيه في أعمالهم وخارج أوقات الدوام كذلك.
النموذج الثالث يدور حول شخص يستحق النقاط بكل جدارة، هو ذلك الذي يتحول إلى شخصية مختلفة إنتاجيا في فترة زمنية قصيرة وبطريقة ربما تكون مفاجئة. يتنبه مثل هذا فجأة إلى المحور الذي تدور حوله سعادته، وبطريقة ربما تكون درامية سريعة يبدأ في بناء العادات الجديدة وربما يغير مزيج أصدقائه في تلك المرحلة. يأتي قراره في مرحلة متأخرة -متأخرة في نظر البعض- أن يصحح مساره ويعوض الوقت الذي أهدره سابقا. دائما ما يتفوق ويوفق مثل هذا. تجده فجأة أصبح يهتم بمجال عمله بعد أن كان لا يهتم إلا بإجراءات الدخول والخروج، ويبدأ عندها كذلك باكتساب هوية جديدة في تخصصه يتحدث عنها ويستمتع بها. كثيرون حولنا أكملوا الدرجة العلمية بعد الوظيفة ومثلهم من أكمل كيانه الإنتاجي الشخصي في فترة لاحقة يستحق عطاؤه فيها الاعتراف والتقدير.
يشير وجود مثل هذه النقاط إلى جانبين: أولا، الاعتراف بما تحقق من عمل طيب، وثانيا مكافأة الشخص وتقدير ما قام به. ستكون الأعمال الإنتاجية الإيجابية موجودة دائما ولكنها لن تنتشر إلا بالتحفيز الذي يقوم على الاعتراف والتقدير المعلنين. اكتشاف وجود الأفكار الحسنة أو السلوكيات التي تستحق الانتشار شيء، ونشرها وترويجها وإعادة الاعتراف بها كسلوك أساس شيء مختلف تماما ويتطلب استراتيجيات مختلفة كذلك. هم يستحقون كثيرا من النقاط، سواء كانوا منتجين مهرة أو مختصين يتسمون بالكرم أو ممارسين للتغيير الإيجابي. والعبرة في الحقيقة ليست بوجود النقاط وإنما بوجود آليات الاعتراف والتقدير بهذه الأعمال الطيبة حتى نتأكد من أنها ستنتشر كما يجب وليست عبارة عن ممارسات نوعية محصورة دون أثر شامل محسوس.

 

إنشرها