default Author

القيادة الحكيمة .. ومفعول إصدار القرارات

|

عندما تسود المشاعر السلبية، فإن ردود الأفعال المتهورة وغير المدروسة قد تزيد الوضع سوءا. في الفيلم الكوميدي «بلازينج سادلس»، يقوم الشريف في لحظة مؤثرة بتوجيه المسدس إلى رأسه، مهددا بقتل نفسه في حال لم يطع الجميع أوامره.
ينطبق أسلوب الإقناع هذا على ما حدث أخيرا في المملكة المتحدة، التي صوتت على الخروج من الاتحاد الأوروبي. حيث سقط عديد من القادة مثل قطع الدومينو بعد عدة أيام من الاستفتاء، وكان رئيس الوزراء ديفيد كاميرون الضحية الأكبر. هل كانت هناك ضرورة لحمام الدم هذا؟ من وجهة نظري، اعتماد المجتمعات والمؤسسات في الأوقات الحرجة نمط قيادة مبنيا على تفكير عميق عوضا عن ردود الأفعال التلقائية، يعتبر ضرورة أكثر من أي وقت مضى.
تم تناول مفهوم التقمص الوجداني كثيرا في الآونة الأخيرة. ووفقا لعالم النفس دانيال جولمان، له ثلاثة أنواع: المعرفي "الإدراكي" والعاطفي والوجداني. يمكن لمعظم القادة التعبير بسهولة عن التقمص الوجداني. ويختلف تعريفه عن آلية تطبيقه. وجدت أن عديدا من التنفيذيين الذين سبق أن عملت معهم، لا يفهمون المفردات العاطفية الأساسية اللازمة لفهم المشاعر السائدة في المنظمات والمجتمع.
في علم الإنسان "الأنثروبولوجيا"، البشر مبرمجون بالفطرة لإدراك التهديدات والتصرف بناء عليها. القتال، والتحليق، والتوقف! وهناك كثير من الحالات التي نراها بشكل يومي: كأن يقوم لاعب كرة القدم عند شعوره بالغضب بمواجهة الخصم ودفعه برأسه، أو هرب الطفل الصغير من الملعب عند وجود أطفال متنمرين. الدماغ يتفاعل، والشخص يتصرف بموجب ذلك. في هذه الحالات مبدأ دلفي "اعرف نفسك" ليس في مكانه، ويكون مبدأ "خلص نفسك" هو الخيار الأكثر حكمة. تستغرق ردود الفعل العاطفية القوية في المؤسسات وقتا أطول للظهور والخروج إلى العلن. كما هو الحال في الفيزياء النيوتونية، حيث يخضع رد الفعل العاطفي لنفس القوانين: هنا الدافع الأولي أو تغيير الظروف مطلوب، وتوجد علاقة سببية: تغيير أسباب رد الفعل، التي تؤدي إلى الانفعال. يكمن التحدي كون القادة الذين يحدثون تغييرا "المهمة الأساسية للقادة" ليسوا بطيئين فحسب في التعرف على ما يجري حولهم، بل يجهلون عموما كيفية التعامل معه. وإذا ما تساءلنا عن السبب، فيعزى ذلك إلى ضغط العمل المستمر. لقد أصبحنا نقّيم بماذا نفعل وليس لشخصنا. فغالبا لا نعطي الدلالات الموجودة أهمية، ويعتبر ذلك أمرا مستحيلا في عالم نتعرض فيه باستمرار لمعلومات جديدة. ونتيجة لذلك، تبقى مشاعر الغضب أو القلق أو الحزن تسيطر على المؤسسات في كثير من الأحيان، مثل الحمم البركانية غير مرئية وغير مستغلة. ومثل البراكين، لديها القدرة على الانفجار لتصبح مدمرة. وقد يؤدي ضغط العمل في البيئات المجهدة إلى الغطرسة والهيمنة عند عملية صنع القرار، عوضا عن التأني والحوار فهو يتطلب جهدا وتركيزا، وقد يشير إلى القضاء على ما يطلق عليه لودو فان دير هايدن "العملية العادلة".
يتذرع القادة بكون تقييم المنظومة المؤسساتية عملية معقدة، وبافتقارهم للوقت، فغالبا ما تكون أعراض الخلل الوظيفي على مرأى من الجميع في كثير من الأحيان. في عام 2015، كافحت ماريسا ماير في شركة ياهو! ووصفت تنحيتها عن منصبها بهذه السرعة "كجزء من اللعبة". ومن السهل التصديق أنها كانت وسيلة لتهدئة الرأي العام في ظل المشكلات العميقة التي كانت تعانيها "ياهو". ومع ذلك، فالفوضى في تسريح المواهب كانت دليلا على وجود خلل. وأفيد في ذلك الوقت في "بيزنس إنسايدر" بأنه تم تحميلها مسؤولية جميع الأخطاء. وتوقفت ماريسا عن الاستماع إلى ما يقوله الناس عنها. وقبل أسابيع قليلة، بعد أقل من عام، تم بيع الشركة لـ "فيريزون". ويتساءل المرء عما إذا قامت ماير التي عانت ضغوطا كبيرة بالوقوف على حقيقة ما يحدث.
والأسوأ من ذلك هو عدم إعطاء أهمية لمشاعر العملاء. وتعتبر شركة "سي وورد" مثالا على ذلك. فإذا لم تكن على دراية بأن الناس يشعرون بالقلق على بيئتنا، فأنت تعيش بمعزل عن الواقع. حيث تتطلب الشركة ثلاث سنوات لإعلان عزمها على إيقاف برنامج تربية حيتان الأوركا، بعد إدانة البرنامج الوثائقي "بلاك فيش" لها في 2013 وتسليطه الضوء على معاناة هذه الثدييات البحرية الرائعة في الأسر. وعلى الرغم من الاحتجاجات، إلا أنها أخفقت في اتخاذ إجراءات تحول دون ذلك. ولم تستطع الشركة تحقيق النتائج المتوقعة في السنوات الثلاث الأخيرة كشركة عامة. ومن المنتظر أن نرى ما إذا كانت الشركة ستنجح في إعادة هيكلة نفسها.
صرح جاك ويلش منذ عدة سنوات "تكمن المشكلة في كثير من الأحيان في فشل القادة في طرح سؤال "أين يكمن الخطأ؟"، وعند التفكير مليا نجد أن الإجابة عن هذا السؤال تكمن في حدس القادة أكثر منها في حسابات الشركة، فمن المرجح أن يكشف حدسهم هذا الخلل قبل ظهور النتائج .
أقترح أن تكون أفعالنا مبنية على تفكير عميق وليس كردود أفعال سريعة وغير مدروسة لاستباق حدوث الكارثة.
أولا، ينبغي للقادة أن يكونوا على دراية بطبيعة تفكير متابعيهم، في سبيل معرفة المشاعر السائدة. ويجب عليهم محاولة استشفاف تلك المشاعر سواء كانوا في تجمعات كبرى أو في مجموعات صغيرة. وفي حال كانت خاطئة سيقومون بمحاولة تصحيحها. ثانيا وهو الأهم: يحتاج القادة إلى تعلم مهارة الاستماع والنقد، ومعرفة الأساليب الدفاعية التي يمتلكونها. ولتحقيق هذه الغاية، يحتاجون إلى شركاء يساعدونهم في التعامل مع المعلومات، ويشاركونهم مشاعرهم ويساعدونهم على حل المشكلات. ويمكن أن يقوم بهذا الدور مدرب، أو رئيس العمل، أو مشرف أو أي شخص موثوق به. ومن المفارقات، أن الحاجة إلى هؤلاء الشركاء تزداد مع ارتقاء الشخص وظيفيا. وأخيرا يحتاج القادة إلى أن يأخذوا بعين الاعتبار الجهات الأخرى التي تربطهم بالعالم الخارجي، من عملاء ومساهمين والمجتمع ككل. فاتباع نهج مدروس يسعى إلى فهم مجريات الأمور، من شأنه أن يخفف من إمكانية الفهم الخاطئ للتصريحات. كما حدث مع توني هايوارد الرئيس التنفيذي لـ "بي بي"، الذي صرح بعد كارثة "ديب ووتر هورايزون"، "أريد أن أسترجع حياتي"، فعلى الرغم من تسبب حادثة التسرب النفطي في تدمير سبل العيش لآلاف الأشخاص على طول ساحل لويزيانا، استرجع هايوارد حياته مرة أخرى: ولكن ذلك كلفه وظيفته.
سيسمح السياسيون في حال عجزوا عن استيعاب خطورة الوضع، بتسلل الغوغائية ويفسحون للانتهازيين المجال للاستفادة من الغضب الشعبي السائد، واستقطاب الرأي العام وإيجاد "فريق آخر" يعتبر بمنزلة العدو. والأسوأ من ذلك، قد ينتهي بهم الأمر على غرار صدمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث قامت الأغلبية الصامتة بالتصويت في نهاية المطاف.
وبالمثل، فإن فشل القادة في استشعار المخاطر المحيطة بمؤسساتهم سيعرض خططهم للفشل، وسيواجهون مقاومة من الأطراف الأخرى، وسيتعرضون للغدر، وفي نهاية المطاف سيكون مصيرهم النسيان لشخصهم ولإنجازاتهم. في عصر العولمة، يكون الأشخاص تحت المجهر أكثر من أي وقت مضى، وتزداد الفوارق الاجتماعية، ويتم تداول أخبار المؤسسات في وسائل الإعلام الاجتماعي بشكل يومي.
لذا يجب على كل من القادة والأشخاص العاملين معهم أن يكونوا قريبين من المجتمع، من خلال أفعال مدروسة، وتجنب الفشل، وأن يكونوا في الطليعة عندما يتعلق الأمر بـ "إيجاد قيمة".

إنشرها