ثقافة وفنون

دروب

دروب

يعروني ذهول، كلما فكرت بالدروب التي تشكلها الحياة في داخلي وفي الأكوان من حولي. وأبدأ أول ما أبدأ بجسدي، وهو ما بان مني لناظريّ، وأنظار غيري من الكائنات الحية في الأرض، فيدهشني من هذا الهيكل العجيب أنه شبكة هائلة ومحكمة الصنع من الدروب المتواصلة المتقاطعة التي لا تنفك مكتظة بسالكيها في كل لحظة من وجودي. فلكل نسمة هواء أتنشقها، ولكلّ قطرة ماء اشربها، ولكل لقمة طعام أبتلعها دروب إلى جسدي وفيه ومنه. وأما تلك الكريات التي منها يتألف دمي، سواء أحمرها وأبيضها، فلا تسل عن الدروب وللحرارة دروب. وكذلك للمرض والعافية وللتعب والراحة... ولكل فكرة وشهوة، وكل حركة وسكنة من حركاتي وسكناتي. وهل عيناي وأذناي ويداي وأنفي وفمي دروب يسلكها العالم الخارجي إلى داخلي فتنطبع في ذهني أشكاله وألوانه، وأصواته وملامسة، وروائحه وطعمه؟ فإذا بي أستأنس، وأنفر من بعضها". إذا كان للأمم الحية أن تزدهي بكتابها وشعرائها، وأن تباهي بعباقرتها وفلاسفتها ومفكريها، فقد حق لنا نحن أبناء الأمة العربية أن نضع ميخائيل نعيمه في رأس مفاخرنا الروحية والأدبية في هذا العصر.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون