FINANCIAL TIMES

تفضيل بنك جولدمان يهدد باحتلال واشنطن

تفضيل بنك جولدمان يهدد باحتلال واشنطن

كان بيتر ناجي متعبا ويشعر بالألم وشفتاه متشققتان، لكن بعد أن نام في حقيبة على مدى ليلتين، على بعد بضع أقدام من الأبواب الدوارة للمقر الرئيسي لبنك جولدمان ساكس، كان مستعدا ليوم آخر من النشاط.
ناجي، الذي يبلغ من العمر 29 عاما، كان من بين مجموعة من المتظاهرين يزيد عددهم على 20 شخصا معسكرين عند الركن الجنوبي الشرقي لمقر بنك جولدمان ساكس جنوب مانهاتن صباح يوم الخميس.
بعضهم كان يلوح بأعلام كتب عليها "ساكس الحكومة"، وكانوا يضايقون الموظفين؛ وآخرون كانوا يرتدون قبعات خضراء ضخمة، للسخرية من تعهد ترمب أثناء الحملة الانتخابية بـ "تنظيف المستنقع".
كانوا جميعا هناك الاحتجاج على قائمة طويلة من التعيينات لأشخاص على علاقة ببنك جولدمان في مناصب رفيعة ضمن فريق الرئيس المنتخب.
ناجي، الذي يعمل منظما للإسكان، قال إنه يشعر بالقلق من أنه في ظل الرئيس الجديد فإن من الممكن أن تكون قبضة وول ستريت على واشنطن أقوى من أي وقت مضى، في وقت يتمتع فيه بنك جولدمان باندفاع في الأرباح.
وقال: "المؤسسات المالية الأمريكية التي تزداد في حجمها وأهميتها تعمل على تدمير الاقتصاد. وهي تعمل على تدمير الوظائف، وتركز الثروة في أيدي أعلى الناس في مجتمعنا. ترمب كان يقول إن جولدمان ساكس وول ستريت لهما تأثير مكثف على الحكومة، ثم تحول ليقول إنهما من الناحية الحرفية يعملان على تدمير الحكومة".
مرت فترة لا بأس بها منذ أن كان بنك جولدمان يوصم بأنه شرير بالمعنى الحقيقي للكلمة. منذ الأزمة المالية، حين أصبح رمزا لتجاوزات وول ستريت – حيث أبقي على قيد الحياة بفعل مبالغ الإنقاذ الحكومية، ثم تعرض لعدد لا يحصى من القضايا القانونية في المحاكم بسبب ادعاءات بارتكاب مخالفات – عمل البنك أقصى ما في وسعه للابتعاد عن المشاكل.
على سبيل المثال، لم يعد لويد بلانكفاين، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي، يلقي تعليقات زلقة عن "القيام بالعمل نيابة عن الملائكة".
بدلا من ذلك، أصبحت النغمة جدية. يروج البنك لرعايته لمبادرات تساند المرأة والشركات الصغيرة. ويتحدث كثيرا عن "الاستثمار المؤثر" – بمعنى دعم الأصول التي تعطي منافع اجتماعية أو بيئية يمكن قياسها، إلى جانب إعطائها عوائد مالية.
في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، كان البنك واثقا من نفسه إلى درجة أنه أطلق مشروعه للإقراض الذي يركز على المستهلكين عبارة "ماركوس من جولدمان ساكس"، بدلا من مجرد الاكتفاء بكلمة ماركوس كما كان يعتزم في البداية، حيث رأى البنك أن علامته التجارية لم تعد ملوثة.
غير أن الجدل بشأن تعيينات ترمب أعاد البنك إلى الأضواء في وقت يتطلب عناية شديدة. على مدى عقود كان بنك جولدمان هو المؤسسة التي يذهب إليها الأغنياء والأقوياء، حيث كان يركز على أعمال الوساطة للصفقات الضخمة وجمع مبالغ هائلة من المال.
خلال السنة الماضية وجه البنك جهوده إلى وول ستريت، حيث كان يزود منتجات بسيطة من حسابات القروض الادخار، في محاولة للتعويض عن الجهود المؤدية إلى استنزاف الإيرادات والناتجة عن القواعد الجديدة التي أقرت منذ الأزمة.
من هذا الجانب، الأضرار التي تصيب السمعة يمكن أن تسبب أذى كبيرا أكثر من القواعد الجديدة. ستيفن منوتشين، الذي اختاره ترمب ليشغل منصب وزير الخزانة، حاول هذا الأسبوع أن ينأى بنفسه عن البنك خلال جلسة تثبيته الطويلة في الكونجرس.
منوتشين أمضى 17 عاما في بنك جولدمان، متبعا خطى والده، وهو متداول مشهور يعرف باسم "المدرب". بعد ذلك أعاد اختراع نفسه ليصبح مديرا لأحد صناديق التحوط، ومنتجا سينمائيا، وفي الفترة الأخيرة رئيسا لمجلس إدارة OneWest Bank في باسادينا.
وقال: "أعتبر نفسي مصرفيا إقليميا، وليس من بنك جولدمان ساكس."
يقول العارفون بشؤون بنك جولدمان إنهم لا يرون بأسا في أن يتحول كبار الموظفين في البنك للعمل في المناصب الرفيعة في واشنطون. في مقابلة مع "نيويورك تايمز" في الأسبوع الماضي، قال بلانكفاين إنه إذا كان هناك طلب كبير على التنفيذيين في الخدمة العامة، فإن السبب في ذلك هو أنهم يتمتعون بالموهبة والجد في العمل، ويتحملون أن تنخفض رواتبهم. وقال إن كثيرا من الناس يغادرون البنك في أواخر الأربعينيات أو أوائل الخمسينيات من عمرهم ليردوا بعض الجميل.
وهناك مثالان جيدان على ذلك، وهما هانك بولسون وروبرت روبين، وكلاهما كان رئيسا لبنك جولدمان (بولسون كان رئيس مجلس الإدارة المشارك وروبين كان الرئيس التنفيذي) قبل أن يصبح كل واحد منهما وزيرا للخزانة.
هارفي شوارتز، كبر الإداريين الماليين في البنك، ناقش في لقاء مع المساهمين هذا الأسبوع مغادرة جاري كوهن، الذي شغل في السابق منصب رئيس البنك وكبير الإداريين التشغيليين، ليصبح مديرا للمجلس القومي الاقتصادي التابع للبيت الأبيض.
انضم كوهن إلى جولدمان في 1990 للعمل كمندوب مبيعات ذي لسان لبق، ثم أصبح شريكا في 1994، وهي السنة نفسها التي أصبح فيها منوتشين شريكا. إذا وافق مجلس الشيوخ على تثبيت منوتشين، فإن الزميلين القديمين في بنك جولدمان سيشغلان أعلى منصبين اقتصاديين في أمريكا.
يقول شوارتز: "من الواضح أننا جميعا سنفتقد جاري. إنه لأمر رائع أنه راغب في المساهمة بكل ما لديه من خبرة لخدمة بلدنا. ثم إن هناك تقليدا طويلا في أن كبار الموظفين في بنك جولدمان ساكس يفعلون ذلك. نحن جميعا فخورون تماما بما قرر القيام به".
كذلك يشعر المحللون بالتفاؤل بسلسلة التعيينات المرتبطة ببنك جولدمان، التي تشتمل على ستيفن بانون وأنتوني سكاراموتشي، وكلاهما مصرفيان استثماريان سابقان، ودينا بأول، الرئيسة السابقة للمؤسسة الخيرية التابعة للبنك.
جاي كليتون، الذي رشح لمنصب رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات، الجهاز التنظيمي الذي يشرف على الأسواق، هو محام في وول ستريت، الذي مثل بنك جولدمان بخصوص حقن الأموال الحكومية في أعماق الأزمة. زوجته جريتشين بتلر كليتون تعمل في جولدمان في منصب مستشارة للثروات الخاصة.
كل هذا حدث بعد أن اتهم ترمب بنك جولدمان بأنه "يسيطر" على تيد كروز، منافسه على ترشيح الحزب الجمهوري، وتحدى هيلاري كلينتون بخصوص خطاباتها التي كانت تلقيها مقابل أجر أمام المصارف، بما فيها جولدمان.
ديفين ريان، وهو محلل لدى جيه إم بي للأوراق المالية في نيويورك، قال إن جوهر أعمال بنك جولدمان هو على الأرجح في وضع أفضل الآن نتيجة القرارات الأخيرة – والجدل الذي يحيط بها.
وقال: "سواء كانت صحيحة أو خاطئة، سوف تكون هناك صورة في أذهان العملاء، سواء في المبيعات أو التداول أو المصرفية الاستثمارية، بأن البنك يتمتع بزاوية أفضل نحو واشنطن. كذلك الشهرة الإعلامية مفيدة على الأرجح، على الهامش".

ارتداد ترمب
إن بنك جولدمان ليس بحاجة إلى دفعة. في جميع أنحاء وول ستريت، المصارف تشعر بالثقة والبهجة. ما يسمى ب "حزمة ترمب" – الوعد بتخفيض الضرائب، ورفع أسعار الفائدة، وتخفيف القوانين التنظيمية – كانت تدفع بالأسهم إلى الأعلى بانتظام منذ الانتخابات.
كثير من أكبر المصارف شهدت أسهمها وهي تتراجع هذا الأسبوع، لكن نتائج الربع الرابع أكدت أن الآفاق تحسنت.
على وجه الخصوص، أقسام التداول في السندات لدى المصارف، والتي تضررت كثيرا بفعل قواعد ما بعد الأزمة، كان أداؤها أفضل بكثير خلال الربع، وذلك إلى حد كبير بفضل قيام المستثمرين بإعادة ضبط محافظهم استعدادا لترمب.
في بنك جولدمان، ارتفعت الإيرادات من تلك الوحدة بنسبة 80 في المائة خلال الربع زيادة عما كانت عليه في العام السابق. على مدى العام بأكمله، ارتفعت الأجور كنسبة من الإيرادات، ما يشير إلى أن البنك يدفع الكثير من الأموال من أجل مكافأة أصحاب الأداء المتميز.
من الأسهم الثلاثين المدرجة على مؤشر داو جونز الصناعي، بنك جولدمان هو بسهولة صاحب أفضل أداء منذ الانتخابات، حيث ارتفعت الأسهم بنسبة 27 في المائة.
قال شوارتز: "في الوقت الذي ندخل فيه عام 2017، مستويات النشاط عالية للغاية. لقد خرجنا من بيئة تتسم بأحجام صغيرة للغاية وتقلبات متدنية على مدى عدة سنوات، لكن من تحول السياسات في أنحاء الكرة الأرضية، هذا هو عامل محفز ممتاز للحوار مع العملاء، ولعملية اتخاذ القرار، والمحتوى. وهذا هو في الواقع المكان الذي نريد، كشركة، أن نأخذ إليه القيمة."
آفاق الإغاثة من الجانب التنظيمي تبدو جيدة الآن أيضا. على مدى سنوات، كانت المصارف تشتكي من أنها تتعرض لضغط شديد فوق الحد بفعل قانون دود فرانك لعام 2010، الذي فرض قيودا على اتخاذ المخاطر واضطر المصارف إلى العمل من خلال مستويات أعلى بكثير من رأس المال والسيولة.
إذا لم يتم إلغاء قانون دود فرانك تماما، كما يود بعض الجمهوريين المتشددين، يمكن إزالة بعض الأحكام. وحتى لو بقيت سارية المفعول، سوف تتحسن البيئة التشغيلية على أية حال.
يلاحظ المحللون أن أكثر من أربعة آلاف شخص من التعيينات السياسية، وكثير منهم لديهم مناصب قيادية وفي صنع السياسة في الأجهزة التنظيمية المالية، سوف يغادرون مناصبهم نتيجة تغير الإدارة. هذا يعني تغيرات حقيقية في الطريقة التي يتم فيها حاليا تفسير القواعد وإنفاذها.
أثناء جلسة تثبيته، قال منوتشين إنه يدعم الحظر الذي فرضته قاعدة فولكر على قيام المصارف بالمراهنة على الودائع الخاضعة للتأمين من الحكومة الفيدرالية، وهي قاعدة شجبتها المصارف باعتبارها غير قابلة للتطبيق، لكنه قال أيضا إنه يؤيد مراجعة إنفاذ القاعدة، وهي وجهة نظر سوف تكون موضع ارتياح لدى المصرفيين الذين يعانون من أجل فهم جوانبها.
قال ميدي أجامي، العضور المنتدب لدى الشركة الاستشارية أوبيماس في شيكاغو: "الطريق نحو التحرير التنظيمي لن سكون سهلا، لكنه سوف يحدث".
في هذه الأثناء قال المحتجون إنهم لن يتراجعوا عن مواقفهم. الزعماء أزالوا الخيام صباح أمس ثم اعتزموا أن يتوجهوا إلى شقة منوتشين في منطقة Upper East قبل أن يتوقفوا عند جاليري منوتشين القريب، الذي لا يزال يديره بوب، والد ستيفن. وكان الهدف هو الانتهاء عند برج ترمب في الشارع الخامس.
بعضهم قارن بين مظاهرة هذا الأسبوع ومظاهرة "احتلوا وول ستريت"، وهي حركة مناهضة للمصارف بدأت في منتزه على بعد عدد من الشوارع من مقر جولدمان في وسط المدينة، والتي انتشرت في مختلف أنحاء الكرة الأرضية في أواخر عام 2011.
قال تشارلز خان، وهو ناشط في الثامنة والعشرين من عمره: "نحن بحاجة إلى أن نسحب الستار الذي يغطي عيون الجميع".
ترمب رشح نفسه على أساس قوله إن هيلاري كلينتون وتيد كروز خاضعان لسيطرة بنك جولدمان ساكس. "لكن الآن نحن نرى من هو الذي يخضع فعلا لسيطرة بنك جولدمان ساكس. كلهم كانوا خاضعين".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES