Author

«مجنون الاختراعات» ضيف على القمة العالمية للحكومات

|

ما بين 12 و 14 شباط (فبراير) الجاري استضافت دبي القمة العالمية للحكومات التي حضرها نحو أربعة آلاف شخص من المسؤولين والإعلاميين والاقتصاديين والمبدعين من 139 بلدا، وكان لي شرف المشاركة فيها بدعوة كريمة من محمد عبد الله القرقاوي رئيس القمة، وزير شؤون مجلس الوزراء والمستقبل في دولة الإمارات الشقيقة.
كثيرة هي الفعاليات والجلسات والندوات التي عقدت على هامش القمة، لا يتسع المجال للحديث عنها كلها. غير أن جلسة الحوار التي استأثرت بأكبر قدر من الاهتمام والحضور كانت تلك التي حاور فيها الوزير القرقاوي إيلون ماسك Elon Musk، وهذا الأخير مليادير من أصول جنوب إفريقية، ويحمل الجنسيتين الكندية والأمريكية، وتطلق عليه ألقاب كثيرة مثل "عاشق المستحيلات" و"الرجل الحديدي" و"الطامح لتحسين الكون وحل مشاكل المجتمعات البشرية"، و"مجنون الاختراع والابتكار"  و"المهووس بالفضاء وكائناته".
كثيرون سمعوا باسم هذا العبقري، الذي يذكرنا بنوابغ الغرب القدامى الذين وقفوا وراء مخترعات أو نظريات أسهمت في إسعاد سكان كوكب الأرض من أمثال آينشتاين، وفورد والأخوين رايت، وأديسون، وماركوني، وكاريير، وغيرهم. لكن هناك من لم يسمع به ولا يعرف أنه مهندس ومخترع ورجل أعمال، درس الفيزياء والاقتصاد وإدارة الأعمال في كندا والولايات المتحدة، وكان على وشك مواصلة دراسته في جامعة ستانفورد الأمريكية العريقة لنيل درجة الدكتوراه، لكنه آثر أن يحقق طموحاته من خلال العمل في حقل الإنترنت وعوالم الفضاء الخارجي والطاقة المتجددة، ليصبح خلال سنوات قليلة ــــ بفضل طموحه وذكائه وعبقريته وعدم اعترافه بالمستحيلات ــ مؤسسا ومديرا تنفيذيا لعدد من الشركات المعروفة على مستوى العالم مثل شركة باي بال PAYPAL التي أوجدت خدمات الدفع عبر الإنترنت وخدمة التبادل النقدي، وشركة سبيس إكس SpaceX التي تقوم بتصنيع المركبات الفضائية وصواريخ الفضاء وتزودها بأحدث المعدات التكنولوجية وتتعاون مع وكالة ناسا لتقديم الخدمات المختلفة لمحطة الفضاء الدولية، ناهيك عن شركة تسلا موتورز Tesla Motors المنتجة للمركبات الكهربائية بالتعاون مع شركة تويوتا اليابانية.
وإيلون ماسك، من ناحية أخرى مبتكر بعض الأنظمة والتكنولوجيات المساهمة في رفاهية البشرية مثل نظام النقل العالي السرعة المعروف باسم "هايبرلوب" Hyperloop، وهو نظام لنقل الركاب بين مدينتين في فترة زمنية قياسية عبر دفعهم بسرعة عالية في أنابيب الضغط المنخفض، وهم جالسون على وسائد هوائية.
ولأن الرجل لا يزال يحير العالم بأفكاره الغريبة، ولأن في جعبته كثيرا من الأحلام التي تشبه روايات الخيال العلمي، فقد دعاه منظمو القمة العالمية للحكومات لحضور قمة العام الماضي، لكنه اعتذر بحجة أن ليس لديه متسع من الوقت لأنه مشغول بالصين، التي باتت تتفوق على الولايات المتحدة لجهة استخدام منتجات الرجل من المركبات الكهربائية بدليل بلوغ مبيعاتها الرقم 600 ألف مقابل 300 ألف في الولايات المتحدة في عام 2016. على أنه وافق هذا العام على الحضور والمشاركة في القمة المذكورة عبر منصة حوارية ليدلي بدلوه عما سيواجه العالم مستقبلا من متغيرات تكنولوجية. في حواره مع القرقاوي الذي امتد لنحو ساعة، أفصح ماسك عن أسلوبه في توظيف من يعملون معه فقال إنه يكتفي بسؤالهم سؤالا واحدا هو: "حدثني عن أصعب مشكلة واجهتها في حياتك وكيف تغلبت عليها؟"، موضحا أن طريقة إجابة المتقدم لشغل الوظيفة عن هذا السؤال هي وحدها التي تقرر صلاحيته من عدمها، فإن خاض في تفاصيل كثيرة لا داعي لها فهو لا يصلح والعكس صحيح.
كما أفصح الرجل عن بعض ما يشغله في الوقت الحاضر ويحاول إنجازه قبل أن يموت على كوكب آخر غير كوكب الأرض الذي ولد عليه، مثل كوكب المريخ الذي سيكون متاحا أمام سكان الأرض للسفر إليه والإقامة فيه خلال أقل من قرن واحد، طبقا له. وقال ما مفاده أن أكثر ما يشغله هو إيجاد حلول لواحدة من أهم المشكلات التي يواجهها البشر يوميا في المدن الكبيرة، وهي مشكلة الازدحام المروري المفسد للبيئة والموتر للأعصاب والهادر للوقت. وفي هذا السياق رأى أن الحل يكمن في بناء أنفاق تحت الأرض بعدد من الطوابق يراوح بين 20 و 50 طابقا على نحو ما ينوي القيام به في العاصمة الأمريكية "واشنطن دي سي"، مضيفا أن التحديات المرتبطة بمثل هذا المشروع تشتمل على السرعة والأمان والنفقات.
من جانب آخر، تطرق ماسك إلى ما ينتظر العالم من تطورات تكنولوجية ستغير حياة المجتمعات بشكل جذري، فأشار إلى السيارات ذاتية القيادة الأكثر أمانا وصارت أمرا واقعا، لكنها تحتاج إلى نحو عقدين أو أكثر للانتشار وسحب البساط من تحت أقدام السيارات التقليدية. وقد برر تأخر انتشارها بضرورة إيجاد تشريعات مرورية وتأمينية جديدة، وإعادة تخطيط الطرق والإشارات، وإحداث ثورة توعوية في المفاهيم السائدة حول متعة القيادة والتحكم الشخصي في أجهزة السيارة. وبطبيعة الحال لم يغب عن الرجل أن يشير إلى أهم أثر سلبي لهذا الاختراع الجديد،  وهو تسببه في حدوث نسبة بطالة عالية في صفوف من يمتهنون القيادة كوسيلة لكسب العيش، الأمر الذي يستوجب إيجاد حلول للمشكلة من الآن.
تحدث ماسك أيضا عن الذكاء الصناعي Artificial Entelligence وحذر المسؤولين والحكومات من خطورته، وطالب الباحثين بعدم الانجراف المبالغ وراءه لأنه قد يخرج الأمر من أيديهم فلا يتمكنون من التحكم فيه. وتحدث عن السيارات الكهربائية ومستقبلها في منطقة الخليج فقال إن شركته "تسلا" ستستثمر عشرات الملايين من الدولارات في الإمارات في مشاريع تتعلق بوسائل التنقل الكهربائية، وأكد أنه بحلول عام 2018 سيتمكن المقيمون في دول مجلس التعاون من التنقل بمركبات كهربائية على نحو ما يحدث في دول أخرى.

إنشرها