FINANCIAL TIMES

تحول الصين إلى قوة كبرى في أعالي البحار

تحول الصين إلى قوة كبرى في أعالي البحار

ميناء جوادار الباكستاني المطل على بحر العرب قبالة عمان، يجثم على وريد الطاقة في العالم. ممرات البحر القريبة تحمل معظم واردات الصين من النفط؛ وأي خلل فيه يمكن أن يخنق ثاني أكبر اقتصاد في العالم، أي الاقتصاد الصيني.
ميناء جوادار، المملوك والممول والمبني من قبل الصين، يحتل موقعا استراتيجيا، لكن إسلام أباد وبكين تنفيان منذ أعوام أي خطط عسكرية للميناء، حيث تصر كل منهما على أنه مشروع تجاري بحت. ويسميانه مشروع الممر الاقتصادي البري العظيم.
يقول مسؤول سابق في وزارة الخارجية في إسلام أباد: "في الوقت الذي يصبح فيه ميناء جوادار نشطا كميناء، فإن الحركة الصينية التجارية والبحرية على حد سواء ستنمو إلى هذه المنطقة. ليست هناك أي خطط لقاعدة بحرية صينية دائمة، لكن العلاقة تمتد إلى البحر."
جوادار هو جزء من طموح أكبر، مدفوع من الرئيس تشي جين بينج، لتصبح الصين قوة عظمى بحرية. تحقيق صحيفة "فاينانشيال تايمز" هذا، يكشف إلى أي مدى وصلت بكين في تحقيق ذلك الهدف في الأعوام الستة الماضية.
الاستثمارات في شبكة واسعة من الموانئ تجعل شركات تشغيل الموانئ الصينية قادة العالم. شركات الشحن الصينية تحمل بضائع أكثر من تلك التي في أي بلد آخر - خمسة من أكبر عشرة موانئ للحاويات في العالم هي في البر الصيني الرئيسي، مع آخر في هونج كونج.
خفر السواحل الصيني، لديهم أكبر أسطول لإنفاذ القانون البحري، وسلاح البحرية فيها هو الأسرع نموا بين القوى العظمى وأساطيل الصيد التابعة لها تبلغ نحو 200 ألف سفينة تجوب البحار.
ظهور الصين كقوة عظمى بحرية، من المتوقع أن يتحدى سيطرة الولايات المتحدة على البحار، وهي التي كانت تضمن عنصرا حاسما في مفهوم السلام المضمون من الولايات المتحدة، في الفترة النسبية للسلام الذي يتمتع به الغرب منذ الحرب العالمية الثانية.
في الوقت الذي يستعد فيه الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب لتولي المنصب، التوترات الاستراتيجية بين الصين والولايات المتحدة واضحة منذ الآن في بحر الصين الجنوبي، حيث تعهدت بكين بفرض مطالبها في الجزر والجزر المرجانية المتنازع عليها.
الصين تفهم النفوذ البحري بنفس الطريقة التي يفهمها ألفريد ماهان، خبير الاستراتيجية الأمريكي في القرن التاسع عشر.
كتب ماهان: "السيطرة على البحار عن طريق التجارة البحرية والتفوق البحري، يعني نفوذا مهيمنا في العالم؛ لأنه لا شيء، مهما كانت ثروة الأرض عظيمة، لا يمكن أن تسهل التبادل اللازم بقدر ما يفعل البحر."

حشد الخدمة العسكرية
نموذج جوادار، حيث استخدمت بكين معرفتها التجارية وقوتها المالية لتأمين الملكية على قاعدة تجارية استراتيجية، فقط لتدرجها في وقت لاحق في الخدمة العسكرية، تم استخدامه في مواقع رئيسية أخرى.
في سريلانكا واليونان وجيبوتي، فإن الاستثمار الصيني في الموانئ المدنية تبعه نشر أو زيارات من سفن سلاح البحرية التابع لجيش التحرير الشعبي، وفي بعض الحالات الإعلان عن حالات طوارئ عسكرية على المدى الطويل.
يقول أبهيجيت سينج، من مؤسسة أبحاث المراقبين في نيودلهي: "هناك ازدواجية كامنة في المرافق التي تؤسسها الصين في الموانئ الخارجية، التي تعتبر تجارية ظاهريا، لكن سرعان ما تكون قابلة للتحديث لتنفيذ مهام عسكرية أساسية".
البيانات التي جمعتها صحيفة "فاينانشيال تايمز" أو حصلت عليها من مصادر طرف ثالث تظهر مدى هيمنة الصين في معظم المجالات البحرية، فخطوط الشحن في بكين تنقل حاويات أكثر من تلك التي من أي بلد آخر، وذلك وفقا لبيانات من "دروري للاستشارات البحرية". شركات النقل الصينية الخمس الكبرى سيطرت معا على 18 في المائة من جميع شحن الحاويات التي تعاملت معها أكبر 20 شركة في العالم في عام 2015.
فيما يتعلق بموانئ الحاويات، الصين تحكم البحار منذ فترة. نحو ثلثي أكبر 50 ميناء في العالم كان لديها نوع من الاستثمار الصيني بحلول عام 2015، بارتفاع من نحو الخمس في عام 2010، وذلك وفقا لبحث صحيفة "فاينانشيال تايمز".
تلك الموانئ تتعامل مع 67 في المائة من أحجام الحاويات العالمية، بارتفاع من 41
في المائة في عام 2010، وذلك وفقا لوكالة لويدز ليست إنتيليجانس، المتخصصة في البيانات البحرية والتجارية.
تم تقليل الهيمنة تلك، لكنها لا تزال كبيرة حتى لو تم فقط قياس الحاويات التي تتعامل معها شركات تشغيل الموانئ الصينية.
من بين أكبر عشر شركات لتشغيل الموانئ العشرة، تتعامل الشركات الصينية مع 39 في المائة من جميع الأحجام، أي ضعف ثاني أكبر بلد، وذلك وفقا لشركة دروري.
ليس أن أكبر الموانئ في العالم هي التي تجتذب الاستثمارات الصينية فحسب، بل إن المواقع الاستراتيجية الرئيسية مثل جيبوتي أو هامبانتوتا في سريلانكا والموانئ المقترحة في جزيرتي ساو توميه وبرينسيبي في المحيط الأطلسي - جذبت أيضا الاستثمارات أو الوعود ببناء موانئ صينية، جديدة.
من الصعب حساب إجمالي الإنفاق بسبب عمليات الإفصاح الضئيلة، لكن منذ عام 2010، أبرمت الشركات الصينية وفي هونج كونج أو أعلنت عن صفقات تتضمن ما لا يقل عن 40 ميناء تبلغ قيمتها الإجمالي نحو 45.6 مليار دولار، وذلك وفقا لدراسة أجراها سام بيتسون وجيم كوك في معهد لاو للصين، وكلية كينجز في لندن، بالتعاون مع صحيفة "فاينانشيال تايمز".
ما يكمل صورة هيمنة التجارة البحرية لدى الصين هو أسطول الصيد في البلاد، الذي يعتبر إلى حد كبير الأكبر في العالم، وذلك وفقا لمايكل ماكديفيت، العميد البحري السابق في البحرية الأمريكية وزميل أول في المؤسسة الفكرية الأمريكية، سي إن آيه للدراسات الاستراتيجية.
حيث كتب: "معادلة القوة البحرية [في الصين] تشتمل على خفر سواحل كبير وفعال، وأسطول صيد، وتجارة بحرية من الطراز العالمي، وقدرة بناء سفن معترف بها عالميا، وقدرة على تنمية واستخراج الموارد البحرية، خصوصا الأسماك". منذ آلاف السنين، ركز الأباطرة الصينيون على الدفاع عن المملكة الوسطى ضد الغزوات البرية، لكن في عام 2015 أشار تقرير حكومي رسمي عن الاستراتيجية البحرية فرض تحولا كبيرا يقدم لمحة عن أهداف الصين المتغيرة.
ذكر التقرير: "العقلية التقليدية أن الأرض تتفوق على البحر يجب التخلي عنها، والأهمية الكبيرة يجب أن تكون مرتبطة بإدارة البحار والمحيطات وحماية الحقوق والمصالح البحرية."
يقول محللون إن الاستراتيجية الصينية تهدف في الأساس إلى حرمان مجموعات قتالية من حاملات الطائرات الأمريكية، من الوصول إلى سلسلة من الجزر من شبه جزيرة كامتشاتكا في روسيا إلى شبه جزيرة الملايو، حاجز بحري طبيعي يسمى "سلسلة الجزيرة الأولى" التي تحدد الصين مجال نفوذها الاستراتيجي من خلالها.
هناك تركيز آخر هو سلسلة من الجزر الاصطناعية التي أنشأتها بكين من الشعاب المرجانية والصخور للمساعدة في تعزيز مطالبها بمعظم بحر الصين الجنوبي، ما يضعها في مسار تصادمي مع جيرانها فضلا عن الولايات المتحدة.
تم تجهيز الجزر الاصطناعية بمدرجات هبوط وقالت مؤسسة فكرية أمريكية مؤخرا، بعد تحليل صور الأقمار الصناعية، إنه يبدو أن بكين قد ثبتت مدافع مضادة للطائرات، وأنظمة مضادة للصواريخ، ومرافق رادار، فوق تلك الجزر.
على الرغم من أن بكين تقلل من الأهداف الاستراتيجية الشاملة التي من هذا القبيل، إلا أنه يتم تأكيد الحملة لتكثيف الأمن البحري بانتظام في الأوساط الصينية الرسمية.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES