Author

ما بين حلفاء جدد وحلفاء متخاصمين

|
كاتب اقتصادي [email protected]

"التحالف مع الأقوياء ليس آمنا"
أفلاطون، فيلسوف إغريقي راحل

بينما لا يزل الغرب في حالة ارتباك من وصول دونالد ترمب إلى السلطة في الولايات المتحدة، لأسباب باتت معروفة للجميع، في مقدمتها، أن أولويات واشنطن تغيرت أو في طريقها إلى التغيير، وبعض الاضطرابات السياسية في الغرب نفسه، كان طبيعيا أن يدعو وزير خارجية روسيا لافروف إلى أهمية إنشاء نظام عالمي جديد! وكأن النظام العالمي الراهن قديم جدا، ولا يعود إلى أقل من عقدين من الزمن فقط. أما لماذا كانت دعوة لافروف طبيعية، فلأن روسيا لا تزال تعيش حالة "الانفراد" على الساحة الدولية، ليس من فرط قوتها، بل من تقاعس الغرب، بقيادة الولايات المتحدة نفسها عندما كانت في ظل إدارة باراك أوباما. الآن، أعلن ترمب بوضوح أن التحالفات العميقة والعتيقة لا تأتي في المرتبة الأولى، بل ربما هي في مراتب بعيدة عنها كثيرا.
من الواضح أن الغرب "بقيادة الاتحاد الأوروبي هذه المرة"، لم يكن مهيأ لأي تحولات بمستوى تلك التي تعتزم الإدارة الأمريكية الجديدة اعتمادها. وهذه نقطة ضعف أخرى، تؤكد أن هذه الكتلة الهائلة من البلدان والبشر، تفتقر في الواقع إلى "استراتيجية طوارئ" لمواجهة المتغيرات السياسية بل الاقتصادية أيضا، واعتمدت دائما على بدهيات العلاقة مع الولايات المتحدة، من خلال مفهوم ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي يستند إلى أن أمن الغرب من أمن الولايات المتحدة وبالعكس. كانت الكتلة الأوروبية "مخدرة" مشلولة القوى، في رحلة أوباما في الحكم، ولا تكفي أزمة ديون اليونان (مثلا)، ولا حتى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لتبرير هذا "الخدر" وذاك "الشلل".  والغريب أن الحكومات كانت مقتنعة بأن تحالفات الأمس لا يمكن أن تمس اليوم! إنها قناعة بائسة في زمن المتغيرات.
أمام هذا الواقع، اندفعت أوروبا إلى تقليل الأضرار المتوقعة من أي سياسة حمائية محلية قد تتبعها الولايات المتحدة في السنوات الأربع المقبلة على الأقل. فما يجري على الساحة العالمية حقيقي بالفعل، وليس مجرد بالونات سياسية، أو شعارات فارغة، أو مناورات إعلامية لا قيمة لها. ومن هنا يمكن فهم إقدام الاتحاد الأوروبي على اختصار الزمن لعقد قمة بينه وبين الصين، هذا البلد الموجود حاليا على رأس قائمة البلدان المستهدفة من قبل إدارة ترمب اقتصاديا. ماذا يريد الاتحاد من الصين؟ يريد ببساطة تسخير دعمها العلني. كيف لا والقيادة الصينية لم توفر مناسبة إلا أكدت فيها أنها تريد "أوروبا قوية". هذا الخطاب الصيني ظهر في الواقع، حتى قبل أن تطفو على السطح حقيقة سياسات ترمب المزمعة.
 أوروبا تتجه إلى إنشاء تحالف ما مع الصين في وجه التوجهات الأمريكية، وأيضا ضد الأمنيات والغايات الروسية. فهي تعلم أن الصين كقوة اقتصادية بوزنها السياسي الدولي يمكن أن تعدل الكفة إذا أنتجت سياسات ترمب ما لا تحمد عقباه، دون أن ننسى، أن أوروبا نفسها "تستصغر" حالها، لأن ما تملكه "حتى في ظل وضعها السياسي الإقليمي الراهن"، يمكن أن يوجد التوازن المطلوب. وضعفها الراهن ليس من خارجها بل من داخلها، شعبوية متنامية، حكومات مهزوزة، افتقارها إلى قيادات سياسية فاعلة، كتلك التي مرت عليها في أعقاب الحرب العالمية الثانية. كل هذه عوامل تسهم في الاضطراب الأوروبي، لكنها لا تلغي حقيقة قوة هذه القارة اقتصاديا وسياسيا، على الرغم من كل المؤثرات السلبية الراهنة.
لا شك أن رفع مستوى التعاون بين الاتحاد الأوروبي والصين، يسهم في توازن المشهد العام، خصوصا أن ترمب نفسه استهدف بلدا كالصين وبعده مباشرة استهدف ألمانيا بمواقف اقتصادية مخيفة، في مقدمتها الاتهامات بخفض قيمة عملتي البلدين. ناهيك عن مطالباته التي لم تتوقف منذ يوم القسم، بضرورة رفع المساهمة المالية الأوروبية في حلف شمال الأطلسي (الناتو). الاندفاع الكندي الواضح والصريح  يسهم أيضا في الرد على ترمب، فرئيس وزراء هذا البلد أعلن صراحة، بعد ساعات من انتهاء زيارته لواشنطن، أن "على كندا والاتحاد الأوروبي قيادة الاقتصاد العالمي". ففي محادثته مع ترمب، لم يجد بارقة أمل واحدة لتغيير في المفهوم "الترمبي" للعلاقات الاقتصادية الدولية، خصوصا بين بلاده وحلفائها.
نحن نعيش تحولات دراماتيكية حقيقية، ليس فقط بسبب السياسات الأمريكية الجديدة، ولكن أيضا من جهة اتجاه التحالفات التي قيل يوما إن شيئا لا يمكنه النيل منها. ستكون هناك مواقف روسية مهللة لهذه التحولات، لأن الصين نفسها وجدت أنها أقرب "بمفاهيمها الحالية المتجددة" إلى الاتحاد الأوروبي منها إلى موسكو. دون أن ننسى، أن هذه الأخيرة لا تمتلك في الواقع استراتيجية واضحة يمكن الاستناد إليها، وهي تقوم بما يمكن وصفه بـ "الصيد غير المناسب، في الأوقات المناسبة"! الأشهر القليلة المقبلة، ستشهد متغيرات حقيقية، كانت حتى وقت قريب جدا، بعيدة عن أي احتمالات. 
 

إنشرها