Author

النظرة القاتلة

|

تعرفت على زميل مبتعث أثناء دراستي في الولايات المتحدة. جمعتنا نحو أربع سنوات جميلة معا في بلاد الغربة. كان قريبا جدا وصديقا للغاية. أذكر أنني سألته قبل أن يقفل عائدا إلى الوطن: ما أكثر شيء ستفقده هنا؟ توقعت أنه سيحك رأسه، ويفكر طويلا، أو يطرح على مسامعي قائمة بالأشياء التي سيفتقدها، ظننت أنه سيطلب مني مهلة للإجابة عن هذا السؤال، لكنه أجابني على جناح السرعة بلا تردد: عدم تحديق الناس في وجه ابني.
فابنه الصغير خالد تعرض لحرق في وجهه أدى إلى تشوهه، وقد عانى كثيرا عندما كان يخرج معه إلى الأسواق في الوطن. الكل يحدق ويمعن ويطيل النظر في وجهه كأنه مخلوق فضائي، مما سبب له كثيرا من الحنق والغضب والضيق. في حين فوجئ أبو خالد في بلاد الغربة بعدم إطالة هؤلاء الغرباء النظر في وجه ابنه.
لاحظت شخصيا في عديد من الدولة الغربية أن شعوبهم لا يطالعون الشخص الذي يعاني أي مشكلات أو تحديات مرتين احتراما وتقديرا، بينما مع الأسف في مجتمعاتنا العربية يواجه ذوو الاحتياجات الخاصة على سبيل المثال تحديات جسيمة، نطالعهم 30 مرة، نراقبهم ونحدق في وجوههم وأجسادهم كأننا نشاهد فيلما، هذه السلوكيات الفظة التي تخلو من الاحترام هي التي جعلت كثيرا من ذوي الاحتياجات الخاصة يلزمون منازلهم، يموتون قبل الموت.
درست في أمريكا وأوروبا، وانبهرت بالدور الحيوي والرئيس الذي يلعبه ذوو الاحتياجات الخاصة، ووجودهم في كل مكان، وحزنت على وضعهم في بلادي. نعم هناك حالات بديعة في وطننا العربي، لكنها تعاني الأَمَرَّين، وتواجه تحديات يومية مقارنة بأقرانهم في الخارج، تفترسهم نظرات الفضول والشفقة والخدمات المتواضعة الموفرة لهم.
قبل أن أطالب بخدمات تليق بهم، أطالب باحترامهم عبر الكف عن مطاردتهم بنظراتنا المفترسة.
النظرة أشد وقعا من الكلام أحيانا. تصرعك وترديك قتيلا.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها