Author

ماذا يجري في السويد؟

|
أستاذ جامعي ـ السويد

بين الفينة والأخرى تصبح السويد محط أنظار العالم. وفي أغلب الأحيان، تصبح السويد مادة إعلامية على مستوى الدنيا بإنجازاتها العلمية وصناعتها وشركاتها وتكنولوجيتها الفائقة التطور.
بيد أن هذا البلد الإسكندنافي الذي قلما تشرق فيه الشمس لبرودته وأمطاره وثلوجه الغزيرة، قد كسب قلوب وعقول الناس بإنسانيته.
السويد تستقبل أكبر عدد من المهاجرين وتوطنهم وتمنحهم كامل حقوق المواطنة مقارنة بأي بلد آخر في العالم إن أخذنا نسبة السكان في عين الاعتبار.
ولكن يبدو أن البعد الإنساني للسويد في طريقه إلى أن يصبح في خبر كان. المهاجرون أو الأجانب الذين تستقبلهم السويد وتقوم بتوطينهم لم يعودوا يحصلون على الترحاب والكرم الذي كان سمة بارزة لهذا البلد.
والفضل في كشف عورات السويد في طريقة تعاملها مع المهاجرين والأجانب يعود لزلة غير مقصودة للرئيس الأمريكي دونالد ترمب. في إحدى خطبه قال: "انظروا ما يحدث في السويد". الحكومة السويدية والناطقون الرسميون باسمها رفضوا هذه العبارة، مؤكدين أن الحياة في السويد لا تشوبها شائبة ولا سيما بقدر تعلق الأمر بحياة ومعيشة وطريقة التعامل مع اللاجئين والأجانب الذين يقدر عددهم بنحو مليون شخص في بلد تعداده تسعة ملايين نسمة.
ولم يتفق السويديون، وعلى الخصوص التيار اليميني المتطرف وذراعه الإعلامية الضاربة، مع طرح حكومتهم.
كان موقف الحكومة مناسبة له لإظهار، حسب وجهة نظره، أن الأمن والأمان مفقود في السويد، وأن حوادث القتل والاغتصاب والسرقة ونسبة الجرائم وصلت إلى مستويات غير مقبولة.
وذهب هذا التيار إلى القول إن مدننا كبيرة مثل مالمو وأحياء شاسعة في كل من ستوكهولم وكوثنبرك، ثاني مدينة في السويد وأكبر مركز صناعي فيها، صارت تقريبا خارج نطاق سيطرة الشرطة، وأن الوضع متأزم فيها حالها حال بعض الأحياء في مدينة شيكاغو الأمريكية.
ويبدو أن القدر كان في جانب ترمب والتيار اليميني.
ولم تمض 48 ساعة على مقولة ترمب حتى اشتعل العنف في أحياء محددة في مالمو يقطنها المهاجرون والأجانب أدى إلى إحراق السيارات وحوادث عنف أخرى.
المحافظون وإعلامهم في الغرب اتخذوا من الحدث في مالمو فرصة لتأكيد أن الغرب في خطر بسبب ما يقوم به المهاجرون. وفي السويد رأى اليمين المتطرف في الأحداث فرصته الذهبية لتعبئة الناس ضد المهاجرين.
اليمين السويدي "حزب الديمقراطيين السويديين" اليوم صار قوة لا يستهان بها. هذا الحزب المتطرف هو اليوم ثاني حزب من حيث المقاعد في البرلمان وهو ما يمكنه من إيقاف بعض التشريعات.
هذه المقدمة الطويلة بعض الشيء لا بد منها كي نفهم ما يحدث في الغرب برمته الآن وليس أمريكا فحسب.
ولاستيعاب ما يحدث من أمر خطير، سأحاول وضعه تحت المجهر العلمي ــــ أي تقديم بعض التنظير لتفسير هذه الظاهرة التي يرى فيها اليمين الغربي المتطرف أن آفة الإنسانية هم هؤلاء المهاجرون، وأنهم يشكلون أكبر خطر يواجهه الغربيون للحفاظ على حضاراتهم ومدنيتهم وتطورهم وطريقة حياتهم.
الإنسان يفقد عقله عندما ينسب كل مشكلاته إلى الآخرين ويعتقد أن حلها يكمن في إلغائهم أو محاربتهم. إلقاء اللوم على الآخر هو الطريق الذي يؤدي إلى الكراهية، وهي آفة إن أصابت قوما أهلكتهم.
هناك نمو مطرد للكراهية وإلغاء الآخر في الغرب. المشكلة أن الآخر حتى الآن هم المسلمون. ولكن المضي في هذا الطريق ــــ أي طريق الكراهية ــــ يوقع أصحابه في فخ من الصعوبة الإنفكاك منه.
اليوم ليس المسلمون فقط يخشون على حياتهم وأنفسهم في الغرب. اليهود ولأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية خائفون ومرتعبون للزيادة الكبيرة في العنف ضدهم، خطابا وممارسة. تتعرض المقابر اليهودية وأماكن العبادة إلى ممارسات لم تكن في الحسبان سابقا. أما خطاب الكراهية ضدهم فقد وصل إلى مستويات غير مسبوقة.
الكراهية لا تولد الكراهية في الطرف الآخر وحسب، بل تحتل صاحبها وتجعله أسيرا لها. بدلا من الانفكاك من قيدها، تلف قرونها حول رأسه ولا يستطيع التفكير خارج نطاقها. الكراهية التي يروجها اليمين لم تعد تعرف أي حدود. في السويد مثلا يصبح الأجنبي والمهاجر مكروها اليوم بسبب لون شعره وعيونه واسمه مهما كان دينه.
لو تقدم إلى عمل شخص اسمه "كارلسون" وآخر "عماد"، لحصل كارلسون على العمل بغض النظر عن الاستحقاق والأهلية والجدارة. هذه الحالة تم تثبيتها من خلال أبحاث ودراسات أكاديمية.
كلما مضى اليمين في تطرفه وزاد من كراهيته، زادت مساحة وساحة وعدد الذين يراهم مختلفين عن نهجه ولونه وسياقه وميوله وضمهم إلى المجموعة البشرية التي يراها خطرا عليه. وهناك مسألة الأطر الخطابية. انظر مثلا كيف أن الكراهية تطفح من اليمين المتطرف في الغرب، ولكن حتى الآن لم يجرؤ أي إعلامي أو وسيلة إعلامية على توصيفه بالتطرف أو الإرهاب.
لم ألحظ استخدام الأطر الخطابية الجاهزة التي أحيانا يتم تعميمها ضد العرب والمسلمين مثل radical, extremist, terrorist. أقصى حدّ يذهبون إليه هو إطلاق تسمية ultra-right على بعض مجموعاتهم.
هذا كان تنظيرا مبسطا حاولت فيه شرح وتفسير ما يجري في السويد.إن كانت السويد في طريقها كي يخطفها اليمين المتطرف، فاعلم أن العالم والإنسانية برمتها أمام معضلة كبيرة.

إنشرها