Author

نعم .. لبيع حصة من «أرامكو» «1»

|

منذ الإعلان عن التوجه لبيع (حصة/ أسهم) من شركة أرامكو أصبح هذا الموضوع حديث الكل من المجتمع المحلى إلى الصحف العالمية، وحلل وتكلم فيه الاقتصادي والمالي والسياسي والقانوني كل بحسب علمه حتى الذي لا تخصص له تكلم فيه وأفتى، ومع الأسف أغلبية من تكلموا لا علم لهم بأساسيات الطرح وكيفيته بل أغلبية الحديث كان بجانب عاطفي لحب الوطن، وفيه جانب صحي من ناحية إتاحة الفرصة للجميع ليتكلم، لكن الفصل في هذا الموضوع نشر الحقائق من المصدر الرسمي. وحديثي هنا لن يخرج كثيرا من مساحة الحديث دون امتلاك إجابة رسمية عن بعض الحقائق والأرقام عن الشركة، لكن سأتناول هذا الموضوع من زاويتين، وكل زاوية في مقال منفصل أتمنى أن تفيد القارئ والمسؤول أولا.
النقطة الأولى قضية البيع وما سوف يباع وما فائدته أو ضرره؟ أتفق مع الرأي أن البيع لن يشمل ملكية ما تحت الأرض بل حق امتياز التنقيب والاستخراج وأصول الشركة العادية، والسبب أن هذا هو التطبيق الأغلب في العالم ولن تخرج "أرامكو" من هذا السياق والفرق بينهما كبير جدا من الناحية القانونية، أما إيجابيات البيع وسلبياته فمن وجهة نظري أن الإيجابيات تغلب السلبيات لكن "بشروط"، وهذه الشروط هي ما سأتكلم عنها في الجزء الثاني من هذا المقال. من الإيجابيات رفع درجة الحوكمة في الشركة عندما تتحول إلى شركة مساهمة عامة، ورفع درجة الشفافية من خلال الإفصاحات اللازمة، وأخيرا من المفترض أن (يقل) الفساد عن طريق رفع الحصانة وكشف الأوراق للمساهمين حسب ما هو مسموح. وقد عبر البعض أن بالإمكان فرض جميع هذه الأمور من دون طرحها، وهو أمر ممكن حدوثه لكن بوجود شركة بهذا العمق والحجم والتاريخ قد يكون إحداث تغير بالطرق التقليدية أمرا صعبا.
بالنسبة لتقييم الشركة فمن الصعب معرفة قيمتها العادلة بسبب عدم وجود أرقام معلنة عن أصول الشركة ولا عن تكاليفها، وللعلم تدفع الشركة قيمة الامتياز بمقدار 20 في المائة وضرائب بنسبة 85 في المائة وهي عالية جدا مقارنة بشركات البترول حول العالم، وهو ما دفع بكثير من البنوك الاستثمارية حول العالم لتطلب من الحكومة تعديل نسبة الضريبة لتحقق معدل ربحية مقبول للمستثمرين، وفي الوقت نفسه يساعد تقييم الشركة ليرتفع، حيث تطمح الحكومة لتكون قيمة الشركة سوقيا ما يقارب تريليوني دولار أو ما يعادل 7.5 تريليون ريال وهو أمر مستحيل (في تصوري الشخصي) حصوله في ظل هيكلة رسوم الامتياز ونسبة الضرائب الحالية وأسعار البترول الحالية والمتوقعة، وهذا ما سوف يدفع في النهاية المسؤولين للتفكير في تغيير التكلفة ليتحسن التقييم. لذلك وفي ظل عدم وضوح التكاليف والمعطيات الأخرى من الصعب الوصول لتقييم جيد للشركة. ومن باب الاجتهاد، وجدت أن أفضل طريقة هي المقارنة بالشركات المماثلة عالميا وبالتحديد مع أكبر شركة بترول في العالم "مدرجة في الأسواق" وهي عملاق الصناعة الأمريكية أكسون موبيل (التي بالمناسبة هي واحدة من الشركات التي أسست "أرامكو" وكانت تملكها) وهي تنتج 5.3 مليون برميل في اليوم وبلغت إيراداتها في عام 2015 أكثر من تريليون ريال (وهو رقم أعلى بكثير من إيرادات «أرامكو»). هذه الشركة تبلغ قيمتها السوقية تريليونا وثلاثمائة مليار ريال ولو فرضنا (جزافا وبكل تأكيد غير دقيق) أن "أرامكو" تبلغ (ضعف) هذه الشركة فسوف يعني أن قيمتها نحو 2.6 تريليون ريال، وعليه ستبلغ قيمة ما سوف تبيعه الحكومة في الاكتتاب، وهو نسبة 5 في المائة، ما يعادل 130 مليار ريال فقط، وبهذا لا أتفق على أن تقييم الشركة سيبلغ 7.5 تريليون ريال ولا أتوقع أن يتحصل صندوق الاستثمارات العامة لما قيمته 100 مليار دولار أو 375 مليار ريال من الاكتتاب.
وكما نعلم ستضم الشركة إلى صندوق الاستثمارات العامة، ويعاد احتساب قيمة الصندوق بعد تحديد القيمة السوقية لها، وبذلك ستكبر قيمة الصندوق بالمقدار الذي تحدده السوق، وحسب التقديرات تبلغ أصول الصندوق أكثر من 600 مليار ريال، وتطمح "رؤية المملكة 2030" لرفع أصول الصندوق إلى سبعة تريليونات ريال بحلول 2030، ولذلك مساهمة قيمة "أرامكو" السوقية في أصول الصندوق كبيرة، لكنها لن تكون كافية للوصول لنحو هذا الرقم الضخم، حسب التقديرات أعلاه (وأنا أؤكد مرة أخرى أنها ليست دقيقة) ستسهم برفع قيمة أصول الصندوق من 600 مليار ريال إلى ما بين 2.5 تريليون وثلاثة تريليونات ريال كأقصى حد، وهو ما يعني أن هناك أربعة تريليونات ريال لا بد أن تتحقق خلال 12 عاما المقبلة. وأعتقد أن تخصيص المرافق الحكومية سيساعد لكن لن يكون كافيا إلا إذا تم تحويل ملكية السندات الدولية إلى الصندوق مباشرة، عندها سيحقق الصندوق جزءا كبيرا من هدفه.
ختاما، إن دخول "أرامكو" إلى ملكية صندوق الاستثمارات العامة سيجعلها تتعامل مع الصندوق (كرئاسة مجلس الإدارة) مباشرة وكذلك فيما يخص العوائد والأرباح والقرارات المهمة، وهذا تغيير مهم قانونيا وتشريعيا، ولم أجد من تحدث عنه وفصل في فوائده وسلبياته التي يختص بها القانونيون. في الأسبوع المقبل سأتحدث في الجزء الثاني من هذا المقال عن النقطة الأهم في موضوع بيع حصة "أرامكو"، وهي عما بعد البيع، وما الشروط اللازمة لتُحقق وتضمن عملية بيع حصة من "أرامكو" النجاح والفائدة المضافة للاقتصاد وللبلد؟

إنشرها