FINANCIAL TIMES

«توشيبا» تلجأ إلى خيار تقليص الحجم لضمان البقاء

«توشيبا» تلجأ إلى خيار تقليص الحجم لضمان البقاء

شركة توشيبا تواجه الآن عملية بيع لأفضل أصولها لتغطية نفقاتها. بحلول منتصف الصباح يكون متحف "توشيبا" للعلوم في كاواساكي ممتلئا تماما بأطفال المدارس الابتدائية، الحريصين على أن يكونوا مغمورين في التكنولوجيا والابتكار ورؤية جريئة للمستقبل. ويأسرهم فخر "توشيبا": الروبوت الشبيه بالبشر الذي ينساب بسلاسة أمام الأنظار ويقدم الدليل مع كوب من الشاي.
كان الروبوت، المصنوع من الخشب والأسلاك، من أفضل ما توصلت إليه التكنولوجيا في الإنسان الآلي عندما تم بناؤه في ثلاثينات القرن التاسع عشر: تعويذة قبيل فجر التحديث في اليابان، التي أنشأها مؤسس شركة تغذي شعورا حادا بمكانها في تاريخ الأمة.
إنه مكان يبدو ضعيفا في الوقت الذي تهبط فيه "توشيبا" تحت ثقل عاصفة مكثفة من الفضائح والتستر وإخفاق في الحوكمة ومقامرة نووية متعثرة.
في عام 2015، عندما اعترفت الشركة بتزوير أرباحها لتصل قيمتها إلى أكثر من مليار دولار، شعر كثيرون بأن شركة توشيبا وصلت إلى الحضيض، لكن في أواخر الشهر الماضي، كشفت الشركة عن أن مشكلاتها تتجاوز إلى ما هو أعمق بكثير من ذلك، وأنها تواجه عمليات شطب للأصول بمليارات الدولارات بخصوص أعمالها النووية في الولايات المتحدة.
خفضت وكالات التقييم التصنيف الائتماني للشركة. السوق لم تعد ترى بطلا يمكن الاعتماد عليه متثاقلا في الخروج من المتاعب، لكنها وغدا معرضا للحوادث استهلك حيله القديمة. في الأيام الثلاثة التي تلت قنبلة 27 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، انخفضت أسهم شركة توشيبا بحدود 42 في المائة.
الشعور بالأزمة لا يزال موجودا في أعقاب اعتراف شركة توشيبا أخيراً، أنها تدرس فصل أعمالها المربحة في الذاكرة المحمولة لتلبية أي نقص مالي.
تخفيض قيمة أصول شركة توشيبا المحتمل من أعمالها النووية، الذي يقدر البعض أنه سيصل إلى رقم عال في حدود ثمانية مليارات دولار، يبدو أنه قريب من كونه فوق طاقتها. المصارف تبدو متوترة. خياراتها، بما في ذلك البيع الجزئي بأسعار رخيصة لأصول غير رئيسية التي يمكن أن تجمع ما يصل إلى خمسة مليارات دولار، تبدو مهينة للمجموعة التي قدمت في أول تجسيد لها لليابان مصابيح الإنارة الكهربائية الأولى ومحطات الطاقة ومصابيح الإضاءة والثلاجات وأجهزة التلفزيون الملونة.
استندت "توشيبا" إلى هذه التطورات من خلال ابتكارات فازت بها على مستوى العالم، ابتداء من جهاز الكمبيوتر المحمول إلى جهاز تشغيل أقراص دي في دي وشرائح الذاكرة ناند، التي ثبتت أهميتها العالمية.
يقول داميان ثونج، وهو محلل لدى بنك ماكواري "توشيبا" تتصارع مع واقع أنها لا يمكنها بيع الأعمال النووية. وهذا يتركها مع ثاني أفضل نتيجة، ببيع جواهر التاج. (سيكون من العار) إذا اضطرت "توشيبا" إلى أن تتخلى بسعر منخفض، حتى ولو جزئيا، عن أعمال (قسم الذاكرة المحمولة) التي أصبحت أساسية لهويتها ونموها في المستقبل".

كثير من المشكلات كامنة

كان الأمر يبدو مختلفا تماما قبل أربعة أسابيع. أشار الارتفاع المطرد في سعر سهم "توشيبا" إلى أن أسوأ جوانب الفضيحة المحاسبية التي تبلغ قيمها 1.3 مليار دولار، التي اندلعت في نيسان (أبريل) عام 2015، واشتملت على سبع سنوات من بيانات الأرباح المبالغ فيها، كانت وراء ظهرها. بتعزيز من قبل أعمال أشباه الموصلات القوية، كانت في سبيلها إلى الإبلاغ عن أرباح صافية قدرها 145 مليار ين "1.3 مليار دولار" بعد عامين من خسائر مجموعها 500 مليار ين. وكانت قد تمت إقالة فريق قيادة يعاني الاختلال لعدم اتخاذه الإجراءات اللازمة لوضع حد للفضيحة المحاسبية.
وانتقد تحقيق داخلي للشركة ثقافة الشركة القائمة على "تحقيق الأرباح مهما كان الثمن"، لكن حتى المتشككين في الأمر يرون أن المجلس الجديد يمكن أن يكون بالمستوى اللازم للتصرف بحسب المعايير اللائقة لحوكمة الشركات.
تبين أنه لا شيء من هذا أوقف التعفن. حتى في ظل أقسى تدقيق في حياة الشركة، تمكنت "وستنجهاوس"، الشركة الفرعية الأمريكية التابعة لـ "توشيبا" في مجال الطاقة النووية، من إقناع مجلس إدارة "توشيبا" بصفقة سيئة للغاية في أواخر عام 2015 لشراء شركة البناء النووية Stone & Webster من Chicago Bridge & Iron في عملية كان من المفترض أن تحقق ملياري دولار على شكل إيرادات سنوية، ما كشفته "توشيبا" في ذلك الوقت كان "متدنيا إلى درجة تثير الاستغراب" كما يقول المستثمرون.
ربما لسبب وجيه. بعد عام بالضبط من توقيع هذه الصفقة، اعترفت "توشيبا" في 27 كانون الثاني (ديسمبر) الماضي، أنها ستكون مضطرة إلى عمليات شطب للأصول بقيمة "عدة مليارات من الدولارات" لتعكس زيادة التكاليف الكبيرة والتأخير في مشاريع Stone & Webster النووية في الولايات المتحدة. الغموض العددي لذلك البيان جعل المحللين يتكهنون بأن الشطب الكلي، الذي سيعلن عنه بحلول منتصف شباط (فبراير) المقبل، يمكن أن يراوح بين خمسة مليارات وثمانية مليارات دولار. حتى الحد الأدنى من هذا النطاق من شأنه أن يمحق إلى حد كبير حقوق المساهمين في "توشيبا" البالغة 363 مليار ين، ويجعل الشركة تتدافع للبحث عن الخيارات.
بالنسبة إلى زهير خان، وهو استراتيجي مختص في اليابان في شركة جيفريز، مصدر القلق الأكبر هو أن آخر خطوة فاشلة ارتكبتها "توشيبا" أحيت "نظرية الصرصور"، بخصوص عدم الكفاءة المؤسسية أو المخالفات القانونية – وهي الفكرة التي تقول "إنه عندما ترى صرصورا واحدا، ربما يكون هناك غيره صراصير كثيرة مختبئة".
وكما يقول "حقيقة أن حجم الموجودات والمطلوبات المتعلقة بالاستحواذ على CB & I S & W لم يتم أبدا الكشف عنه من قبل "توشيبا" في الوقت الذي تمت فيه عملية الاستحواذ هي أمر يثير الشبهة"، مسلطا الضوء على غرابة أن الصفقة كانت قد تمت مباشرة بعد تعيين مجلس جديد كليا.
تقول "توشيبا"، "إن كلا من العناية الواجبة والإفصاح عن المعلومات على حد سواء كان قد تم تنفيذها بشكل صحيح بخصوص الصفقة".
يقول خان "إن المجموعة مع ذلك هي اليوم أكثر عرضة لشطبها من إدراج البورصة من أي وقت مضى منذ اندلاع الفضيحة المحاسبية. يجب على الشركة أن تثبت وجود ضوابط داخلية أقوى بحلول منتصف آذار (مارس) المقبل، لكي تتجنب شطب إدراجها في البورصة".
كوتا إزاوا، المحلل لدى مجموعة سيتي جروب المصرفية، يحذر من أن المشكلات لا تتوقف عند أعمال "توشيبا" النووية. ويقول إزاوا "إن الشركة قد تضطر إلى شطب 143 مليار ين من قيمة اسم الشهرة الخاص بشركة Landis+Gyr، شركة سويسرية مصنعة لتكنولوجيا النقل "العداد الذكي" التي اشترتها "توشيبا" مقابل 2.3 مليار دولار في عام 2011"، مشيرا إلى أن النمو في أوروبا قد يكون أبطأ مما كان متوقعا. وتقول "توشيبا"، "إن أرباح Landis+Gyr تنمو باطراد وإنها لا ترى أي حاجة لإجراء شطب لقيمة الأصول".
ومع ذلك، ليس هناك شك يذكر بأن تكتل "توشيبا" مطارد من قبل تاريخه الحديث من عقد الصفقات.
يقول ساتوشي أكوتسو، أستاذ في كلية الدراسات العليا للاستراتيجية الدولية للشركات في جامعة هيتوتسوباشي، "إنه على الرغم من أن "توشيبا" كانت في الماضي تجسد حلم اليابان المتعلق باللحاق بركب الدول الغربية وإعادة بناء اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أنها فقدت قدرتها التنافسية منذ فترة طويلة".
يقول البروفيسور أكوتسو "اهتزت العلامة التجارية لشركة توشيبا حتى النخاع مع أحدث سلسلة من الفضائح". ويضيف "إلا أن ما كانت تمثله "توشيبا" انهار فعلا قبل فترة طويلة من ذلك".
حبل النجاة .. الاستفادة من كارثة فوكوشيما

مشكلات "توشيبا" الحالية يمكن إرجاعها إلى استحواذها على شركة وستنجهاوس مقابل 5.4 مليار دولار في عام 2006، وهي صفقة جريئة وباهظة الثمن التي كان من المفترض أن توصل المجموعة اليابانية إلى تصنيف الدرجة الأولى بين الشركات الصانعة لمحطات الطاقة النووية، جنبا إلى جنب مع شركة جنرال إلكتريك الأمريكية واريفا الفرنسية.
تزامن الاتفاق مع إحياء الاهتمام بالطاقة النووية، لكن انهيار ثلاثة من المفاعلات الستة في محطة الطاقة النووية في فوكوشيما في شمال شرق اليابان في آذار (مارس) 2011 غيّر هذه الصورة.
كان قد تم بناء اثنين منها من قبل "توشيبا". بعد وقوع الحادث، أغلقت اليابان كل مفاعلاتها النووية القابلة للتشغيل البالغ عددها 50 مفاعلاً، وأعادت البلدان الأخرى التفكير في خططها النووية.
مع تدهور الأرباح في أعقاب الحادث، تم تكثيف الضغط لتلبية أهداف الربح على المدى القصير في "توشيبا"، وذلك وفقا لتقرير صادر عن لجنة من محامين ومحاسبين خارجيين في الفضيحة المحاسبية لـ "توشيبا".
يقول محللون "إن "توشيبا" كانت تعاني في سبيل استرداد استثمارها في شركة وستنجهاوس حتى قبل "فوكوشيما". لقد دفعت 37 مرة ضعف الأرباح التشغيلية في شركة وستنجهاوس، أي ضعف المبلغ الذي عرضه بعض من نظيراتها".
بعد فترة طويلة من إنكار مثل هذه المخاطرة، شطبت "توشيبا" ما قيمته 2.3 مليار دولار من اسم الشهرة الخاص بشركة وستنجهاوس في نيسان (أبريل) من العام الماضي.
يقول يوشيهارو ايزومي المحلل في Longine، وهي شركة استشارات استثمارية مقرها طوكيو "كانت "توشيبا" تحت ضغط (للقيام بإبرام صفقة وستنجهاوس) لأنه لم تكن لديها مجالات نمو كثيرة، لكن لم يكن بمقدورها منع الأعمال النووية من الخروج عن السيطرة".
أحدث تحذير لشطب الأصول دفع ساتوشي تسنكاوا، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة توشيبا إلى الإشارة إلى أن الشركة يمكن حتى أن تعيد النظر في وجودها في الصناعة النووية.
في الواقع، كما يقول المحللون، هناك عدد قليل من الخيارات - إن وجدت - لـ "توشيبا" لإفراغ أعمالها النووية بسبب دورها في تنظيف فوكوشيما دايتشي.
من المفارقات أن الالتزام المذكور قد يكون بمنزلة حبل النجاة لـ "توشيبا" من الدولة.
ويقول مسؤول سابق في الشركة "إن مسألة ما يجب القيام به حيال أعمال "توشيبا" النووية ذهبت منذ الآن إلى ما هو أبعد من قرار شركة واحدة، لأنه يؤثر في سياسة اليابان الأوسع في مجال الطاقة".
من المتوقع أن يستغرق تفكيك المفاعلات المحطمة 40 سنة على الأقل، وأحدث تقديرات للحكومة تشير إلى أن فاتورة التكاليف هي في حدود ثمانية تريليونات ين.
يقول كوهي موراتا، المختص المناهض للطاقة النووية وسفير اليابان السابق في سويسرا "الحكومة تحتاج إلى "توشيبا" لمواصلة أعمالها النووية لأغراض التفكيك. وهذا هو أحد أسباب استمرار مشاركة "توشيبا" في هذا العمل (حتى بعد فوكوشيما)".
نظرا لدورها الرئيسي في صناعة اليابان النووية واستراتيجية الحكومة، يتوقع المحللون أن المصارف الكبرى ستواصل تقديم القروض لـ "توشيبا" لمواجهة الأزمة.
إذا كان الدعم قد قصَّر، يتوقع كثيرون أن الحكومة، التي وصفتها الشركة بأنها "حيوية للغاية" للبلاد، ستتدخل. يمكن لذلك أن يتخذ أحد شكلين: تشجيع اندماج الأعمال النووية لـ "توشيبا" مع منافستيها شركة هيتاشي وميتسوبيشي للصناعات الثقيلة أو من خلال خطة إنقاذ تدعمها الدولة.
وكما يقول ايزومي "من المستحيل بالنسبة إلى "توشيبا" العودة إلى الاستقرار مثل شركتي هيتاشي أو ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة على المدى القريب. بالتالي ما الجهة التي ستقدم المساعدة؟ يمكن أن تكون هاتين الشركتين أو يمكن أن تشارك الحكومة في ذلك"
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES