FINANCIAL TIMES

مكتب ضبط التحايلات يحاصر الفساد في «رولز رويس»

مكتب ضبط التحايلات يحاصر الفساد في «رولز رويس»

في عام 2009 دفعت شركة رولز رويس مبلغ 3.32 مليون جنيه استرليني لاستئجار مستودع في دبي لمدة ثمانية أشهر لتخزين منتجات دفاع مقررة للإرسال إلى السوق الهندية. المشكلة الوحيدة هي أنه باستثناء اختبار لمعرفة ما إذا كان النظام ناجحا، لم تمر أية منتجات من شركة رولز رويس من أبواب المستودع.
كان هذا مجرد واحد من المخططات التي تبين أنها وضعت بهدف إخفاء دفعات غير قانونية إلى وسطاء استخدمتهم شركة رولز رويس، التي تصنع محركات الطائرات النفاثة، للفوز بأعمال في مختلف أنحاء العالم.
في هذه الحالة ذهب مبلغ الإيجار إلى وسيط كان يستخدم منذ سنوات لتأمين عقود الدفاع في الهند.
الأدلة التي كشف عنها مكتب عمليات التحايل الخطيرة خلال تحقيقه المستمر من أربع سنوات في الرشاوى والفساد في شركة رولز رويس يبين أن الشركة استخدمت أساليب كثيرة أخرى للتغطية على دفعاتها التي كانت موجهة إلى جيوب الزبائن والمسؤولين الحكوميين.
تم إنشاء فواتير وهمية مقابل "خدمات استشارية". كانت الدفعات تتم بتواريخ سابقة ومرفقة بمبيعات المحركات التي تم إبرامها منذ فترة طويلة. وحين قاربت العمولات من الوصول إلى حدود الالتزام الداخلية، تم فصلها وتجزئتها.
سلوك شركة رولز رويس الفاسد، الذي مورس في 12 بلدا على على مدى 23 عاما حتى2013، لم يتوقف عند هذا الحد.
تم إتلاف المستندات ورسائل البريد الإلكتروني من أجل تجنب التحقيق من قبل السلطات. كانت الأموال تدفع للشركات المنافسة حتى لا تدخل في العطاءات. والدفعات التي كان من الواضح أنها موجهة لرشوة أحد مسؤولي الضرائب الهنود تمت الموافقة عليها من المقر الرئيسي في لندن.
هذه لم تكن تصرفات صادرة فقط عن موظفين مارقين أو من المرتبة المتوسطة. وصل الفساد إلى صفوف الإدارة العليا، وحتى "حسب ظاهر الأمر، إلى العقول المدبرة"، وفقا لأحد القضاة البريطانيين، الذي وافق هذا الأسبوع على الجزء الخاص ببريطانيا في تسوية عالمية ستدفع شركة رولز رويس بموجبها غرامات مقدارها 671 مليون جنيه.
بموجب اتفاقية عفو يحصل عليها المدعى عليه مقابل الالتزام بترتيبات معينة، لن تحاكم شركة رولز رويس طالما كانت ملتزمة بإجراءات الالتزام الجديدة لمدة تصل إلى خمس سنوات. وحيث إن الشركة اعترفت بمسؤوليتها، تثار أسئلة الآن حول الأفراد: من الذي كان يعرف المعلومات، وما نوع المعلومات، ومتى كان ذلك، وهل ستتم مقاضاة أي شخص؟
هل كان رئيس شركة رولز رويس في جنوب شرق آسيا يعلم بأمر الدفعات المتتالية إلى الشركات المرتبطة بأقارب الرئيس السابق لإندونيسيا للفوز بطلبات من طيران جارودا، شركة الطيران المملوكة للدولة؟
من الموظف الكبير لدى شركة رولز رويس الذي اتصل به أحد الوسطاء للتغلب على مشاعر الارتياب لدى المركز الرئيسي بخصوص عمولاته؟
لماذا قررت قيادة الشركة عدم إبلاغ السلطات بمخاوفها حول سلوك الفساد المحتمل التي أثيرت في عام 2010؟
السؤال الأخير هو الذي سلط الأضواء على جون روز، الرئيس التنفيذي لمدة 14 سنة من أصل الـ 23 سنة التي وقعت فيها المخالفات التي اعترفت الشركة بها.
بحلول عام 2010 كان من الواضح أن قوانين الرشاوى في بريطانيا سوف يتم تشديدها في العام اللاحق، وأنه لم يعد من الممكن السكوت عن سوء السلوك من الشركات.
كان السير جون في الخط الأمامي، لأنه اعتبارا من عام 2003 ذكرت قواعد الشركة أنه يتعين على الرئيس التنفيذي أن يفوض شخصيا جميع العمولات التي تزيد على 5 في المائة من قيمة العقد. وكان يتعين عليه أيضا أن يفوض أية دفعات ثابتة تزيد على 150 ألف جنيه.
تم تعزيز قوانين الالتزام باستمرار في أعقاب إدخال أول مدونة لقواعد السلوك من قبل "رولز رويس" في عام 1996، وهي السنة التي تولى فيها السير جون منصبه، لكن يبدو أن هذه القواعد كانت تتعرض للمخالفة مرارا وتكرارا.
أحد المحامين الذين يمثلون السير جون امتنع عن التعليق. الرئيس التنفيذي في ذلك الحين الذي كانوا يتولون إدارة الأقسام المدنية والدفاع والطاقة، إلى جانب قسمي المبيعات والتسويق، خلال فترة الاتهام سيكونون تحت الضغط كي يكشفوا عن الأمور التي كانوا يعلمون بها أو التي لم يكونوا على علم بها.
ثم هناك السؤال المثير بخصوص الفريق الذي أطلق عليه "مجموعة خطوط الطيران"، الذي تألف من مجموعة من كبار التنفيذيين الذين وردت أسماؤهم في مستندات المحكمة على أنهم كانوا متشددين مع وسيط في تايلاند كان يطالب بعمولة كبيرة.
ربما يكون السبب هو أن هيكل الإبلاغ من قبل إدارة شركة رولز رويس التي أصبحت مشهورة بغموضها الآن جعل من الصعب على الموجودين في لندن أن يعلموا بما كان يجري – وحتى بما كان يجري في نهاية الشارع في ديربي، مقر مولد الشركة.
يقول أحد المخضرمين من الشركة: "كان هناك أناس في المناطق لديهم درجة من الاستقلال الذاتي. وكثير منهم كان خط إبلاغهم مرتبطا بديربي، وليس حتى بلندن".
ويضيف ذلك الشخص، في معرض إشارته إلى مقر الشركة في لندن، أن الفجوة "بين بوابة باكنجهام وديربي كانت أكبر بكثير من 130 ميلا".
في إحدى المناسبات حين كان ينبغي إخطار الرئيس التنفيذي بعمولة أحد الوكلاء، أبقي الرئيس عن قصد خارج الحلقة المطلعة على الموضوع. مع ذلك كانت إدارة الوسطاء تتم في النهاية من لندن.
التعرف على الأشرار في هذه الحلقة أصبح محل تركيز مكتب عمليات التحايل الخطيرة. التحدي أمام المكتب هو أن يثبت أن تغريم الشركة بدلا من إرسالها إلى المحكمة في حال تعاونت مع المحققين لا يعني أن الأفراد المذنبين سينجون من العقوبة.
بن مورجان، الرئيس المشترك للرشاوى والفساد في الوكالة، يقول إنها عازمة على "الإغارة" على ما يصفه بأنه "الدائرة الكاملة" للفساد ضمن شركة رولز رويس: أي الشركة، والتنفيذيين، والوسطاء الذين كانوا يسيرون دفعات الرشاوى، والمتلقين. وأضاف أن ذلك يمكن أن يستغرق أشهرا.
في ظل إدارة ديفيد جرين، الذي تولى منصب المدير العام في 2012، يعتزم المكتب الوصول إلى أعلى مستوى يمكن أن يصل إليه ضمن الشركة.
وعلى الرغم من أن الفريق المكلف بالقضية، الذي تولى التحقيق في موضوع شركة رولز رويس، لن يكشف عن أسماء الأشخاص الذين يحقق بشأنهم، لكن يقول مورجان إنه في هذه الحالة "نحن نبحث عن صناع القرار، عن الذين يمسكون بمقاليد الأمور".
المحققون الـ 70 العاملون على هذه القضية انتفعوا بصورة كبيرة من تعاون الشركة.
تنازلت الشركة عن امتيازها في تسليم ملايين المستندات دون مراجعة وأعطت المكتب الحق في إجراء المقابلات الأولى مع الموظفين السابقين والحاليين.
يقول مورجان: "لا توجد أية شركة تقترب ولو من بعيد من الطريقة التي تتعامل بها شركة رولز رويس معنا".
"من الممكن أن تقول الشركة إنها تريد التعاون. لكن الحصول على اتفاقية عفو مقابل الالتزام بترتيبات معينة لن تكون خيارا متاحا إلا للشركة التي تلتزم فعلا بما تقول وتنفذه.
يقول مورجان إن المكتب جمع كمية لا يستهان بها من الأدلة حول الفساد من تحقيقاته في شركة رولز رويس التي ستساعده في ملاحقة شركات أخرى.
ويقول: "الأشخاص المعنيون لا يعلمون أننا نحقق بشأنهم. يستطيعون القدوم إلينا وأن يتجنبوا التهديد بإرسالهم إلى القضاء، لكن التهديدات تتجمع".
روبوت البوليس السري لدى الجهاز الرقابي: روبوت مقيم يستخدم الذكاء الاصطناعي للتنقيب في 70 مليون وثيقة سرية.
في حين أن لوك سكاي ووكر لديه شخصية الروبوت الشبيهة بالبشر سي ثربيو وشخصية الروبوت أرتو ديتو (من أفلام حرب النجوم)، إلا أن العاملين في مكافحة الجرائم في مكتب عمليات التحايل الخطيرة لديهم روبوت خاص بهم يعتمد على الذكاء الاصطناعي.
هذا المحقق الذكي هو أحد الأسباب التي استطاع من خلالها فريق المكتب المكون من 70 موظفا التنقيب في 30 مليون وثيقة ساعدت على الكشف عن الفساد في شركة رولز رويس.
هذا الروبوت الذي لا يحمل اسما حتى الآن تم تطويره لمصلحة المكتب للمرة الأولى في قضية شركة رولز رويس، وكان متطورا بما فيه الكفاية "ليتعلم ويعزز قاعدته المعرفية من أجل المساعدة في التعرف على مواد ذات امتيازات معينة أو ذات صلة بالتحقيق" كما يقول ديفيد جرين، المدير العام للمكتب. وقال إنه كان "أكثر فعالية وأكثر كفاءة وأكثر دقة من العاملين البشر". تم تطوير الروبوت من خلال شراكة مع الشركة التي تزود التكنولوجيا للمكتب، استنادا إلى موديلاتها الحالية. رفض المكتب أن يعطي اسم الشركة المزودة، ربما لأسباب واضحة. التقنيات التي طورتها الوكالة ضمن أقسامها لا يرجح لها أن تصل إلى السوق التجارية خلال أي وقت قريب.
الأمر الحاسم لكي يعمل الروبوت بصورة فعالة كان تعاون شركة رولز رويس، كما يقول المحققون لدى المكتب. فقد فتحت الشركة أنظمة الكمبيوتر فيها وجميع المراسلات والمستندات ذات الصلة بالموضوع.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES