Author

المحاكم العمالية .. أخرجونا من الحرج

|

خلال الأشهر الماضية تسارعت عمليات التسريح الجماعي للموظفين السعوديين في القطاع الخاص وسط فراغ قضائي وقانوني كبير، مكن الشركات من استغلال ثغرات قانونية وتنظيمية للتضحية بآلاف الموظفين. مهما كانت مبررات الشركات فما حدث يعد كارثة خاصة إذا ما علمنا أن هذه الشركات لا تواجه أزمات اقتصادية حقيقية، فمعظمها بحسب القوائم المالية المعلنة ما زال يحقق الأرباح التراكمية نفسها، وبعضها بانخفاض بسيط، ومعظمها ما زال يواصل خططه التوسعية، والأدهى أيضا أن هذا التسريح الجماعي كان خاصا بالسعوديين فقط، وأبقى مئات الوافدين الذين يسيطرون على المناصب التنفيذية والمواقع القيادية ويتقاضون رواتب فلكية جدا.
وقد كشفت عمليات التسريح الجماعي عن الإمكانات الضعيفة "لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية" التي اكتفت بالتصريحات الإعلامية والتلويح بالعقوبات، ولو كانت هذه الشركات تعرف أن هناك عقوبات رادعة لما أقدمت على تسريح هؤلاء الشباب البسطاء لتوجد أزمة جديدة في سوق العمل التي تعاني أساسا سيطرة 11 مليون وافد، وتضيق عن استيعاب 600 ألف شاب عاطل حسب إحصائيات "هيئة الإحصاءات العامة".
الشركات المتورطة في الفصل الجماعي تعرف تماما أن وزارة العمل ليس لديها سوى اللجان العمالية ذات الإمكانات الضعيفة التي تستهلك سنوات في معالجة فصل موظف أو موظفة في قضايا فردية، فكيف بآلاف الشباب في قضية جماعية؟ حتى بعد هذا "الماراثون" الطويل من التقاضي أمام "اللجان العمالية" في مكاتب العمل يبقى تنفيذ الحكم أمرا بالغ الصعوبة، وكم من موظف أو موظفة تنازل عن حقوقه في منتصف الطريق أو رضي بتسوية ودية تهضم حقه لأنه يعلم أن واقع التقاضي لن ينصفه ولن يعيد إليه حقوقه المسلوبة.
 والسؤال الذي يتكرر طرحه في مثل هذه الحالات أين "المحاكم العمالية" يا وزارة العدل؟ لقد تحققت كل الوعود بإنشاء المحاكم الأخرى من محاكم جزائية، وأحوال شخصية، ومحاكم تنفيذ، ومحاكم استئناف، وغيرها من الجهود الجبارة المنجزة ضمن "مشروع الملك عبد الله لهيكلة الأجهزة القضائية"، ولكن "المحاكم العمالية" غابت عن المشهد تماما والتصريحات المنشورة ذكرت أنه كان مقررا افتتاحها مطلع عام 1436، ثم تأجلت إلى بداية عام 1437، ثم تأجلت إلى بداية 1438 بعد تصريحات إضافية تؤكد أنها جاهزة للانطلاق بخمس محاكم في الرياض، وجدة، والدمام، والمدينة المنورة، ومكة المكرمة، إضافة إلى 34 دائرة عمالية ملحقة بالمحاكم العامة. وها هو العام ينتصف ولم نر شيئا على أرض الواقع.
هذا التأخير كما قلت في مقال سابق يكلفنا مزيدا من المشكلات المتراكمة في سوق العمل التي تعد واحدة من أكبر أسواق العمل في "الشرق الأوسط"، ويضعنا في حرج بالغ أمام أنفسنا، ولا يمكن القبول به سواء من "وزارة العمل" التي تواجه لجانها العمالية بإمكاناتها المتواضعة قضايا متزايدة، تزيد على 11 ألف قضية سنوية، فيها كثير من الأخطاء وصور الاستغلال والظلم الذي لا ترضاه الدولة ولا يقبله المجتمع.
ولا يجدي نفعا إلا تأسيس "محاكم عمالية" ذات نظام قضائي صارم يعيد الهيبة لسوق العمل، وينصف المظلومين، ويخرجنا من هذا الحرج المتزايد. فهل تبادر وزارة العدل؟ ومتى؟

إنشرها