Author

نظرة مستقبلية إلى التطورات الدولية وقيادة العالم

|

إن قيادة العالم في هذا المناخ المتقلب الجديد يصعب أن تكون من قطب واحد، فلن يجد أمامه إلا خيار القوة العسكرية لاستمرار هيمنته وسيطرته، سواء كان هذا الاستخدام للأداة العسكرية تحت مظلة الشرعية الدولية، أي الأمم المتحدة أو التحالف الدولي، أو يكون أيضا في بعض الحالات المرتبطة بمصالح القطب الأوحد خارج الشرعية الدولية. وإن استمر ذلك لفترة فلن يستمر إلى الأبد فسيبحث العالم عن نظام آخر تتعدد فيه القطبية لإحداث التوازن المطلوب وإضفاء الشرعية والعدالة وتفعيل دور المنظمات الدولية.

تحولات جغرافيا الصراع في الشرق الأوسط
قد دفع ذلك صحيفة "الاتحاد" الإماراتية إلى عقد منتداها السنوي الـ 11 تحت عنوان "العرب بعد 100 عام على سايكس ـ بيكو"، في 20 أكتوبر 2016، حيث خلص إلى أن السياقين الدولي والإقليمي قد تغيرا، لكن الأطماع الخارجية لا تزال قائمة. فالحدود في الإقليم لا يتم ترسيمها جغرافيا بالتوافق بين دول وقوى دولية، بل هي أقرب إلى "خرائط ورقية هشة" يتم تجاوزها، قبولا أو اضطرارا، بحيث تتغير زمنيا وفقا للقوى المسيطرة على الأرض في عدة أقاليم جغرافية، طبق المنطق الأقوى.
وقد سبق أن قال مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان العراق في حوار مع صحيفة "الحياة" اللندنية، في 6 فبراير 2015: "إن الحدود الموروثة من اتفاقات "سايكس ـ بيكو" هي حدود مصطنعة، وإن الحدود الجديدة في المنطقة ترسم بالدم داخل الدول أو بينها".
وعبر عن هذا المعنى أيضا الكاتب غسان شربل في الصحيفة نفسها في 12 أكتوبر الماضي، بقوله: "لا العودة إلى الحدود السابقة مطروحة، ولا الاعتراف بالحدود الجديدة واردة". فقد يتم تشكيل دول قائمة على أسس جديدة، أو توسيع دول قديمة، بشكل يختلف عن التصورات الأمريكية السابقة التي جسدها مشروع الشرق الأوسط الجديد و"الفوضى الخلاقة" الرامية إلى التفتيت أو التقسيم.
فلم تعد هناك أهمية محورية لما يطلق عليه "ديكتاتورية الجغرافيا" أو "السيادة المطلقة" للدول في الإقليم؛ إذ إن هناك مجموعة من التحولات الرئيسة التي تبرهن تحول جغرافيا الصراع داخل منطقة الشرق الأوسط، على نحو ما يعكسه مايلي:

مركزية متلاشية
استحالة عودة الدولة المركزية الموحدة إلى ما كانت عليه، إذ لم تعد الدولة هي الفاعل الرئيس المحتكر للقوة الإكراهية في التفاعلات الإقليمية، بل برزت أدوار فواعل عنيفة من غير الدول، خاصة خلال مراحل التحول من الثورات إلى الصراعات، مثل الميليشيات المسلحة، والتنظيمات الإرهابية، والكتائب المناطقية، والقوى المذهبية التي كونت ما يشبه "الجيوش الموازية".
وتشير تفاعلات الصراعات الداخلية العربية المسلحة إلى عدم قدرة أي طرف على حسم الصراع لمصلحته في مواجهة الأطراف الأخرى، وبالتالي تغير خريطة الدول عما كانت عليه قبل عام 2010.
وقد عبر عن هذا المعنى بوضوح جونبرينان مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية خلال مؤتمر للاستخبارات نظمته جامعة جورج واشنطن في العاصمة الأمريكية في 27 أكتوبر 2015، قائلا: "عندما أنظر إلى الدمار في سورية وليبيا والعراق ..، عليّ أن أتخيل وجود حكومة مركزية في هذه الدول قادرة على ممارسة السلطة على هذه الحدود التي رسمت بعد الحرب العالمية الثانية"، وأضاف: "الحل العسكري مستحيل في أي من هذه الدول، ومن الخطأ الذهاب مباشرة باتجاه البحث عن تسوية نهائية في الوقت الراهن، بل يجب اعتماد استراتيجية الخطوات الصغيرة عبر السعي إلى خفض درجة التوتر وتقليص حدة النزاع وبناء الثقة بين الأطراف الراغبة في التوصل إلى تسوية سلمية".
وهذا يشير لنا بالنسبة للسياسات الخليجية إلى أمرين:
الأول أهمية العمل على شكل مرحلي لخفض كمية و نوعية التوتر (دفاع استراتيجي – توازن استراتيجي – هجوم استراتيجي).
الثاني: الدور التقليدي للدولة أصبح غير فاعل، والتوجه العالمي في ديناميكيات التفاعلات الدولية يشير إلى صعود الفاعلين من غير الدول، وهذا ما يجب تعزيزه عبر التحالفات الدولية مع حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، ومع دراسة الأثر للفاعلين المجاليين (النفط كفاعل والاقتصاد العالمي كفاعل) وأن تلك الموارد الاقتصادية لها تأثير كذلك في صياغة السياسات، وأن صياغة السياسات في الموارد له أثره في التحول الداخلي والإقليمي وكذلك الدولي.

إنشرها