FINANCIAL TIMES

وجوب الخوف من المحاسب أكثر من العميل السري

وجوب الخوف من المحاسب أكثر من العميل السري

القيل والقال شيء، لكن الأدلة هي شيء آخر. الرئيس دونالد ترمب يعرف هذه الحقيقة وهو يستفيد منها، وشركة رولز رويس هي من اكتشفتها، لكنها دفعت الثمن مقابل ذلك.
تمكّن الرئيس الأمريكي الأسبوع الماضي من تجاهل ملف رهيب بدون صعوبة عن أنشطته المزعومة في غرفة فندق في موسكو، وعلاقات فريق حملته المفترضة مع فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي. حيث كان ردّ ترمب، "أخبار زائفة"!
شركة رولز رويس لديها متاعب في بلاد أجنبية لكنها لم تكن قادرة على الإفلات منها بسهولة، لأنها واجهت أدلة دامغة على إساءة التصرف بدلاً من مجرد قصص تشتمل على تفاصيل مثيرة.
مجموعة الطيران البريطانية دفعت هذا الأسبوع 671 مليون جنيه لتسوية ادعاءات بالفساد في الصين والبرازيل والهند. كان مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة في المملكة المتحدة يتعقب أثرها وتطوّعت بتقديم بعض المعلومات من التحقيق الخاص بها.
هذا التناقض يُشكّل صناعة استخبارات الأعمال، التي أخذت تنشأ في لندن ونيويورك وواشنطن، بالقرب من المراكز المالية ووكالات المخابرات في المملكة المتحدة والولايات المتحدة. الصناعة تبدو كأنها مُعادل جيمس بوند في عالم الشركات لكنها تبدو أقرب إلى كونها مزيجا من المحاسبة والبحث القانوني.
تذوّق العالم بعضا من هذا في الملف عن ترمب ومستشاريه الذي جمعه كريستوفر ستيل، ضابط المخابرات البريطانية السابق وأحد المؤسسين لوكالة أوربيس لاستخبارات الأعمال في لندن. المعلومات التي أنتجتها شبكة ستيل من العلاقات الروسية يمكن اعتبارها استخبارات، لكن البعض منها كان "استخبارات خام"، المعروفة أيضاً بالقيل والقال.
الاستخبارات لديها استخداماتها في مجال الأعمال، إذا تمت تنقيتها وتحريرها لتكون معقولة وموثوقة. حتى إذا لم يكن من الممكن نشر المعلومات أو تقديمها في المحكمة، يُمكنها مساعدة أي مجلس إدارة على اتّخاذ قرار حول ما إذا كان ينبغي شراء شركة ما أو الدخول في شراكة مع صاحب مشاريع في روسيا وغيرها من الأسواق الغامضة.
هذا تخصص الشركات الاستشارية مثل هاكليوت في لندن وفيراسيتي في نيويورك - السوق التي حاولت وكالة أوربيس دخولها. تم تأسيس شركة هاكليوت قبل 20 عاماً من قِبل ضباط استخبارات بريطانيين سابقين، على الرغم من أنها توظّف الآن آخرين بما في ذلك مستشارون سابقون في مجال الإدارة وصحفيون ماليون.
شركة هاكليوت لديها صلة مع شركة رولز رويس: السير جون روز، الرئيس التنفيذي السابق في شركة رولز، يرأس شركتها الأم، والسير رالف روبنز، سلفه في شركة رولز، كان عضوا في المجلس الاستشاري في شركة هاكليوت. كما أشارت تقارير إلى أن شركة هاكليوت أيضاً قامت بأعمال استخباراتية من أجل شركة رولز رويس، على الرغم من أنها رفضت أن تؤكد هذا لي.
بشكل عام، الحصول على معلومات من "هاكليوت" ليس أسهل من الضغط على حجر لاستخراج دم ما لم تدفع لها كثيرا من المال، لكن فيما يلي ما قمت بجمعه من الآخرين. مقابل نحو 100 ألف جنيه، ستقوم بتحضير ما تدعوه تقريرا "ذا مصادر جيدة وتقييما كاملا" مكونا من 40 صفحة أو نحو ذلك. هذا يُقدّم مشورة، على سبيل المثال، عما إذا كان ينبغي "المتابعة بحذر" في إحدى الصفقات التي تتطلب حذقا ومهارة، أم نسيانها.
وهي تعمل مثل أي وكالة استخبارات: من خلال اختيار أدمغة شبكة من المخبرين في أيّ بلد غير جدير بالثقة الذي يهتم به العميل. قد يكونون من الجواسيس والدبلوماسيين السابقين أو رجال أعمال، وسيكونون في مراتب عليا إلى حد ما. ثم تقوم بتصفية التفاصيل وتدقيقها على أساس البيانات والأبحاث الأخرى، وإنتاج مقالة أنيقة.
هذا يملك سحرا مغريا - إنها مهنة ثانية يمكن أن يرغب فيها أي جاسوس أو محام - لكنها تملك سوقا متخصصة. شركة هولدينجام، الشركة الأم لشركة هاكليوت، كان يعمل لديها 66 شخصا وحققت إيرادات تبلغ 45 مليون جنيه في عام 2015: ليس هناك عدد كبير من المشترين للاستخبارات المُكلفة للغاية.
كثير مما يسمى استخبارات الأعمال هو في الواقع عناية واجبة: عمل شاق من التصيد من خلال السجلات وقواعد البيانات للاكتشاف ما إذا كان من السليم قانونياً ممارسة الأعمال مع شخص ما. قوانين غسل الأموال مثل قانون باتريوت الأمريكي في عام 2001 عزّزت صناعة كاملة من مُدققي الحقائق.
كثير من الشركات الاستشارية، بما في ذلك كونترول ريسكس، وشركة كرول الرائدة في الصناعة، وشركات المحاسبة الكبيرة تقوم بمثل هذه الأعمال. هناك كثير من الإيرادات، لكن الثمن مقابل كل مهمة هو أقل - عادة أقل من خمسة آلاف جنيه لكل معاملة - ولا أحد يُصبح ثرياً من خلال القيام بها.
الأرباح الأعلى تكمُن في الاستخبارات وليس الأدلة – أي استخراج الوثائق أو التصريحات التي يُمكن تقديمها في المحكمة في المنازعات التجارية بين الشركات أو المستثمرين. تسوية شركة رولز رويس تُظهر إلى أي مدى يُمكن أن تكون هناك تكاليف وأضرار كبيرة في حال اكتشف أحد ما أدلة على ارتكاب مخالفات.
شريحة كبيرة من إيرادات كرول تأتي الآن من التحقيق وليس المعاملات. هذه أكثر تعقيداً وغالباً ما يُمكن أن تستجلب فِرقا من المحامين والمحاسبين القضائيين لتقديم أدلة على ارتكاب مخالفات. هناك ملايين على المحك والنزاعات تستمر لأعوام، لذلك يغلب على العملاء أن يدفعوا مبالغ كبيرة.
إنها أعمال بيانات بقدر ما هي أعمال بشرية: سماع بعض الحكايات التي تُضعِف موقف جهة ما هو أمر أقل أهمية من تتبع سلسلة من مراجعة الحسابات. يقول أحد مستشاري المخاطر "إنها إلى حد كبير للغاية تقوم على الأدلة الشرعية والقضائية وذات طبيعة إلكترونية على نحو أكبر بكثير مما كانت عليه. الاستخبارات البشرية تلعب دورا أصغر".
إذن، وداعاً للبريق والرونق. استخبارات الأعمال نضجت بنفس الطريقة التي نضجت بها الخدمات المالية الأخرى، مع سوق متخصصة للمؤسسات المتخصصة التي توفر نصيحة موثوقة في الأعلى ومجموعة كبيرة من المحللين ومحللي الأرقام في الأسفل. لقد أصبحت صناعة ذات طابع أكثر مهنية وأكثر تعاملا بالكميات وأكثر إملالا.
على حد تعبير ترمب، هذا أمر محزن! لكن الأرقام لا تكذب: التقارير من المحاسبين تُلحق ضرراً أكثر من قصص الجواسيس. ما عليك سوى سؤال شركة رولز رويس، للتأكد، متى ما ساورك الشك في ذلك.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES