default Author

صدمات المال العام «1 من 2»

|

من المهام الرئيسة المنوطة بالحكومة في إدارة مواردها العامة أن تضع التنبؤات حول كيفية تطور الإيرادات والنفقات الحكومية وعجز المالية العامة ووضع الدين العام مع مرور الوقت. وإذا تسلح صناع القرار بهذه المعلومات سيكون بوسعهم تحديد ما إذا كانت الحاجة تستدعي إدخال تعديلات في السياسة الضريبية وسياسة الإنفاق للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي.
غير أن التجارب الأخيرة تشير إلى أن الموارد العامة كثيرا ما تتطور على نحو غير متوقع. فالأحداث المعاكسة غالبا ما تتسبب في ارتفاع عجز الموازنة وزيادة الدين العام أكثر من المتوقع. بعبارة أخرى، فإن الموارد العامة قد تهددها "مخاطر المالية العامة" ــــ وهي أحداث قد تتسبب في انحراف نتائج المالية العامة عن التوقعات أو التنبؤات. وقد تنشأ هذه المخاطر عن تطورات الاقتصاد الكلي غير المتوقعة كتباطؤ النشاط الاقتصادي أو تحقق "الالتزامات الاحتمالية" ــــ وهي التزامات ناجمة عن حدث غير مؤكد. وقد تكون هذه الالتزامات إما التزامات صريحة لها طابع قانوني مثل ضمانات القروض الحكومية للمزارعين عند فشل المحاصيل أو التزامات ضمنية، ولا يوجد نص في القانون على توقعات المواطنين بشأن مسؤولية الحكومة مثل، إنقاذ المصارف بعد وقوع أزمة مالية.
ويمثل تحقيق فهم أعمق لمخاطر المالية العامة وكيفية إدارتها مطلبا جوهريا إذا ما رغبت البلدان المعنية في تجنب حدوث زيادات كبيرة وغير متوقعة في الدين العام تخرج سياسة المالية العامة عن مسارها.
مخاطر المالية العامة
لدراسة حجم وطبيعة مخاطر المالية العامة التي تعرضت لها البلدان، أجرى صندوق النقد الدولي مسحا شاملا عام 2016، لبحث "صدمات المالية العامة" ـــ أي النقطة التي تصبح مخاطر المالية العامة عندها واقعا وتؤثر في الموارد العامة ــــ على مستوى الدين الحكومي في 80 بلدا على مدار ربع القرن الماضي. وقد أكدت نتائج المسح أن صدمات المالية العامة كبيرة ومتكررة، مع تعرض البلدان لصدمة معاكسة قدرها 6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي مرة كل 12 عاما في المتوسط، وحدث كبير ــــ يكلفها أكثر من 9 في المائة من إجمالي الناتج المحلي ـــ كل 18 سنة في المتوسط. ونظرا لأن هذه الأرقام مجرد متوسطات فقد يختلف حجم ومدى تواتر هذه الأحداث اختلافا كبيرا من بلد إلى آخر.  هناك عدد من الأسباب وراء صدمات المالية العامة. وطالما كان أكثرها ضررا نوبات الهبوط الحادة في النمو الاقتصادي "صدمات الاقتصاد الكلي" وعمليات إنقاذ القطاع المالي، بمتوسط قدره 9 في المائة تقريبا من إجمالي الناتج المحلي لكل حدث. لكن المطالبات القانونية ضد الحكومة، وعمليات إنقاذ المؤسسات المتعثرة المملوكة للدولة، والمطالبات من الحكومات دون المركزية مثل حكومات الأقاليم أو الولايات أو المدن، فرضت كذلك تكاليف كبيرة على المالية العامة بلغت في المتوسط نحو 8 في المائة، و3.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، على التوالي. ورغم أن تكلفة الكوارث الطبيعية تبلغ في المتوسط نحو 1.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، فإن هذه الأحداث تتكرر أكثر وتأثيرها أكبر بكثير بالنسبة للبلدان المعرضة للكوارث. وفي بعض الحالات، كانت التكلفة على المالية العامة أكبر كثيرا، مثلما كان الحال بعد زلزال إقليم كانتربري في نيوزيلندا عام 2010، الذي بلغت تكلفته نحو 5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، والتكاليف التي بلغت 4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي بعد زلزال شرق اليابان الكبير في عام 2011. وإضافة إلى الصدمات الاقتصادية الكلية، جاءت أغلبية صدمات المالية العامة من الالتزامات الاحتمالية الضمنية وليست الصريحة.
ورغم تواتر وتكلفة مخاطر المالية العامة فهي غير مفهومة ولا يتم التعامل معها على النحو السليم. وعلى سبيل المثال، لا تنشر الميزانيات العمومية ، التي تعرض تفاصيل الأصول والخصوم، إلا في ربع البلدان تقريبا التي شملها المسح، وفي حالات كثيرة لا تكون مكتملة. وينشر عدد أقل قليلا من ثلث هذه البلدان تقديرات كمية لتأثير مثل هذه التغييرات في المتغيرات الاقتصادية الكلية - مثل سعر الصرف والتضخم ـــ في الموارد العامة، وأقل قليلا من خمس هذه البلدان ينشر بيانات الالتزامات الاحتمالية مع قياسات لحجمها.
الممارسات الفضلى
ينبغي أن تتوصل الحكومات إلى تفهم كامل لحجم المخاطر المحيطة بماليتها العامة ووضع استراتيجيات شاملة لإدارتها. وينطوي ذلك على القيام بعملية من أربع مراحل لتحديد المصادر المحتملة لمخاطر المالية العامة وتقييم تأثيرها المحتمل في الموارد العامة، وتقدير ما إذا كان ينبغي اتخاذ إجراءات للحد من التعرض لهذه المخاطر على المالية العامة، واتخاذ القرارات بشأن إمكانية رصد التمويل اللازم في الموازنة لمواجهة المخاطر التي لا يمكن التخفيف من حدتها، وتحديد ما إذا كانت الحاجة تستدعي توفير هامش أمان أكبر في هيئة تخفيض الدين العام لاستيعاب المخاطر جزئيا أو كليا التي يتعذر رصد التمويل اللازم لها في الموازنة أو التخفيف من حدتها. ويمكن لهامش الأمان الأكبر أن يسمح للبلدان باستيعاب معظم الصدمات السلبية التي تتعرض لها الموارد العامة دون زيادة الدين بدرجة تتجاوز المستويات المرغوبة.
تحديد مخاطر المالية العامة وقياس حجمها
وهذا ينطوي على تحديد رقم لحجمها، وحيثما أمكن، تقدير احتمالات حدوثها. فعلى سبيل المثال، تستخدم شيلي وكولومبيا وبيرو نماذج محاكاة لوضع تقديرات للالتزامات الاحتمالية المصحوبة بضمانات تحقيق الحد الأدنى من الإيرادات للمقاولين من القطاع الخاص في إطار ترتيبات الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وتضع السويد تقديرات لضمانات الأسعار على أساس بيانات السوق وتسعير عقود الخيار، وعلى أساس نماذج المحاكاة. وعندما يتعذر تماما تحديد حجم المخاطر، يمكن تصنيفها إلى فئات "محتملة، وممكنة، ومستبعدة، على سبيل المثال" استنادا إلى أحكام تقديرية بشأن احتمالية حدوثها.
التخفيف من مخاطر المالية العامة
يشير تنوع مجموعة الصدمات المحتملة إلى عدم وجود حل سحري يوفر الحماية للموارد العامة وأنه تتعين الاستعانة بمجموعة من الأدوات. ويعتمد اختيار الأدوات على طبيعة المخاطر، والمفاضلة على أساس التكلفة والعائد بين التخفيف من حدتها واستيعابها، وعلى القدرات المؤسسية.

إنشرها